السياسة الخارجية السعودية .. فشل في كل الملفات
كل شيء يهون من أجل تنصيب الأمير محمد بن سلمان ملكاً على السعودية في أجواء مثالية . وحتى ذلك الحين إذا تطلب هذا الأمر إقفالا للملف اليمني فليكن ، وإن تطلب توكيلا للسيسي في الملف السوري فليكن ، وإذا تطلب تبريداً للمشاكل الساخنة مع بغداد فليكن ، وإن تطلب تجميداً للخلافات المحتدمة مع طهران فليكن ، بل إذا تطلب إستدارة حادة في مسار السياسة الخارجية السعودية بعامةٍ فليكن . كل هذا مطلوبٌ في ظرف زمني سعودي محددٍ والإشتغال عليه قائم على قدم وساق بإستثناء ملف الأزمة المفتعلة مع قطر ، فهذا يتطلب العكس : التصعيد ثم التصعيد مترافقاً مع حملة التمهيد للوصول بولي العهد إلى عرش المملكة . أما لماذا التصعيد في الملف القطري دوناً عن غيره ، فهذا ما تجيب عليه تداعيات الملفات المذكورة أعلاه .
ففي الملف اليمني ترتبط محورياً ذاكرة الخراب الأحدث في هذا البلد بباكورة شطحات الأمير الشاب المتحمس محمد بن سلمان حين قاد من موقعه كوزير للدفاع تحالفاً عسكرياً ضد الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ظنه فرصة لإستعراض بطولةٍ شاهدةٍ لقيادةٍ واعدةٍ ، لينتهي مشواره بعد أكثر من سنتين من التخبط في أوحال اليمن إلى ما نراه الآن من مراوحةٍ عسكريةٍ على أشلاء الحواضر اليمنية أفضت إلى نزوع سعودي متهافت للبحث عن حل سياسي يحفظ ماء الوجه ويزيح عن كاهل (العاهل السعودي القادم) أعباء الإستمرار في حرب خاسرة لن يكسبها كما يفصح واقع الحال ولن يحصد منها سوى الأكلاف المادية والسياسية والأخلاقية . فلتتسارع الجهود إذاً لإقفال الملف اليمني كُرمى لعيون ولي العهد الشاخصة إلى كرسي العرش.
وفي الملف السوري ، لا تبدو سعودياً الأحوال على الأرض السورية أفضل من اليمنية ، فهي لا تَـعِـد سوى بتهاوي الهدف السعودي نزولا من قمة الإصرار على إزاحة الرئيس بشار الأسد إلى حتمية التعايش المرحلي معه وصولاً إلى التسليم الكامل بما ستسفر عنه مفاوضات (الكبار) حول مستقبل سوريا دون أن يكون للسعودية تأثيراً فاعلا فيه ، وما دام الأمر كذلك فليُصار إلى (توكيل) الرئيس السيسي كممثل عن السعودية في مهمةٍ تكاد تكون محض بروتوكوليةٍ وقد لا تتعدى مجرد التوقيع للشهادة على المحضر النهائي لتسوية الملف السوري ، وبهذا ستنزاح عقبة معنوية ومادية أمام إنتقال هادئ بلا منغصات لمقاليد السلطة في السعودية .
أما عن الملف العراقي ، فعلى وقع الزيارات المتبادلة بين الجانبين السعودي والعراقي تراجعت لغة التشنج التخاصمية السعودية لتتقدم عليها لغة تصالحية جديدة تروج لمفردات عابرة للطائفية كالأخوّة والمصالح المشتركة وعلاقات حسن الجوار وسوى ذلك من مفردات ومصطلحات لطالما افتقدها الخطاب السعودي التقليدي تجاه القيادة العراقية ، وكل هذا ما كان ليحصل لولا الإستعجال السعودي للتفرغ التام ليوم تنصيب ولي العهد محمد بن سلمان ملكاً على بلاده في سباق مع الزمن يتطلب على ذات المنوال تجميد (ما يمكن) تجميدها من صفحات ملف الخلافات السعودية الإيرانية ما دامت حزمة الملفات هذه لا تبشر إجمالاً بشيء ملموس لصالح الأهداف السعودية ، إلا ملف الأزمة مع قطر ، هذه الأزمة التي افتُـعـِلت لغايةٍ مُركّبةٍ يتعلق جزء منها بتحويل أنظار الداخل السعودي عن مؤامرة الإنقلاب على ولي العهد السابق محمد بن نايف ، وجزء آخر يتوخى تحجيم الدور القطري فيما تعتبره القيادة السعودية (تدعمها الإماراتية والمصرية) منافساً عنيداً لدورها المتهالك في الملفات الآنفة وغيرها ، فيما يصب الجزء الأخير في خانة (التنمّر) على ما اعتقده طاقم ولي العهد الجديد هدفاً سهلاً لتحقيق إنتصار (ولو معنوي) عجزت عنه القيادة السعودية في كل الملفات الأخرى. لكن الرياح أتت عكس ما اشتهت سفينة الربان محمد بن سلمان ، (فالتنمّر) على القطريين بمختلف الوسائل الترهيبية جاء بنتائج عكسية تجلت في صمود قطري ماثل على كل الأصعدة ، وهو ما دفع القيادة السعودية (وبدلا من التراجع) إلى مزيدٍ من المكابرة المتغطرسة فراحت تصعّـد وتصعّـد مع قطر بعد أن أسقط من يدها آخر ملف إفتعلت أحداثه دون أن تحقق من وراءه ولو ربع نصرٍ كسيح ما أحوج ولي العهد إليه في زفـّـتـهِ إلى العرش ، حتى لكأن مشفقاً عليه يقول للقطريين : نقطوه ربع النصر الكسيح هذا لعلكم تستريحون منه .. ويستريح !.
مهند بتار
وطن