تعز العز

تنبؤات ’سيمبسون’: مُخططٌ سياسي أو عَبثيّة صادمة؟

عَلى وقعِ الانتخاباتِ الأمريكيّة، عَاد مُسلسل “سيمبسون” إلى الواجهةِ ليثيرَ الرأي العام حولَ تنبؤاتِه التي لا تنتهي، والتي كان آخرها تسلم رجل الأعمال المثير للجدل دونالد ترامب الرئاسة. التنبؤ لا ينتهي هنا بل يتعدّى “ترامب الرئيس الخامس والأربعين” إلى تدهور مالي أميركي، يؤول إلى إعادة انتخاب ليزا أحد أبطال الفيلم، لتكون أوّل امرأة تحكم الولايات المتحدة عام 2030 وتصحح الواقع الاقتصادي-السياسي المزري الذي خلّفه ترامب. المُسلسل الذي بُثَّت حلقاته خِلال التسعينيات نجحَ في تصويرِ الأحداثِ المتعاقبة كما هي، وقبلَ معايشتها فِعليًا، ما يَجعلنا نتساءلُ عن لغزِ السيناريو والهدف منه.

تنبؤات “سيمبسون” الشاملة
التفاصيل المصوّرة التي تَحققت بشكل دقيقٍ تُعدُّ من أكثرِ الأمور التي تثير الدهشة في المسلسل. على سبيل المثال عندما ظهر ترامب في إحدى الحلقات على درج كهربائي وسط حشود من مؤيديه، فيما يُسقِط أحدهم لافتة، وهو ما التقطته فعلا عدسات الكاميرات في بداية العام 2016. والمفارقة أنّ كاتب هذه الحلقة قد اعتبر أنّ رئاسة دونالد ترامب لأقوى دولة بالعالم كانت بمثابة رسالة “تحذير لأميركا.”  ويؤكّد دان غريني، أحد كتّاب حلقات “عائلة سيمبسون”، في حديثٍ لموقع “هوليوود ريبورتر”، على الخطر الذي سيحيط أميركا في حال تسلّم ترامب الرئاسة، مشيرًا إلى أن وصول الملياردير ترامب لهذا المنصب، جاء في إطار كتابة قصة عن “حالة الجنون التي ستنتاب أميركا.”

في الإطار السياسي نفسه، توقع المسلسل أحداث 11 أيلول في أميركا، كذلك توقع في حلقة عرضت عام 2001 ، الحرب السورية اليوم حيث عرض مشاهد حرب يرافقها أعلام المعارضة السوريّة، مع العلم أنّ الوضع كان مستتبا في سوريا خلال بدء بث المسلسل. هذا غيض من فيض، فعلى الصعيد الصحي تنبّأ “سمبسون” “بفيروس ايبولا”، حيث ظهر اسم المرض على غلاف كتاب تقدمه الأم “مارج” لابنها المريض. كما ويضم المسلسل تنبؤات أخرى لا تعد على الصعيد التقني، منها ما قد ظهر في حلقات عرضت خلال 1994 من هواتف ذكية تعمل باللمس انتاج شركة أبل العالمية. وتجدر الإشارة إلى أنّ الهواتف خلال تلك الفترة كانت بلوحة مفاتيح، في حين أنّ أميركا صنعت أوّل هاتف يعمل بتقنية اللمس في عام 2000. إضافةً إلى ذلك عرضت تقنيات الدردشة بالفيديو، التصحيح التلقائي، طابعة ثلاثية الأبعاد، الساعات الذكية وغيرها من الأمور المختلفة في القطاعات كافة.

“سيمبسون” عابر للزمن

لا بدّ لنا خلال حديثنا عن المُسلسل الكوميدي أن نُشير إلى أنّه من إنتاج شركة فوكس الأمريكيّة ومن تأليف مات غرينينغ. ويَزعم القيمون على انتاج المسلسل أنّه موجه للكبار فقط، في حين أنّه كرتوني الصنع. ويُعدّ “سمبسون” أطول وأنجح مسلسل يعرض على شاشات التلفزيون الأمريكي، حيث بلغ عدد حلقاته أكثر من 515 حلقة ضمن27 جزءا حتى الآن، وفاز بعدّة جوائز. وكما عرض المسلسل العديد من التوقعات كذلك صوّر الأحداث التاريخيّة بتفاصيلها. كمثال على ذلك صوّر صديق بارت سيمبسون “ميلهاوس ” يبكي مثلما ظهر رجل فرنسي يبكي بحرقة في صورة تاريخية لحظة احتلال قوات هتلر النازية باريس، خلال الحرب العالمية الثانية، سنة 1940. وبذلك أصبح مسلسلا ينتقد وبأسلوب ساخر، الزمن بأبعاده الثلاثة الماضي والحاضر والمُستقبل.

سيناريو “سيمبسون”: اقرأ ما بين السطور

الآراءُ اختلفت لحلّ لغزِ المُسلسل. فالدهشة التي انتابت المشاهدين إبّان تحقيق التنبؤات كما هي، جعلت كلّاً منهم يُقدّم تفسيره الخاص حول الأمر. ويظهر الخطرعندما يقف المتلقي حائِرًا أمام أحداث المسلسل ومشوّش التّفكير لتفكيك اللغز الذي يتوارى تحت غطاء الحرب الناعمة الطويلة، والتي لم تكن وليدة اليوم. هذه الحرب المبنيّة على “خطط استراتيجية جيّدة التصميم وقيادة بارعة واستغلال للفرص الملائمة والمناسبة” بحسب ما جاء في كتاب “القوة الناعمة ” لجوزيف ناي، كبير منظري القوة الناعمة، وهذا ما يظهر جليَّا في محتوى “سيمبسون”.

كلام آخر عن المسلسل أعاد الأحداث إلى ما يسمّى “البرمجة الاستباقيّة” أي الاستباق الذهني للحاضر قبل أن يوجد في الواقع. هنا لا مجال للصدفة، بالأخص فيما يتعلّق بالوسائل الاعلامية التي تعدّ الرسوم المتحركة من بينها. وقد تكون هذه المعرفة مستندة استنادًا وثيقًا الى البحوث والعمليات الاستخباراتيّة التي تعدّ من الموارد الأساسيّة للقوة الناعمة بحسب الباحث الامريكي ستيف هامونز الذي أكّد ذلك خلال وصفه “القوة التجاوزية الفائقة” في الحرب الناعمة.
في مقاربة للموضوع نفسه اعتبر آخرون أنّ المسلسل يعتمد على مبدأ الاسقاط أي إسقاط الواقع على السيناريو والعكس. على سبيل المثال وصول ترامب إلى الرئاسة قد يكون مُخططًأ منذ أكثر من 20 سنة وها هي اليوم المعايير توفرت لتسلمه الرئاسة بعد هذه السنوات. إذًا فكل ذلك يقوم على استراتيجيات وتكتيكات ومخطاطات سريّة لها غاياتها المختلفة. ولعلّ “سيمبسون” من أكثر المسلسلات التي تعتمد الطابع اليهودي بشكل غير مباشر. حيث قيل أيضًا إنّ المسلسل يَعمدُ إلى اخراج تنبؤات يهودية كانت قبل 400 سنة، ويتم تطبيقها على أرض الواقع من أجل تقديس اليهوديّة “وتحقيق المجد لشعب اللّه المختار.”
مزيجٌ من الآراء حولَ اللغز، يجعلنا نتأكّد أكثر فأكثر من مدى حنكة وبراعة أميركا في هذه الحرب الناعمة. وهُنا يجب أن نَعي خطورة ما يرسم ويخطط لتتحضر مجتمعاتنا للمواجهة الملائمة كي لا يُضلَّل الرأي العام بشعاراتٍ ظاهرها صحيح ولكن محتواها باطل وفاسد.

المصدر/ العهد (نور الهدى صالح)

 

%d8%a7%d8%b4%d8%aa%d8%b1%d9%83-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%aa%d9%84%d8%ac%d8%b1%d8%a7%d9%85