زيارة مقتدى الصدر إلى #السعودية؛ عندما يصبح آل سعود هم “المربية الأكثر حناناً من الأم”
قام زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بزيارة رسمية إلى السعودية بناءً على دعوة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وتعتبر هذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها مقتدى الصدر منذ العام 2006 حين إلتقى أنذاك بالملك السعودي الراحل عبد الله بن العزيز.
وللتيار الصدري 34 مقعداً في مجلس النواب العراقي، ويقال أن الجناح العسكري لهذا التيار والمسمى بـ سرايا السلام مؤلف من 60 الف مقاتل. وتأتي زيارة الصدر إلى السعودية بعيد زيارات مماثلة قام بها كل من حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي، وقاسم الأعرجي وزير الداخلية إلى السعودية، كما أنه وطبقاً لما أعلنته وسائل إعلام سعودية فإنه من المقرر أن يقوم رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي، وشخصيات سياسية عراقية أخرى من بينها عمار الحكيم الذي غادر مؤخراً المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وأسس حزباً جديداً بزيارات إلى السعودية.
ولكل من المعسكرين المؤيد والمعارض لزيارة زعيم التيار الصدري إلى السعودية أسبابه المحددة. فالمعسكر المعارض والمنتقد لهذه الزيارة يرى أنها جاءت في غير محلها وفي ظروف غير مناسبة، لأنه وكما يعتقد هذا المعسكر فهي جاءت في وقت ما تزال فيه الغارات السعودية متواصلة ضد المناطق المدنية في اليمن، وفي الوقت الذي يصارع فيه أبناء الشعب اليمني الموت بسبب تفشي وباء الكوليرا نتيجة حرمانهم من المياه الصالحة للشرب، وكذلك في الوقت الذي تواصل فيه الرياض منع إدخال الأدوية إلى اليمن، حيث أنه وفي حال تعذر وصول الأدوية والمستلزمات الطبية فإن أبناء الشعب اليمني سيكونون على موعد قريباً مع كارثة إنسانية كبيرة.
أيضاً يرى منتقدو الزيارة أن الظروف لم تكن مؤاتية لزيارة الصدر إلى السعودية، كونها جاءت في وقت يتعرض فيه أبناء المناطق الشيعية في السعودية كالقطيف والعوامية لهجمات قمعية من قبل النظام السعودي، في الوقت الذي لا يطالب فيه أبناء هذه المناطق بغير المساواة ومنحهم الحقوق ذاتها التي يتمتع بها باقي أفراد الشعب السعودي، حيث يعاني الشيعة من التمييز وعدم المساواة، وعندما يعترضون على ذلك يقمعهم النظام السعودي بيد من حديد، وبقوة الحديد والنار.
إلا أنه وفي مقابل المعسكر الرافض، يرى المعسكر المؤيد لزيارة الصدر إلى السعودية أنها نقطة إيجابية، فهذا المعسكر يعتقد أنه وبما أن التيارات السياسية الشيعية تتمتع بعلاقات جيدة مع إيران، فإن هذه الزيارات من شأنها أن تكون بداية لحل وإنهاء الخلافات بين إيران والسعودية، حيث من الممكن أن تؤدي إلى حل القضايا العالقة في المنطقة.
إن هذا المقال لم يكتب لكي يكون مدافعاً او معارضاً لهذه الزيارة، لأن التيارات السياسية العراقية مستقلة فيما تتخذه من قرارات، والجمهورية الإسلامية الإيرانية تدعم جميع الأحزاب والتيارات السياسية العراقية شيعية كانت أم سنية، وتُكن الإحترام لرؤى هذه الأحزاب، وهي لم ولن تفرض أبداً على تيار أو حزب سياسي عراقي العمل بسياسة معينة، وإذا كانت هذه التيارات قد تلقت دعماً من إيران لحد الآن، فإن هذا الدعم لم يتعدى مستوى تقديم المشورة لا أكثر.
فحتى التواجد الإيراني على الأراضي العراقية لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي كان بناءً على طلب وموافقة من الحكومة العراقية، وكما يقول الساسة والمسؤولون العراقيون فإنه لو لا التواجد الإيراني لما كانت المواجهة مع داعش الإجرامي قد إنتهت عند هذا الحد، ولكانت بغداد والمراقد الدينية في العراق اليوم مهددة بالسقوط بيد الإرهابيين الدواعش.
ومن النقاط التي ينبغي الإشارة اليها في زيارة مقتدى الصدر إلى السعودية، ولم يُلتفت اليها كثيراً، هي تعاطي وتعامل الإعلام السعودي مع الزيارة كزيارة فقط، بغض النظر عن الظروف والوقت الذي جاءت فيه. إن النظام السعودي يسعى لتوظيف هذه الزيارة لإيجاد الخلافات بين التيارات السياسية العراقية وإبعادها عن إيران، ومواجهة النفوذ الإيراني في العراق، ويريد من خلال ذلك إيصال رسالة مفادها أن الشعب العراقي يطالب بألا تتدخل إيران في العراق.
إن وسائل الإعلام السعودية وبحملة مضخمة في إطار الحرب الدعاية التي تشنها ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تشر إلا إلى القضايا ذات الإهتمام المشترك بين العراق والسعودية، وكذلك إلى دعم بغداد في مواجهتها لداعش بينما الهدف من وراء ذلك كله هو المواجهة مع إيران. برأيي أنه إذا كانت هذه العلاقات ستستطيع المساعدة في حل مشاكل العراق، ومواجهة المجموعات الإرهابية في هذا البلد، وتخفف ولو جزءً من المعاناة والعذاب اللذين يعيشهما الشعب العراقي، فإنها ستعتبر بشارة خير، وإيران سترحب بها، لكن المرحلة أثبتت أن السعودية تسعى إلى تحقيق أهداف أخرى من وراء تقربها من التيارات السياسية العراقية، حيث رأينا ذلك خلال السنوات الماضية.
إن الجمهورية الإسلامية عملت خلال السنوات الماضية على دعم التعايش السلمي بين الأحزاب السياسية العراقية القائم على المساواة و الإحترام المتبادل، ووقفت على النقيض مع السياسات الطائفية في العراق، وكانت وما تزال تعتبر تقدم العراق وإستقراره وأمنه، إستقراراً وإرساءً للأمن فيها، ودعمت التعددية الحزبية التي أفرزتها آراء الشعب، لأنها ترى أن عزلة أي من التيارات أو الأحزاب ليس بصالح العراق، وتعتبر أن مشاركة جميع التيارات السياسية العراقية في صناعة القرار وتقدم ورقي العراق أمراً ضرورياً ولا بد منه، في الوقت الذي دأبت فيه وسائل السعودية خلال هذه السنوات على اللعب على وتر الطائفية والمذهبية في العراق. وحاولت وما تزال تكرر القول أن الشيعة يعملون على إقصاء أهل السنة؛ وهذه هي السياسة التي لا وجود لها في إستراتيجيات التيارات السياسية العراقية، فالشيعة خلال هذه السنوات تعاملوا بحسن نية، وبينوا أنهم لا يسعون إلى القضاء على التيارات المنافسة لهم، وأنهم يعتبرون أن مشاركة مختلف التيارات السياسية في بناء العراق القوي هي بصالح العراق ومستقبله السياسي وإعمار هذا البلد، وهذه هي السياسة التي دأبت التيارات السياسية الشيعية على إتباعها.
إن السؤال الرئيس هنا هو مالذي حدث فجأة حتى أصبحت السعودية التي كانت تتهم إيران بالطائفية، والتيارات السياسية المتماشية مع إيران بسبب التقارب الفكري، بالإرتزاق والإرتباط مع طهران، “المربية الأكثر حناناً من الأم بالنسبة للعراقيين” وهي التي رفضت بعد الحرب الأمريكية على العراق فتح سفارتها في بغداد بذريعة إنعدام الأمن، وجوبهت سياساتها السلبية وتدخلاتها على الدوام بالرفض من قبل أبناء الشعب العراقي والأحزاب السياسية العراقية، بحيث أجبرت الرياض مؤخراً على تغيير سفيرها في بغداد “ثامر السبهان” بسبب تدخلاته في الشأن العراقي وتصريحاته المناوئة للشحد الشعبي، وممارسته لسياسات طائفية.
إنه من السذاجة أن ينظر إلى الإجراءات السعودية ضد العراق وتغيير توجه الرياض حيال التيارات السياسية الشيعية على أنها جزءٌ من النية الحسنة للسعودية، لأن “من جرب المجرب كان عقله مخرب” فعلى ما يبدو أن السعودية وبعد العزلة السياسية التي عاشتها في المنطقة والتي تعمقت جراء الحرب على اليمن، تسعى إلى تعزيز موقفها في ما يخص الأزمات في المنطقة، وتسعى عبر تغيير توجهها، والتقرب من التيارات السياسية القريبة من إيران، إلى الحد وفق زعمها من النفوذ والتأثير الإيراني في المنطقة. إن السعودية تواجه أزمات كبيرة في المنطقة، وكنموذج أخير على هذه الأزمات، خلافها مع دولة أصغر منها وهي قطر، كما أن باقي البلدان في المنطقة تسعى عملياً إلى إنتهاج سياسة مستقلة عن السياسة السعودية. أيضاً يجب علينا الأخذ بالإعتبار أن ربيع العام المقبل سيشهد إقامة إنتخابات برلمانية في العراق، الإنتخابات التي ستكون مختلفة، والتي سنشهد فيها تشكل إئتلافات وتيارات سياسية جديدة، وكلما إقتربنا من إقامة الإنتخابات البرلمانية العراقية، كلما زادت السعودية من تحركاتها، لأن الرياض تخشى من وصول التيارات المقربة من إيران إلى السلطة. وستبذل قصارى جهدها للحيلولة دون حدوث ذلك، بينما هي لا تعلم أن قرب التيارات السياسية العراقية من إيران يرجع سببه إلى تأريخ العلاقات الفكرية والسياسية المشتركة بين البلدين وليس مرتبطاً بالمصالح الحزبية العابرة.
تسنيم