عن “اغتيال البغدادي” في العراق
رأي اليوم
لم يأخذ الكثيرون على محمل الجد، الأنباء التي روجها متحدثون باسم الجيش العراقي يوم الاثنين، حول قصف طائرات موكب سيارات تقل أحدها السيد أبو بكر البغدادي، زعيم “الدولة الاسلامية”، وعدداً من مساعديه، كانوا في طريقهم لحضور اجتماع لقيادات “الدولة” في منطقة الكرابلة في محافظة الأنبار، والقريبة من الحدود العراقية السورية.
هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها المتحدثون العسكريون العراقيون مقتل السيد البغدادي، كما أن حلفاءهم الأمريكيون روجوا أنباء قبل ستة أشهر تقريباً، عن إصابته إصابة قاتلة في إحدى غاراتهم في مدينة الرقة، عاصمة دولته المؤقتة.
السيد يحيى الزبيدي المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في العراق، كان أول من أكد عملية الاستهداف هذه، وتحدث في بيان صحافي عن مقتل واصابة العشرات من مساعدي زعيم “الدولة”، وأن السيد البغدادي جرى نقله محمولاً في إحدى السيارات بعد إصابته، وأن مصيره ما زال مجهولاً، ليعود متحدث آخر لينفي وجود السيد البغدادي في الموكب نفسه.
لا نعتقد أن السيد البغدادي يتحرك في إطار قوافل سيارات مثله مثل الزعماء العرب، لأنه، وبكل بساطة، يدرك جيداً أنه لو فعل، لكان صيداً سهلاً لمئات الطائرات من كل الأنواع والجنسيات التي تزدحم بها الأجواء السورية والعراقية هذه الأيام، بحثاً عنه واتباعه، الأمر الذي يدفعنا، وربما غيرنا للتريث، وعدم أخذ الرواية الرسمية العراقية بالجدية المطلوبة، لأنها غالباً ما تكون متسرعة، وغير دقيقة، وتعكس تمنيات قيادتها وحلفائهم في معظم الأحيان.
قولنا هذا لا يعني أن الرجل، أي البغدادي، سيعمر مئات السنين، فاغتياله ليس مستبعداً، إذا وضعنا في اعتبارنا، وجود تحالف من ستين دولة بزعامة أكبر قوتين في العالم، أي الولايات المتحدة وروسيا، إلى جانب قوى غربية وإقليمية، كلها تتعاون عسكرياً واستخبارياً من أجل اغتياله، والقضاء على دولته بالتالي، والخطر الذي تشكله.
وحتى لو نجحت هذه القوى في الوصول إليه، واعتقاله أو قتله، والاحتمال الثاني هو الأرجح، فإن الدولة التي يتزعم قمتها قد لا تتأثر كثيراً بمقتله، لأن قيادتها جماعية غير مركزية، تدار من قبل مجلس شورى مكون من خمسة أشخاص، وهناك نائب ومساعدون للسيد البغدادي، وهيكلية قياديه واضحة، تملأ أي فراغ رئاسي يحدث في حال اغتياله.
السيد البغدادي، وعلى عكس استاذه، وقائده السابق، الشيخ أسامة بن لادن زعيم تنظيم “القاعدة”، ليس مغرماً بالأضواء، ويفضل البقاء بعيداً عنها، ولم يظهر علانية إلا مرة واحدة في شهر رمضان قبل الماضي عندما ألقى خطبته من على منبر الجامع النوري الكبير في الموصل، وأعلن فيها قيام دولة الخلافة، ولم يظهر من حينها في أي لقاء علني أو حتى “متلفز”.
ولعل تكرار تسريب أنباء بين الحين والآخر عن مقتله هو من قبيل الحرب النفسية، وبهدف الضغط عليه، لدفعه للظهور مجدداً لنفي مثل هذه الأخبار، وربما يقدم بذلك معلومات لأجهزة الاستخبارات التي تطارده، وما أكثرها، عن مكان وجوده وملامحه، ولا ننسى أنهم قاموا بتحليل جميع أشرطة زعيم تنظيم “القاعدة”، لمعرفة الأماكن التي يتحرك فيها، ونجحوا فعلاً، في أحيان كثيرة في هذا الصدد، من خلال التعرف على التربة، ونوعية الأشجار والتضاريس الجغرافية، وربما يريدون تكرار التجربة نفسها مع السيد البغدادي بطريقة أو بأخرى، ولكن من يعرف هذا الرجل، وأركان قيادته عن كثب، يؤكد أن فرص نجاحهم تبدو محدودة للغاية، فالسيد البغدادي محاط بعقداء وألوية من ضباط المخابرات العراقية السابقين، تلقوا تدريبات في أعرق الأكاديميات الغربية والشرقية معاً، وهذا لا يعني أن احتمالات الخطأ مستبعدة كلياً.