شكوك مصرية: التحالف الجديد يضم الخصوم.. ودولا فاشلة
ورغم أن الحرب على تنظيم «داعش» هو العنوان الأبرز للحرب على الإرهاب، إلا أن الإعلان السعودي عن تأليف التحالف الجديد اختار تعميم الحرب على الإرهاب، من دون تحديد المنظمات الإرهابية، فاتحاً الطريق أمام تفسيرات متباينة للإرهاب.
واللافت أن التحالف الذي أعلن فجأة ومن دون مقدمات واضحة، جاء بعد قرار من جامعة الدول العربية بإنشاء قوة عربية مشتركة، وعقدت اجتماعات لرؤساء أركان حرب الدول العربية لمناقشة التفاصيل بما أوحى بجدية المشروع. ومع ذلك لم يحرز أي تقدم فيه، وأعلن بدلاً منه التحالف الإسلامي، بقيادة السعودية.
ومن الصعب أخذ الإعلان المفاجئ على محمل الجد، ليس فقط لأنه لم تسبقه مفاوضات ومشاورات ولم تعلن آليات واضحة لعمل هذا التحالف وأهدافه المباشرة، ومختلف الأمور التي تجعل من أي إعلان إعلاناً جاداً، ولكن لأن خليط الدول التي يجمعها تمثل تبايناً غير مسبوق، ولا يجمعها سوى الإسلام السني.
فدول في التحالف المعلن عنه تتبادل الاتهامات حول دعم وتمويل الإرهاب الذي سيحاربه التحالف، ودول أخرى بالتحالف منهارة تماماً أو شبه منهارة، وليس فيها جيوش بالمعنى المتعارف عليه، بل ميليشيات متحاربة لا يمكن أن تكون عضواً فاعلاً في تحالف، وبعض الدول لا تربطها بالمنطقة سوى الديانة، بينما ترتبط سياسياً وعسكرياً بمناطق أخرى مثل اندونيسيا.
ومع وجود تحالف عسكري تقوده أميركا يخوض الحرب ضد «داعش»، ومحور آخر بقيادة روسيا يخوض الحرب ذاتها، يصبح نطاق عمل التحالف الجديد غير مفهوم، خاصة أن عدداً من الدول المنضوية فيه تشارك في التحالف الأميركي.
ومن الواضح أن لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان كان له دور مهم في الترويج لإعلان التحالف.
إعلان التحالف بمشاركة مصرية، صاحبه الإعلان عن إجراءات سعودية جديدة لدعم الاقتصاد المصري. فقد وجه الملك سلمان برفع الاستثمارات السعودية في مصر لتصل إلى 30 مليار ريال (8 مليارات دولار) وضمان إمدادات بترولية لمصر لخمس سنوات.
وتبدو حزمة الدعم السعودي المقدمة لمصر أقل سخاءً بكثير من ذي قبل. فالاستثمارات التي سترتفع لثمانية مليارات هي بالفعل حاليا أكثر من ستة مليارات دولار. أي أن الزيادة لن تتجاوز ملياري دولار، في هيئة استثمارات. كما أنه لم يتم توضيح ما إذا كانت الإمدادات النفطية عبارة عن مساعدات أم ستقدم بشروط سداد ميسرة. بينما بلغت المساعدات التي قدمت لمصر من دول الخليج ( الفارسي ) 25 مليار دولار، بعد إطاحة محمد مرسي في العام 2013. تلك المساعدات الطائلة لم تقنع القاهرة بالتدخل بجيشها في حرب اليمن، واكتفت بمشاركة رمزية. وحزمة المساعدات السعودية الأكثر تواضعاً ربما لن تنجح في إقناع مصر بالمشاركة بجيشها خارج الحدود.
والتحالف المعلن عنه فجأة لا يحظى بشعبية كبيرة، خاصة مع غياب التفاصيل المطلوبة لفهم دوره وآليات عمله.
ويقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير معصوم مرزوق، لـ«السفير»، إن «ما أُعلن عنه لا يمكن أن يعكس بشكل من الأشكال تحالفاً عسكرياً ولا حتى سياسياً. التحالفات الحقيقية لا تنشأ فجأة. يبدو الأمر واضحاً، وزير الخارجية الأميركي (جون كيري) دعا قبل أسابيع لتشكيل قوة عسكرية سنية لمواجهة داعش، والسعودية أعلنت تشكيل القوة، ومصر أيدتها. الخطاب الذي أعلن تشكيل التحالف، يبدو كما لو كان مترجماً من لغة أخرى».
ويضيف المرزوق «كيف يضم تحالف عسكري واحد مصر وتركيا، بينما مصر تتهم قطر وتركيا بدعم الإرهاب، وكيف يضم دولا فاشلة مثل الصومال وليبيا؟ وكيف تقرر أن يكون مقر عمليات التحالف السعودية. فوفقاً لحجم القوات والتسليح والكفاءة القتالية، كان من المفترض أن تكون القيادة في تركيا أو مصر لا في السعودية. ليس هناك أي شيء واضح حول التحالف، من سيحارب وكيف، وآليات عمله والتنسيق بين الدول؟ لم تعلن اتفاقية واضحة لعمل لتأسيس هذا التحالف. يمكن القول إن هذا التحالف، سمك لبن تمر هندي».
ويرى المرزوق أن ما تقدمه السعودية لمصر لا يمكن أن يكون مقابلا لانضمامها للتحالف. وقال «بالنسبة للاستثمارات السعودية، فالدولة التي تستثمر في مصر تحقق الأرباح، وهي أرباح كبيرة، ومن يريد أن يستثمر في مصر يجب ألا يكون في مقابل سياسي أو عسكري، لأنه يجني مقابلاً اقتصادياً كبيراً بالفعل. أما عن المواد البترولية، فمعادلة النفط مقابل الدم مرفوضة تماماً شعبياً في مصر، ولا يمكن القبول بها. فمصر لن تقدم قطرة دم واحدة في معارك خارج أراضيها. لدينا معارك في سيناء وعلى الحدود، ولسنا في حاجة لمعارك جديدة خارج الحدود».
ربما كان الحجم والسرعة من المقومات الرئيسية لأي تحالف عسكري، ولكن التحالف الذي أعلنته السعودية، كان أكثر من اللازم، لدرجة أنه ضم الخصوم السياسيين. كما أن السرعة جاءت مبالغاً فيها لدرجة أثارت الشكوك حول الجدية.
مصطفى بسيوني.