السعودية و”إسرائيل” وسرّ الزواج الكاثوليكي القديم
العارفون بطبيعة النظام السعودي وفلسفة وجوده ، لم يكونوا بحاجة الى شهادات من مسؤولين صهاينة او سعوديين او حتى شخصيات عالمية قريبة من النظامين السعودي والصهيوني، كي يعرفوا أن هناك علاقات قائمة بين هذين النظامين، فالسياسة السعودية ومنذ تأسيس المملكة السعودية في بدايات القرن الماضي تتحرك على ضوء قواعد ثابتة مرسومة للعائلة المالكة السعودية من قبل واشنطن ، في مقابل حماية ودعم حكم ابن سعود وابنائه واحفاده.
ولما كان الحفاظ على الكيان الصهيوني من اولويات السياسة الامريكية في المنطقة ، فلم يكن هناك من خيار أمام عائلة ابن سعود الا الاذعان والرضوخ لهذه السياسة والعمل على كل ما من شأنه يعكر أمن الكيان الصهيوني او يعرض وجوده للخطر من قبل أي كان في منطقة الشرق الاوسط ، وهذا بالضبط ما يفسر المواقف المخزية والمشينة للنظام السعودي من كل عناصر القوة في الامة التي حاولت ان تتخذ موقفا قويا من الكيان الصهيوني او موقفا داعما للقضية الفلسطينية ، على مدى ستين عاما الماضية او اكثر.
تاريخيا اول من باع فلسطين للصهيونية هو ابن سعود وفقا للوثيقة التاريخية الشهيرة التي كتبها عام 1922 لبرسى كوكس مندوب بريطانيا العظمى وهذا نصها: (بسم الله الرحمن الرحيم.. أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل الفيصل آل سعود، أقرّ وأعترف ألف مرة، لسير برسي كوكس؛ مندوب بريطانيا العظمى، لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم، كما تراه بريطانيا، التي لا أخرج عن رأيها، حتى تصيح الساعة..)! وقد وقعها عبد العزيز بفص خاتمه ، هذه الوثيقة اصبحت الاساس الذي بنت عليه الاسرة السعودية الحاكمة سياستها ازاء الكيان الصهيوني والقضية الفلسطينية منذ بدايات القرن الماضي وحتى زرع الكيان الصهيوني في فلسطين وحتى اليوم.
السعودية ووفقا لهذه السياسة ناصبت العداء لكل حركات التحرر الاسلامي والعربي التي كانت تنادي بتحرير فلسطين ، وناصبت العداء لجمال عبد الناصر والوحدة العربية وحركات المقاومة الفلسطينية كحماس والجهاد الاسلامي والمقاومة الاسلامية والوطنية في لبنان وفي مقدمتها حزب الله ، وناصبت العداء للجمهورية الاسلامية في ايران لتاكيدها على القضية الفلسطينية وتحرير القدس ، وفي المقابل حمت ودعمت كل الانظمة الرجعية والدكتاتورية التي تسير في فلك السياسة الامريكية الصهيونية في المنطقة ومن بينها نظام حسني مبارك في مصر ونظام زين العابدين بن على في تونس والنظام الخليفي في البحرين.
لذلك لا اعتقد ان الكثيرين سيتفاجأون لو تم الاعلان اليوم وبشكل مكشوف عن وجود علاقات سياسية وامنية وثيقة بين السعودية والكيان الصهيوني ، من قبل مسؤولي النظامين ، الا ان المفاجأة ستكون بالتوقيت فقط ، فهذا التوقيت يحمل الكثير من الدلالات التي تؤكد ان المنطقة مقبلة على تحولات كبرى وصراع ارادات ، لا تنتهي الا بتركيع المنطقة للارادة الامريكية الصهيونية او انتصار ارادة الشعوب وتحررها من الهيمنة الامريكية الصهيونية.
اما عملية الانتقال بالعلاقة بين السعودية والكيان الصهيوني من السرية الى العلن ، فتقودها شخصيات في النظامين، انبرت لهذه المهمة ، حيث يتم الكشف عنها تدريجيا وبنفس طويل ، وآخر من ادلى بدلوه في هذا الاطار فكان مستشار الأمن القومي “الإسرائيليّ” السابق عوزي أراد ، رئيس المركز المتعدد المجالات في هرتسليا، شمال تل أبيب، ويُعتبر من المُقرّبين جدًا لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو حيث كشف عن وجود تعاون أمنيّ مع السعودية ، وأنّ هذا التعاون الذي يربط تل أبيب بالرياض أكثر ممّا يعلن.
ولفت موقع (Israel Defense)، الإسرائيليّ المُختّص بالشؤون الأمنيّة إلى أنّ تصريحات اراد، المسؤول السابق في جهاز الموساد الإسرائيليّ، جاءت خلال كلمة ألقاها في (مؤتمر الطاقة 2015)، الذي نظمّه الموقع عينه في مدينة تل أبيب.
واشار أراد المسؤول السابق في جهاز الموساد الى ان السعودية تمثل سدًا في وجه إيران ، وقال: لدينا تعاون أمنيّ بين “إسرائيل” والسعودية، وذلك من ضمن تعاون في مجالات أخرى، وعلينا أن ننتظر لنرى ما يمكن أن يصل إليه هذا التعاون!!.
اما بشان ايران فدعا أراد الى الإعداد للضربة النووية الرادعة، التي تمنع الإيرانيين من الاستهداف الابتدائي لإسرائيل، نوويًا، على حدّ وصفه!!.
هذه المواقف الاسرئيلية ازاء ايران هي ذات المواقف السعودية من ايران ، كما سرب موقع ويكيليكس طلب الملك السعودي من امريكا بقطع رأس الافعى، ويعني بذلك ايران . وكذلك ما كشفت عنه وسائل الاعلام الاسرائيلية من أنّ السعودية ستسمح للمُقاتلات الإسرائيليّة بالعبور فوق أجوائها وهي في طريقها لتدمير البرنامج النوويّ الإيرانيّ.
وفي الثاني من شهر كانون الأوّل الجاري (ديسمبر) كشفت صحيفة (هآرتس) الاسرائيلية النقاب عن وجود خط جويّ مدنيّ مباشر بين “إسرائيل” وإحدى الدول الخليجيّة، لم تذكرها بالاسم.
وقالت الصحيفة، إنّها قامت بإجراء تحقيق صحافيّ، أكّد على أنّه منذ عدّة أشهر توجد طائرة في مكان جانبيّ في مطار بن غوريون الدوليّ (مطار اللد)، والتي لا تُثير حبّ الاستطلاع، لافتةً إلى أنّ الطائرة التي يبدو لأوّل وهلة أنّها تحط في ذلك المكان لا تسترعي الانتباه، ولكن على أحد جوانب الطائرة يرفرف علم دولة أجنبيّة، هو الذي يجعل المطلع على الأمور أنْ يبحث ما هو سر هذه الطائرة، خصوصًا وأنّ العلم ليس معروفًا في “إسرائيل”، ويُشاهد لأوّل مرّة في المطار الدوليّ الإسرائيليّ.
اما سعوديا ، فلا يكف رئيس الاستخبارات السعوديّة السابق، الأمير تركي الفيصل من التصريحات التي تتجاوز حتى الدبلوماسية عندما يخاطب “اسرائيل” ، ففي مقال كتبه لصحيفة “هارتس” الاسرائيلية ، في أطار فعاليات “مؤتمر إسرائيل للسلام”، يقول: “تخيلوا أن أستطيع أن أركب الطائرة من الرياض وأطير مباشرة إلى القدس، وأركب من هناك سيارة أجرة لأزور قبة الصخرة… وبعدها إلى متحف المحرقة اليهودية”.
وواصل تركي حلمه قائلا: “يا لها من لذة ألا أدعو الفلسطينيين فقط، بل الإسرائيليين الذين سألقاهم أيضاً، ليأتوا لزيارتي في الرياض، حيث يستطيعون التجول في بيت آبائي في الدرعية التي تشبه معاناتها التي نالتها من قهر إبراهيم باشا معاناة القدس على يد نبوخذ نصر والرومان”. يشير بذلك الى معاناة اليهود!!.
وشدد تركي على أهمية السلام مع “إسرائيل”، وعلى أهمية مؤتمر “إسرائيل للسلام” وقال “أتمنى اليوم الذي يمكنني أن أشارك في مؤتمر كهذا وأن يمكن للإسرائيليين الذين يشاركون فيه أن يتوجهوا جواً إلى الرياض ليشاركوا في مؤتمرات تنحصر عنايتها في مسألة كيف نستطيع جميعاً أن نعمل معاً لحلّ المشكلات الملحة الكثيرة الأخرى التي تتحدى منطقتنا”!!.
وختم تركي رسالته حول السلام بين العرب و”اسرائيل” وقال انه لا يوجد أي شيء مستحيل مع وجود قدر من الإرادة الخيرة وبدعم من الولايات المتحدة والجامعة العربية!!.
هنا نود ان نسأل الامير تركي سؤالا بسيطا، وهو لماذا كل هذا الالحاح لتحقيق سلام مع العصابات الصهيونية التي تحتل اقدس مقدسات العرب والمسلمين وتعمل ليل نهار على تهويد القدس وتحاصر الفلسطينيين في غزة ، وارتكبت ضدهم أبشع الجرائم ، حتى وصل الامر بالمحاكم الاوروبية الى إصدار مذكرات توقيف ضد زعماء هذه العصابة التي ترفض بشهادة الامير تركي نفسه في رسالته من ان “أياً من الحكومات الإسرائيلية لم تتجاوب مع مبادرة السلام العربية التي ما زلنا حتى الآن مصرّون عليها ومتمسكون بها، وما زالت على الطاولة أقوى مما كانت عليه” ، ترى لم يستجد تركي السلام من عصابات ترفض هذا السلام وترفض التعامل مع العرب ، حتى اولئك ، الذين يستجدونها ، وتتعامل حتى بتعال مع من وقعت معهم معاهدات سلام ، ولا يترك بابا الا ويطرقه عسى ان يفتح على “اسرائيل” ، بينما يتعامل النظام السعودي مع جارة مسلمة كبيرة مثل ايران ، من منطق اكون او لا اكون ، اما ان تُدمر ايران وتختفي من الخارطة ( كما دعا الملك السعودي ) واما ان يبقى الصراع معها الى الابد ؟؟.
الجواب على هذا السؤال البسيط ، بسيط ايضا ، وهو لا توجد في العالم اجمع ، حكومة يمكن ان يفكر مسؤولوها بمثل هذا التفكير إزاء جارة لهم تربطها بهم روابط الدين والثقافة والجغرافيا والجيرة ، كما يفكر السعوديون ، لان التفكير المنطقي الذي يجب ان يكون اساسا لرؤية آل سعود لايران والمنطقة تتطلب استقلالا في السياسية واتخاذ القرارات الوطنية الصحيحة ، بينما هذه الاسرة لا تملك هذه الاستقلالية ، كما ان هذه الاسرة لا تفكر بتاتا بمصلحة الشعب السعودي الذي سيبقى الى الابد في المنطقة كما يبقى الشعب الايراني ، فهي لا يهمها الا تنفيذ ارادة السيد الامريكي ، الذي طلب من هذه الاسرة ان تُخرج علاقتها مع الكيان الصهيوني من السر الى العلن ، فاذا هي علاقة زواج كاثوليكي راسخ ، بالتزامن مع الفوضى التي تنشرها “داعش” في المنطقة ، من أجل تحقيق اهداف امريكا وفي مقدمتها الابقاء على “اسرائيل” الاقوى في محيط غارق في الدماء والدمار.
بقلم: منيب السائح-شفقنا