“على الرغم من قوتها النووية، وقوة جيشها المكون من مجرمي حرب، وقدرتها على الاحتلال، وقوة موساد(ها) وجماعات ضغطها المنتشرة في العالم كله، فقد تبين أن إسرائيل هي في منتهى الضعف والهشاشة”.
جلعاد آتزمون في ترجمة شبه حرفية، لجهة المضمون، لمقولة السيد حسن نصرالله “أوهن من بيت العنكبوت !”
مراقبون كثيرون اعتبروا أن الحرائق التي اندلعت في الأراضي الفلسطينية المحتلة مفتعلة من قبل الكيان الصهيوني. لغايات منها خلق أجواء مناسبة لإطلاق حملة استيطانية واسعة النطاق، أو للكلام عن إرهاب حرائق وتوجيه تهمة المسؤولية عن ذلك إلى الفلسطينيين. وكل ذلك على سبيل الاستفادة من عهد دونالد ترامب الذي أعطى أكثر من إشارة تذهب باتجاه عزمه على تقديم المزيد من الدعم للكيان الصهيوني في مجالات عديدة منها الخطوة التهويدية المتمثلة بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس المحتلة.
ومن الممكن أن نضيف عناصر أخرى تؤيد فكرة افتعال الحرائق من قبل سلطات الاحتلال.
منها عدم سقوط قتلى وجرحى في حالات حرجة كما حدث في الحرائق التي ضربت الكيان عام 2010 وأوقعت ما يقرب من 50 قتيلاً.
ومنها أن التهويل بضخامة الحرائق والخسائر الكبيرة يخدم بشكل مباشر فكرة “المحرقة”، أي تلك البقرة الحلوب التي قدمت، وما تزال تقدم، الكثير من الفائدة للقضية الصهيونية.
ومنها تعزيز فكرة الحاجة الإسرائيلية إلى الظهور الدائم بمظهر الكيان “الصغير” المحتاج إلى المساعدة الخارجية، المالية والسياسية وحتى العسكرية، والذي لا يتردد عن “امتحان” مدى استعداد الخارج لتقديم تلك المساعدة. وقد ظهر ذلك جلياً في النداءات التي وجهها بنيامين نتنياهو إلى العديد من البلدان طلباً للمساعدة في إطفاء الحرائق.
ومنها عدم تدخل جيش الاحتلال في إخماد الحرائق، مع أنه يمتلك وسائل ذات فاعلية كبيرة في هذا المجال، خصوصاً وأنه يجري، في إطار ما يجريه من مناورات شبه دائمة، لمواجهة الكوارث الطبيعية ومكافحة الحرائق بوجه خاص.
ومنها أيضاً وأيضاً ما كتبه المفكر والناشط السياسي و”اليهودي-السابق (كما يسمي نفسه) والإسرائيلي المتخلي عن جنسيته الإسرائيلية، جلعاد آتزمون، بخصوص خطة إسرائيلية للتخلص من قرابة 400 مليون شجرة صنوبر زرعت من قبل الصندوق الوطني اليهودي ابتداءً من العام 1935، بهدف إخفاء معالم مئات القرى العربية التي دمرها الاحتلال، بغية استيطانها فيما بعد، خصوصاً وأن هذه القرى واقعة في أماكن تصلح للبناء وللتوسع الاستيطاني.
ولا تتعارض فكرة افتعال الحرائق مع حالة الجفاف التي تضرب المنطقة وتشكل عاملاً مساعداً لاندلاع الحرائق وانتشارها. إذ من الممكن أن يتم افتعالها دون النظر في إمكانية خروجها عن السيطرة.
لكن، وأياً تكن الأسباب، فإن من الواضح أن تفاقم الوضع مع وصول الحرائق إلى قلب مدينة كحيفا، بعد أن غطت أكثر من 15 ألف هكتار من الأحراش والغابات، واستمرت لأكثر من خمسة أيام متتالية، قد كشف عن عجز أكيد تعاني منه دولة الاحتلال.
وهذا العجز عن مواجهة كارثة طبيعية لا بد وأن يكون أكبر بكثير عندما تطرح الحاجة لمواجهة حروب تبين، منذ العام 2006، وهزائم الجيش الإسرائيلي في لبنان وغزة، أن هذا الجيش بات عاجزاً عن مواجهتها.
لقد انبرت أصوات وأقلام عربية عديدة -من النوع الإنهزامي- إلى التشنيع على الجهات، العربية وغير العربية، التي رأت في العجز الإسرائيلي عن مكافحة الحرائق عجزاً أكبر عن مواجهة الحروب الجدية التي باتت قوى المقاومة في المنطقة قادرة على خوضها والانتصار فيها.
وقد اعتبرت تلك الأصوات والأقلام أن الاستبشار بقرب زوال الكيان الصهيوني هو نوع من الوهم، وأن التعويل على قوى المقاومة، وعلى الضعف الإسرائيلي هو من نوع العنتريات الفارغة… والواضح هنا أن هذه الانهزامية قد فقدت مبررات وجودها منذ العام 2006، وما قبله، وأن ما بقي منها لم يعد يصلح إلا كدليل على مدى العقم والعيش خارج الواقع للقائلين بها.
ومن بقايا تلك الانهزامية أن أنظمة عربية، في طليعتها نظام أوسلو، قد سارعت، لأسباب إنسانية، أو -وهنا المضحك المبكي- لأن ما يحترق هو أراض عربية تدفع “الحمية” العربية باتجاه الدفاع عنها، قد سارعت إلى إرسال وسائل لمكافحة الحرائق إلى الأراضي المحتلة… تملقاً للكيان الصهيوني يستند إلى الوهم الانهزامي القديم.
واستناداً إلى الوهم عينه، والانهزامية عينها، قد لا نفاجأ غداً إذا ما علمنا أن بلداناً عربية خليجية غنية قد أرسلت مساعدات مالية وعينية إلى الكيان الصهيوني، وأن أنظمة عربية أخرى يعيش معظم مواطنيها تحت خط الفقر قد أرسلت بدورها مساعدات مماثلة.