فلسطين التاريخية أمام تهديد غير مسبوق (ترجمة)
الكاتب: Daniel VANHOVE، عن موقع free.niooz.fr الالكتروني
ما الذي لم يكتب أو ينشر من كتب ووثائق وأخبار عن الأراضي الفلسطينية المحتلة بهدف لفت انتباه أكبر عدد من الناس والمسؤولين السياسيين إلى ما يجري من تقطيع لأوصال فلسطين التاريخية لصالح المستوطنة الصهيونية؟
وكل ذلك دون أية نتيجة تكون بمستوى المأساة التي تجري في فلسطين. ودون أي رد فعل محدد من قبل الأمم الأخرى. كيف يمكننا أن نفهم ذلك؟
من غير الممكن في الوقت الحالي عدم الرجوع لسنوات عديدة إلى الوراء لنفهم، على ضوء الأحداث التي تعاقبت منذ ذلك الوقت، إلى أية درجة كانت اتفاقيات أوسلو خطأً استراتيجياً ارتكبه الرئيس عرفات. لقد تصرف الفلسطينيون بمنتهى السذاجة وخدعوا، لمرة إضافية، وذلك لصالح الإيديولوجيا الصهيونية الخبيثة التي واصلت التقدم نحو هدفها المتمثل بوضع اليد على جميع الأراضي الفلسطينية.
إن فن ممارسة الديبلوماسية هو، بالنسبة لبلد ما، في قدرة هذا البلد على التكيف مع الأحداث. والحال أن الوضع في فلسطين المحتلة لا يفعل، منذ توقيع تلك الاتفاقيات غير المزيد من التدهور، حيث أن المستفيد الوحيد هو المشروع الصهيوني. ولا بد من الاستنتاج أن ياسر عرفات، في أيامه، وحكومة محمود عباس الحالية لم يعرفا كيف يتصرفا بطريقة مناسبة عناداً منهما على متابعة سراب “عملية سلام” جرى قتلها على مر الزمن عن طريق الموت البطيء على يد المناورات الصهيونية الخبيثة.
وبعيداً عن أن تمارس الديبلوماسية الدولية المصطفة خلف الديبلوماسية الأميركية أي ضغط كان من شأنه أن يلزم الفريق الإسرائيلي بالالتزام في ما ينبغي الالتزام به، فإنها اتخذت لنفسها مواقع خلف خطاب أوسلو الأعوج. وبذلك، فإنها منعت كل إمكانية لقسمة مقبولة بين الكيان الصهيوني والدولة الفلسطينية غير المرجحة الوجود، وذلك إلى الحد الذي جعلها اليوم بعيدة كل البعد عن الوجود.
فلسطين التاريخية أمام تهديد غير مسبوق
وكذا الأمر بالنسبة للجهات الناشطة في خدمة القضية الفلسطينية والتي تصر بغالبيتها على السير وراء حلم “دولتين تعيشان جنباً إلى جنب في ظل سلام عادل ودائم”. معزوفة مهترئة إلى أبعد الحدود وغير مسموعة من قبل الشعب الفلسطيني المعني الأول بقضيته والذي لم يعد يؤمن بهذا الطرح. يا له من ضلال يصل إلى حد الغباء هذا الضلال الذي يدفع أصحاب الأرض ثمنه الأوفى في حين يستمر كثيرون في الخروج في تظاهراتهم العقيمة التي تصبح غير حاشدة أكثر فأكثر والتي تصر على الدفاع عن اتفاقيات [أوسلو] التي يعلم الجميع أنها باتت غير قابلة للتنفيذ. وفي هذا الوضع الذي وصلنا إليه، يخشى، طالما أن المنظمات التي لم يفهم ناشطوها شيئاً مما يجرى على أرض الواقع، يخشى أن يكونوا قد أصبحوا بلهاء مفيدين ببلاهتهم لاستمرار الاستيطان المكثف. هذه المنظمات لم تعرف، شأنها شأن الدول، كيف تستفيد من الظروف.
وبما أن التاريخ لا يتوقف أبداً، فإن الجرائم التي ترتكب في الأراضي الفلسطينية المجزأة على أوسع نطاق تتسارع فيما يبدو بشكل مستمر منذ انتخاب دونالد ترامب في الولايات المتحدة. وفي هذه اللحظات بالذات، فإن اليمين الإسرائيلي الحاكم والأكثر تطرفاً يلجأ، منذ أن فهم أن الإدارة الأميركية الجديدة قد أعطته الضوء الأخضر، إلى طريقة “لقمتين لقمتين” للتعجيل، في ظل اللامبالاة شبه المعممة، بالاستيلاء على أقصى ما يمكن سرقته من أراضي الفلسطينيين لهدف إقامة مستوطنات جديدة عليها وشرعنة مستوطنات سبق أن أقيمت – مع أن جميع هذه المستوطنات غير شرعية بنظر القانون الدولي. وكل ذلك في وقت لا تتحرك فيه بقية العالم، سواء كان عربياً أم أوروبياً أم آسيوياً. وحتى الأمم المتحدة تكتفي بالكلام المثير للشفقة وهي تعيد وتكرر الإعراب عن “قلقها” أو تتخذ قررات لا يحدث لها أن تحظى بالاحترام.
ولكن، ما الذي يجري على الأرض بعيداً عن كلام التهدئة وأحلام اليقظة عند ذوي النوايا الحسنة؟
بالتوازي مع أعمال السلب الوقح التي يتم تنفيذها بشكل سريع وكاسح، تتزايد الاغتيالات التي يتعرض لها المدنيون في الضفة الغربية. كما تتزايد أعمال الاقتحام التي يقوم بها المستوطنون، بحماية من الجيش الإسرائيلي، لباحات المساجد في القدس. وكذا الأمر أيضاً بالنسبة للاعتقالات والزج في السجون. والأشد إثارة للقلق هو تزايد أعمال القصف الجوي التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وهذا ما يرفع منسوب التوتر الدائم الذي يعيشه الفلسطينيون من أهالي هذه البقعة المكتظة بالسكان الذين يعيشون منذ عشر سنوات في حالة دائمة من السجن والحصار.
في الماضي، كان يتم اللجوء إلى عمليات القصف هذه بهدف إضعاف المقاومة الفلسطينية تمهيداً لتدخل عسكري على نطاق واسع. هل يعني ذلك الآن أنهم بصدد الشروع بالحرب التي تسعى إسرائيل إلى شنها على غزة؟ وهل هي تلك المخططات غير المعلنة التي تدفع، في غمار ما يجري من أحداث، باتجاه التعزيزات الحالية للقوات البرية والبحرية الإسرائيلية؟
لا توجد، حتى الآن، أية ردود أفعال من قبل أي بلد من البلدان. فالجميع ينتظرون ما سيفعله النزيل الجديد للبيت الأبيض والذي يصعب التنبؤ بما قد يقوم به، خصوصاً وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيصل إلى الولايات المتحدة بعد أيام قليلة. وهنا وهناك، هنالك من يجد، كما يحصل على الدوام، ظروفاً تخفيفية للكيان الصهيوني على أساس أنه يمتلك “الحق بالدفاع عن نفسه” ! ومن هنا، فإن عمليات القصف الجوي المشار إليها تندرج في إطار “الإجراءات الوقائية” المبررة منذ اللحظة التي يكون الأمر متعلقاً فيها بالإسرائيليين. ولكن، ضد أية جهة تقوم إسرائيل بالدفاع عن نفسها طالما أنها هي الجهة التي تمارس الإحتلال؟
نحن هنا في وضع يقومون فيه بلي عنق كل مفهوم للعدل، حيث يقدم الجاني نفسه للعالم الخارجي ولوسائل الإعلام على أنه الضحية، وفي الوقت نفسه يصف المقاومين بأنهم إرهابيون، أما حكوماتنا، بكل افتقارها للعزيمة وللنزاهة وللشجاعة السياسية، وبكل عدم تماسكها لجهة الخطاب والموقف، فإنها تكشف عن مدى نفاقها وكذبها وبالتالي عن مدى تآمرها وتواطؤها.
المسجد الاقصى في القدس الشريفة
قد يقول لي من يتابعون الوضع أن لا جديد في حالة التدهور التي تعيشها المنطقة منذ تقسيم فلسطين في العام 1947، اللهم إلا إذا اعتبرنا أن ما يتغير هو السياق العام لما يجري من أحداث.
لنتحقق من ذلك عبر نظرة سريعة إلى خارطة الأحداث:
* التدخل الأول في العراق بقرار من بوش الأب، في كانون الثاني /يناير 1991، جر الشرق الأوسط كله إلى الفوضى والخراب. فـ “أصدقاؤنا الأميركيون” (يا لها من عبارة تلطيفية جميلة) واصلوا شن حروبهم القذرة في المنطقة بهدف الأنابيب والمحروقات بعد تجميلها بالأعذار الإنسانية المعروفة التي لم يبق من يبررها ويعطيها المصداقية تحت عناوين “حق التدخل”، غير يساريين بورجوازيين من أمثال برنار هنري- ليفي، وكوشنر، وغلوكسمان، وبروكنر، وآدلر وغيرهم من الصهاينة المشبوهين.
* بعد الفشل في أفغانستان والعراق والذي أحاق بالولايات المتحدة وحلفائها في الاتحاد الأوروبي (عبر الناتو) وإسرائيل، عاد هؤلاء الحلفاء وتعرضوا لهزيمة موجعة في سوريا، فقد انتصرت الحكومة السورية المدعومة من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني على مرتزقة القاعدة وغيرها من الجماعات المتغيرة الأشكال والألوان والتي يتم تمويلها وتدريبها وتسليحها من قبل دولنا [ الغربية] (!).
* بالتحالف مع البريطانيين والإسرائيليين (!)، تورط “الأصدقاء” الأميركيون أنفسهم في حربهم التي تشنها المملكة السعودية بالوكالة على اليمن، وهي الحرب التي لا نكاد نجد ذكراً لها في أية واحدة من وسائل الإعلام الكبرى. ويمكننا أن ننتظر طويلاً قبل أن نسمع تحليلات ثاقبة حولها كتلك التي سمعناها من البكائين على حلب عندما كان المطلوب توجيه الإدانة إلى من يسمونه بـ “الطاغية” بشار الأسد.. لكن المقاومة اليمنية كشفت عن كونها أكثر قدرة بكثير مما تخيله الاستراتيجيون الإسرائيليون-الأميركيون-السعوديون، إلى الحد الذي جعل المخاوف سيدة الموقف بقدر ما جعل بعض أمراء آل سعود يفتقرون إلى ما يكفي من الجرأة اللازمة للنوم في قصورهم في الرياض. انظر: (http://presstv.com/DetailFr/2017/02/07/509575/Arabie-saoudite-palais-vacus-vacuation-Ymen-missile-balistique-longue-porte) ;
* وفي وقت يواجه فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ملفاً خطيراً قد يعرضه إلى عشر سنوات من السجن لتورطه في عمليات فساد مشهودة، يسعى هذا الأخير إلى صرف الأنظار نحو الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في فيينا، بعد 12 عاماً من المفاوضات، بين إيران والقوى الكبرى (الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا)، وذلك بهدف النيل من هذا الاتفاق والتأكيد بأنه السبب في كون العالم لم يسبق له أن كان مهدداً كما هو الآن. وهذه العبارة المهووسة عاد الرئيس ترامب إلى استعمالها في نهاية هذا الأسبوع عندما صرح بأن الاتفاق النووي مع إيران “سيء جداً”، وذلك بعد أن اتخذ قراراً بفرض عقوبات جديدة على إيران.
* وبالتوازي مع ذلك، وبغية صرف الانتباه أيضاً، عاد نتنياهو الذي ظهر محاطاً بجنرالات حربه، عاد إلى القول بأن حزب الله يمثل تهديداً مباشراً لإسرائيل. كما رفع نتنياهو من مستوى الاستفزازمن خلال التعديات على الأراضي اللبنانية.
* قام الرئيس ترامب بتعيين صهره، جارد كوشنر، وهو سليل أسرة يهودية أرتوذوكسية، قام بتعيينه في منصب مستشار رفيع للبيت الأبيض، خصوصاً في مجال القضايا الخارجية، ما ينبىء بأن هذا المستشار الملياردير البالغ من العمر 36 عاماً قد يتخذ مواقف ذات أثر على الملف [الإسرائيلي الفلسطيني]. وقد كشف الرئيس الأميركي أن مستشاره هذا كان وراء الخطاب الذي ألقاء خلال حملته الانتخابية بخصوص إسرائيل، وأن بإمكانه أن يساعده في أن يكون الشخص “الذي يحمل السلام إلى إسرائيل والفلسطينيين”. ومن ذا الذي يمكنه أن يشك في ذلك مع مشروع نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس !؟.
* وبعيداً عن كل توجه نحو التهدئة، لا تتوقف القوات المسلحة للبلدان الغربية بإجراء تمرينات يتم فيها تمثيل القيام بعمليات عسكرية تقترب شيئاً فشياً من حدود بلدان يوجهون إليها الاتهام بأنها تشكل تهديداً لهم.
ليس أمام الفلسطينيين سوى المقاومة المسلحة
على هذا، تكون التوترات في أوجها، ويكون أي انزلاق من قبل هذا أو ذاك من عناصر رقعة الشطرنج العملاقة هذه قابلاً بالفعل لأن يضع النار في البارود وأن يؤدي إلى حريق شامل لا يعرف أحد كيفية إطفائه. غير أن الضحية الأولى معروفة تماماً: فلسطين التاريخية يمكن أن تنتقل لتصبح كلها خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، باستثناء معسكر الإبادة في غزة الذي سيكون عليه أن يستقبل ما لا طاقة له به من لاجئي الضفة الغربية وغيرها. وعلى هذا سيحصل الشعب الفلسطيني على أرضه اللازمة لإقامة دولته ضمن حدود 360 كلم مربع، وهذه الدولة لن يكون بإمكانها غير الإسراع إلى الاعتراف بإسرائيل التي تكون قد وضعت يدها على ما تبقى من الضفة الغربية والقدس التي ستصبح عاصمة لأولئك المتعصبين المجانين.
هذه المخططات الميكيافلية ليست مجرد كوابيس، وهي معروفة من قبل مراقبين فلسطينيين هم أنفسهم على ارتباط بالإدارة الإسرائيلية وبالتالي الأميركية. ومن غير المستبعد أن يعطيهم دونالد ترامب أذناً صاغية وأن يغازل في الوقت ذاته مشاعر أولئك الحالمين الذي يرون فيه علامة على الظهور الوشيك للسيد المسيح.
على الفلسطينيين الذين فهموا منذ زمن بعيد بأنهم لا يستطيعون غير الاعتماد على أنفسهم، أن يفهموا الآن أن ليس أمامهم غير طريق واحد لتجنب خسارة أرضهم بشكل نهائي: المقاومة المسلحة.. المستقبل متجهم إذن بالنسبة لفلسطين ولأهلها الشجعان الذين يهددهم خطر الانتقال في غضون الأشهر المقبلة من الاستيطان إلى الضم النهائي. وبأي ثمن؟
#تعز_كلنا_الجيش_واللجان_الشعبية
#جرائم_داعش_في_تعز