المناهج السعودية والتكفير التطابق مع “داعش “
رولا جبريل
في مقابلتها الأخيرة على قناة الجزيرة الانكليزية سألت الصحفية الإيطالية من أصول فلسطينية، رولا جبريل، الجنرال السعودي أنور عشقي: “لماذا داعش في الرقة تدرس المناهج السعودية؟”. لم تنتظر جبريل الرد مبادرة للإجابة: “لأنكم تتطابقون مع داعش أكثر من أي جماعات أخرى في المنطقة”.
المناهج نفسها كان هاجمها مدير معهد شؤون الخليج بواشنطن،علي أحمد، في إحدى المقابلات التلفزيونية . وصفها أحمد بأنّها “مليئة بالألفاظ الصريحة التي تكفّر غالبية المسلمين وأيضاً وتعادي وتحارب الآخر… هي مناهج تعبوية تكفيرية طائفية تصور للطالب أننا نعيش في حالة حرب مع المسلم الآخر ومع المواطن الآخر”… مع المسلم “من غير مَن الذي يتبع الوهابية كتفسير للإسلام ومع المختلف المسيحي واليهودي وغيره”.
تحت عنوان “الشرك الأكبر” تُخرج المناهج السعودية فرقاً إسلامية بكاملها من دائرة الاسلام كالصوفية والإمامية والاسماعيلية والمعتزلة، ويجري ذكر ذلك بشكل صريح في المناهج. هنا يذكر كتاب التوحيد للصف الثالث ثانوي، للعام الدراسي (2006-2007) أن “ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرباً لأصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم، وكأقوال غلاة الجهمية والمعتزلة…”، أو كالمذاهب الباطنية والفلاسفة، بحسب مقرر الصف الثالث ثانوي (2013-2014)، صفحة 33. ويطال التكفير أيضاً أتباع الديانات السماوية.
يشتغل مصطلح (الكفر الصراح) في خطاب المناهج السعودية، كحكم فقهي يربي في نفوس الطلبة الشعور بالمسؤولية تجاه معتقدات الآخرين، وهو شعور يحملهم واجب (البراء) الذي يوجب عليهم القيام بعمل يستبدل الكفر الصراح بالإيمان الصراح، وهذا يفضي إلى إباحة التدمير والقتل، اذ لا يمكن أن يتعايش الكفر والإيمان.
بكلمة آخرى، (الكفر الصراح) هو تحريض على القتل يتربى عليه الطفل في السعودية منذ نعومة أظافره حتى لحظة تمكن هذه الأظافر من الضغط على زر التفجير المدمر.
“الإنسان إما أن يكون كافراً أصلياً كاليهود والنصارى والوثنيين… فتكفير هؤلاء واجب بل إن من لم يكفرهم أو شك في كفرهم فهو كافر”، هكذا يكفر مقرر “التوحيد” للصف الثالث ثانوي (العام الدراسي 2013-2014) صفحة 30، كل المذاهب والأديان من غير ملة الإسلام، بعد اعتبار مختلف الفرق الإسلامية من غير الوهابية مرتبكة لشرك أكبر يقتضي التكفير وهدر الدم.
تقول مديرة مركز الحريات الدينية في مؤسسة فريدوم هاوس نينا شي: “إننا قلقون لأن مناهجهم تدعو لعدم التسامح مع الأديان والثقافات الأخرى بما في ذلك المذاهب والتفسيرات الإسلامية المغايرة”… مازالت هذه المناهج “مليئة بأفكار الكراهية ضد المسيحيين واليهود والمسلمين الآخرين بدءاً من مناهج السنة الابتدائية الأولى وصعوداً إلى السنة الثانية عشرة بلغة أكثر عنفاً”.
وفي مقال بعنوان “ المدارس الممولة من السعودية تدرس الكراهية الدينية”، كتب كارولين ديفيز وغرايم باتون مقالاً في 6 شباط/فبراير 2007 مقالاً في صحيفة “دايلي تلغراف” عن المدراس الموجودة في المملكة المتحدة. ونقلا عن “أستاذ اللغة الانجليزية في أكاديمية الملك فهد في منطقة أكتون، غرب لندن، كولين كوك، 62 عاماً، أن الكتب المدرسية التي يتم استخدامها من قبل الاطفال في الأكاديمية تصف اليهود بأنهم قردة (ممسوخون) والنصارى أي المسيحيون بأنهم (خنازير)… ويُسأل الطلبة، حسب إفادته، بـ (ذكر بعض خصائص مسخ اليهود)”.
وبحسب المقال نفسه فقد “سلّطت مجموعة فريدوم هاوس الحقوقية الاميركية على بعض الكتب المدرسية… في تقريرها الصادر العام 2006 والتي وصفت (مناهج الكراهية السعودية) ونقلت عن أحد الكتب التي توجّه الطلبة لاعلان الجهاد ضد الكفار من أجل نشر العقيدة”.
تفسر هذه النصوص كيف يمكن لـ 19 سعودياً أن يشارك في هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 التي استهدفت مدنيين، والعديد من الجرائم التي ارتكبت في بلدان العالم الاسلامي من قبل التكفيريين ضد أقليات غير مسلمة تماماً كتلك التي جزرت بالمسلمين.
تحت عنوان الولاء والبراء أيضاً، يحدد مقرر التوحيد المخصص للصف الثالث ثانوي لعام (2013-2014)، في صفحة 107 أن جواز موالاة “الكفار” لا يكون إلا في حالات الخوف والاضطرار والضعف والإكراه، مع الإبقاء على العداوة لهم وإخفائها.
وفيما تشدد هذه النقاط على فكرة وجوب الإبقاء على العداء للكفار (المسلمين المحكوم بكفرهم، والنصارى واليهود الذين يُعدون من أهل الكتاب)، فإنها تجيز لولي الأمر، أي الحاكم أو الملك، أن يتعاطى معهم ويعقد الاتفاقات تحت عنوان المصلحة، وذلك لإيجاد مخرج لأزمة لطالما واجهها ملوك السعودية في تبرير علاقاتهم مع الأنظمة الغربية.
فيذكرالمقرر نفسه صفحة 108: “الظن بأن الدخول في معاهدات مع الكفار من أنواع الولاء المحرم ومن الركون إلى الذين ظلموا الموجب للخروج من الإسلام، وهذا الكلام ليس على إطلاقه فقد يرى ولي أمر المسلمين في معاهدة الكفار في بعض الأحوال والأزمنة ما يحقق مصلحة المسلمين أو يدرأ عنهم شراً، وقد تكون هذه المعاهدة مشتملة على نوع من التنازل والغضاضة على المسلمين لكن فيها مراعاة لمصلحة أعظم او دفع لمفسدة أكبر”.
بهذا الرأي واجه حكام السعودية الانتقادات التي وُجهت لهم في السماح للقوات الفرنسية بقصف الحرم المكي والتصدي لحركة جهيمان العتيبي (1979). كما استندت إلى الرأي نفسه عندما خرج تيار الصحوة في المملكة تحالف السعودية مع الولايات المتحدة الأميركية في حرب الخليج الثانية عام 1991، أو انتقاد الدور الذي لعبته السعودية في الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
طاعة ولي الأمر
وفيما تطلق المناهج السعودية العنان أمام تكفير المسلم وغير المسلم، فإنها تبقي على ما من شأنه ضبط التكفير ويمكنها من التحكم به، والسر هنا يكمن في عنوان “طاعة ولي الأمر” الذي تجب “مبايعته والاجتماع عليه”.
يأتي في “التوحيد” للصف الثالث ثانوي (2013-2014)، صفحة 99، أن طاعة ولي الأمر (الحاكم) هي“من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها”، ولذلك يأتي التشديد على “تحريم الخروج على ولي الأمر، وتحريم منازعته حتى ولو كان عنده جور وظلم ومعصية”… “لما يسببه الخروج من فتن وفساد وشرور وإختلال للأمن وإراقة الدماء”، تقديس “ولي الأمر” ولو كان ظالماً تقره المناهج السعودية في وقت تكفر فيه المسلمين الذين يقدسون الأولياء الصالحين سواء من الأحياء أو الموتى.
في سنوات دراسته الأولى، يجري تعليم الطفل السعودي على مصطلحات: البدع والشرك والتوحيد، في سنواته الأخيرة يتمكن الطالب السعودي من تحديد هذه المصطلحات وتطبيقها واقعياً ليكفر الكل، راسماً بذلك صورة غير مكتملة للعدو بانتظار رأي ولي الأمر…
هكذا تُرسم صورة العدو في المناهج الدينية في السعودية، وهكذا يُبرأ الاستكبار والاحتلال وتُخلى ساحات مواجهته ومجاهدته تحت عنوان “طاعة ولي الأمر”.