قوى الهيمنة … ارتباك وتناقضات بسبب فشل الحرب على سوريا
أن تطلب وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، والمرشحة الفاشلة للرئاسة في الولايات المتحدة، هيلاري كلينتون، إلى المعارضات السورية قبل خمس سنوات عدم إلقاء السلاح قبل تنحية الرئيس الأسد من الحكم، قد يكون أمراً عادياً وطبيعياً بمقاييس الواقع الذي يريد للعالم أن يكون محكوماً بشريعة الغاب وبشرعية هيمنة الاستكبار العالمي على مقدرات الشعوب.
كما أن هذا قد يكون عادياً وطبيعياً انطلاقاً من تقديرات كانت تفترض، قبل خمس سنوات، أن الدولة السورية لا يمكنها أن تصمد طويلاً أمام ضراوة الهجمة عليها من تحالف يضم جميع القوى الكبرى في الغرب، ومعظم القوى التابعة في الإقليم وفي سائر العالم.
كما أنه قد يكون طبيعياً وعادياً أيضاً وأيضاً أن تتجه كلينتون إلى المعارضة السورية بمثل هذا الطلب دون أية مراعاة للأثمان الضخمة التي سيدفعها الشعب السوري من دماء أبنائه، أطفالاً وشيوخاً، وعلى مستوى الدمار والخراب الذي سيضرب البلد نتيجة لاستجابة المعارضات السورية للطلب الكلينتوني.
كل ذلك طبيعي وعادي بحسب المعايير التي كانت سائدة قبل خمس سنوات في ذهنية حكم العالم بشريعة الغاب. لكن ما هو غير طبيعي وغير عادي هو أن نسمع اليوم دعوة مشابهة لدعوة كلينتون أطلقها هذه المرة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون. فقد تمثلت هذه الدعوة بتصريحات مفادها أن الشعب السوري “لا يمكنه أبداً أن يتصالح مع الرئيس الأسد”. ما يعني، دون لف أو دوران، أن الحرب يجب أن تستمر ضد الدولة السورية وضد الرئيس الأسد. مع كل ما يفرضه ذلك على بقايا المعارضات السورية والمرتزقة المستجلبين من أربعة أقطار العالم، من استعداد للموت في ظل العجز عن الاستمرار في القتال المجدي، ومن استعداد لتكبيد سوريا مزيداً من الخسائر البشرية والمادية.
والغريب في تلك التصريحات الصادرة عن الوزير البريطاني الموصوف في بريطانيا نفسها بأنه غريب الأطوار، أنها تأتي بعد انقضاء خمس سنوات من الحرب على سوريا، بكل ما خلفته من ويلات، وفي وقت شارفت فيه سوريا على تحقيق الانتصار المؤزر، وحشرت التنظيمات الإرهابية وحماتها الإقليميون والدوليون في الزوايا الضيقة ووضعتهم في موقع العاجز عن تغيير مسار المعركة.
وخصوصاً أنها تأتي في وقت اجتمعت فيه قوى الهيمنة الغربية والإقليمية على كلمة واحدة هي ضرورة وقف الحرب في سوريا، إن على شكل هدنة هنا، أو وقف لإطلاق النار هناك، لهدف أكيد هو، بعيداً عن الذرائع الانسانية، منح التنظيمات الارهابية فرصاً لكسب الوقت ولمواصلة القتال.
والظاهر أن قوى الهيمنة تنهك نفسها الآن في البحث عن حجج تحول دون استمرار الجيشين السوري والعراقي في التقدم على مستوى معركتي حلب والموصل، وتسمح للتنظيمات الإرهابية في المدينتين بالحصول على جرعة هواء تعينها على البقاء.
وعلى طول وسائل الإعلام وعرضها، مقالات وتقارير صادرة عن قوى الهيمنة وعن العديد من المنظمات غير الحكومية تبدأ ولا تنتهي عن المعاناة التي يعيشها المدنيون في الموصل وحلب الشرقية. لا ماء ولا كهرباء ولا طعام ولا أدوية ولا مدارس. لا شيء غير الكوارث والمآسي الإنسانية والقصف. ولا شيء غير المطالبات بإدانة روسيا والجيشين العراقي والسوري وتقديمهم للمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية.
ولا كلمة واحدة عن حبس هؤلاء المدنيين واستخدامهم كدروع بشرية من قبل الإرهابيين.
دعوات متعددة المصادر -فرنسية وبريطانية وتركية وخليجية- لعقد جلسة في مجلس الأمن حول الأوضاع الإنسانية في سوريا، أي بكلام آخر من أجل الحيلولة دون استمرار معركة القضاء الكامل على الإرهابيين.
وتخويف من الردود التي يمكن أن تصدر عن التنظيمات الإرهابية : إمكانية لجوء هذه التنظيمات إلى حرب العصابات، إمكانية قيامها بضرب العواصم الغربية بطائرات بدون طيار مشحونة بالمتفجرات، إمكانية انتشار الإرهابيين وأعمالهم الإجرامية في العالم، إذا ما تم اخراجهم من الموصل وحلب….
وبكائيات لا تنقطع بسبب ما يسميه العربان تخاذل الغرب وعدم إقدامه على توجيه ضربة نهائية لسوريا.
وأخيراً وليس آخراً مطالبة الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولند، بحماية المنجزات التراثية في الموصل وحلب عن طريق نقلها إلى فرنسا. سرقة مشروعة على ما أكده المندوب السوري في الأمم المتحدة، بشار الجعفري. ودعوة لهدنة جديدة تمكن الإرهابيين من التقاط الأنفاس.
كانت قوى الهيمنة، وما زالت، تضع الكيل بمكيالين أو أكثر في خدمة مشاريعها الخبيثة. ومع تصريحات بوريس جونسون والتصريحات المشابهة التي تصدر يومياً عن ممثلي قوى الهيمنة هنا وهناك، يبدو أن هذه القوى قد أصيبت بمجملها بـ “غرابة الأطوار”. حالة شاذة من أعراضها السرعة الجنونية في تغير النظرة إلى الأحداث والمواقف، وفي الانتقال من النقيض إلى نقيضه. وأيضاً في اتخاذ موقفين متعارضين أو أكثر في وقت واحد. وكل ذلك من أعراض الهزيمة المنكرة التي مني بها أعداء سوريا رغم كل ما بذلوه من جهود وأموال من أجل القضاء على سوريا… سوريا التي سيكون انتصارها الوشيك بوابة واسعة للعبور نحو أمة عربية متحررة وعالم جديد يسوده السلام والعدل.
#تعز
#جرائم_داعش_في_تعز