التحالف الإسلامي العسكري
بغضّ النظر عن عدد الدول التي ستُشارك فعليًا في “التحالف الإسلامي العسكري” الذي أعلن عن تشكيله، وتلك التي ورد إسمها فقط من باب التأييد المعنوي، وبغضّ النظر عن قانونيّة عُضويّة لبنان فيه كون لبنان ليس بلداً إسلاميًّا وكون عضويّته في التحالف لم تمرّ بالمسار القانوني الطبيعي لمؤسّسات الدولة اللبنانيّة، الأسئلة التي تفرض نفسها إزاء هذا التطوّر كثيرة، وأبرزها: هل التحالف العسكري الإسلامي جدّي وفعلي، أم هو عبارة عن موقف إعلامي إستعراضي؟ وهل تُوجد دول مُستعدّة لإرسال آلاف العسكريّين للقتال ضُد الجماعات الإرهابيّة؟ وهل سيتم إرسال قوّات برّية مُقاتلة إلى سوريا والعراق وليبيا في المُستقبل القريب تحت عنوان محاربة الجماعات الإرهابيّة؟
لا شكّ أنّ تشكيل “التحالف الإسلامي العسكري” يُعتبَر خطوة بالغة الأهمّية، سيكون لها إنعكاسات مُباشرة على الوضع في المنطقة، في حال إلتزمت الدول المعنيّة به، بما هو مُخطّط له من أدوار مُستقبليّة. وفي هذا السياق، يُمكن تسجيل الملاحظات التالية:
أوّلاً: يضمّ هذا “التحالف” الجديد الذي أنشئ بحجّة محاربة الإرهاب، عدداً كبيراً من الدول ذات الأغلبيّة الإسلاميّة السنّية، مع تسجيل غياب لافت لكل من إيران وسوريا والعراق، وهي الدول التي سبق وأعلنت في الماضي القريب عن تشكيل تحالف مع روسيا، وعن إنشاء غرفة عمليّات مُشتركة في بغداد لمحاربة الإرهاب، الأمر الذي يُجسّد بوضوح طبيعة الإنقسامات السياسيّة والمذهبيّة القائمة في المنطقة حاليًّا.
ثانيًا: يستفيد هذا “التحالف” الجديد من مركز عمليّات مُشتركة مقرّه الرياض، وهو بقيادة المملكة العربيّة السعودية، ما يجعل التأثير السعودي على قرارته كبيراً، مع توقّع أن يكون تمويل العديد من أنشطته المُستقبليّة سعوديًّا وخليجيًّا. وكان لافتاً حرص كبار المسؤولين السعوديّين على التأكيد أنّ عمليّات هذا التحالف لا تستهدف تنظيم “داعش” الإرهابي حصرًا، وإنّما “جميع المنظّمات الإرهابيّة” مع ما لهذا التعبير من تفسيرات مُختلفة ومطّاطيّة، حيث أنّ السعودية تصف مثلاً ميليشيات “أنصار الله” في اليمن بالجماعات الإرهابيّة.
ثالثًا: يهدف هذا “التحالف” الجديد إلى تأمين الغطاء القانوني الضروري لأيّ إنخراط عسكري مُستقبلي مُحتمل لدول إسلاميّة تملك جُيوشًا كبيرة من حيث العدد في مناطق عربيّة ساخنة. وتأتي في طليعة هذه الدول الجمهورية العربيّة المصريّة التي تُحاول السعوديّة الإستفادة من قُدراتها العسكريّة ومن ثقلها الإقليمي لإنجاح “التحالف”، علماً أنّ وفدًا سُعوديًّا رفيع المستوى توجّه إلى القاهرة لهذه الغاية. لكن لمصر ولغيرها من الدول التي إنضمّت إلى “التحالف الإسلامي العسكري” رأي مختلف عن رأي السعوديّة، حيث أنّها تعتبر أنّ أولويّته تتمثّل بمحاربة الجماعات الإرهابيّة عبر تعزيز التعاون الإستخباري والمعلوماتي وتبادل الخبرات، وليس تشكيل قوّة عسكريّة مُقاتلة، مع التذكير بأنّ المحاولات السابقة التي هدفت إلى إنشاء قوّة إسلاميّة قتالية مُشركة لم تنجح.
رابعاً: تُخطّط كل من تركيا والسعوديّة التي جمعتهما بعض المصالح المُشتركة في إطار تحالف واحد، للإستفادة من المُطالبات الدَوليّة لمحاربة تنظيم “داعش”، لتوجيه وحدات قتاليّة برّية من الدول الأعضاء في التحالف، إلى الدول العربيّة التي تشهد أوضاعًا أمنيّة سيّئة والتي تحتلّ جماعات إرهابيّة أجزاء من أراضيها. ويتردّد في الكواليس أنّ كلاً من أنقرة والرياض يسعيان جاهدين للحصول على “ضوء أخضر” غربي لنشر قوّات برّية في سوريا، عبر مُهاجمة مواقع مُسلّحي “داعش” وإسقاطها عسكريّا.
خامسًا: تأمل السعودية أن يتطوّر التحالف العسكري الإسلامي من مُجرّد تنسيق إستخباري، وتعاون أمني، إلى تحالف عسكري كامل، تتعهّد الدول المُنخرطة فيه بالدفاع عسكريّا عن باقي الأعضاء في الحلف، في حال تعرّض أيّ منها لأيّ مخاطر عسكريّة.
في الختام، يُمكن القول إنّ منطقة الشرق الأوسط تشهد حاليّا مخاضًا كبيراً يشمل عمليّات خلط أوراق عسكريّة وسياسيّة، ومحاولات لتشكيل تحالفات عريضة تفرض مصالحها وسياساتها المُشتركة. والأكيد أنّ التحالف الذي يضم إيران مع شركائها الدَوليّين والإقليميّين، حثّ السعودية على العمل جاهدة على مُحاولة إيجاد توازنات إستراتيجيّة. والإعلان عن تشكيل “التحالف العسكري الإسلامي” بقيادتها، يصبّ بالتأكيد في هذا الإتجاه. فهل تنجح؟