حركات ’الاخوان المسلمين’ بين التجدد والتطرف
مع انطلاق شرارة ما بات يُعرف بـ”الربيع العربي” دخلت المنطقة في حالة غير مسبوقة من النشاط السياسي والإعلامي والشعبي، ومعھا أستحال أن تعمل أي جماعة سياسية في السر، ومن بينها جماعة “الإخوان المسلمين”، حيث أخذت نشاطاتهم وأسماء قياداتھم وأعضاء المجالس القيادية ونقاشاتھم الداخلية تظھر على صفحات المواقع الإلكترونية. وظھر خطاب مختلف جداً يتصل بالدولة الإخوانية وخاصة بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي في مصر، وكانت قراءتھم أن تؤول لھم الأمور في تونس وسوريا وليبيا، بعدما شعروا أن تركيا تقف معھم.
لكن هذه الجماعات الإخوانية المنتشرة بشكل كبير في مصر والاردن وتونس والمغرب، تختلف في أيديولوجيتها عن الأخرى، فحركة “النهضة” التونسية يبدو الوعي التاريخي راسخا في مسارها منذ أن تأسست عام 1972، مرورا بالإعلان الرسمي عن انطلاقتها سنة 1981 فھي تؤكد أنھا من أكثر الحركات الإسلامية وعيا بالسياق التاريخي والسياسي وتحولاتھما.
ويمكن رصد معالم دالة على ذلك، منذ تحولت من ھويتھا الأولى “الاتجاه الإسلامي” الى “النھضة عام 1989، حتى الوصول الى تدشين مرحلة جديدة في مؤتمرھا العاشر. كذلك، يظل يحسب لھا إحجامھا عن الانخراط في أعمال عنف ضد نظام زين العابدين بن علي قبل الثورة، أو انجرارھا إليھا بعدھا. ما مھّد لنجاحھا في الخروج “الناعم” من السلطة بعد تزايد الاعتراضات والمظاھرات، وصولا الى نموذج “العيش التونسي” الذي شهدناه في المؤتمر الأخير عناقا بين الرئيس الباجي القائد السبسي وزعيم “النھضة” الغنوشي، الذي جدد انتخابه في المؤتمر الأخير بأغلبية ساحقة ھذا العام .
حركة “النھضة التونسية” ومن خلال مؤتمرھا الأخير قدمت نفسھا على أنھا نموذج عصري ومتطور لـ”الإسلام السياسي” كحزب ديمقراطي وطني مسلم متفرغ للعمل السياسي بمرجعية وطنية تنھل من قيم الإسلام، ملتزمة بمقتضيات الدستور وروح العصر.
وبينما لا يزال خطاب “النھضة” وأدبياتھا حيين ومتجددين في إطار التاريخ، لم تستطع جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر، على رغم توالي ثمانية مرشدين على رأسھا، تجديد أدبياتھا التأسيسية وخطابھا السياسي، وظلت منحبسة في تراث المؤسس حسن البنا منذ وفاته عام 1949، والمؤسس الثاني، الأكثر تأثيرا في قيادتھا، سيد قطب منذ إعدامه عام 1956 ، واستمرت الجماعة على نفي وإقصاء أي محاولة للتجديد خارجھا، أو على الأقل خارج تنظيمھا.
وعلى الرغم من سقوط حكم “الإخوان” في مصر وخروج الجماعة القسري من السلطة عام 2013، فإن خطابھا ما زال عاجزا عن المفاصلة والقطيعة مع خطابات الجماعات الإرھابية العنيفة والمتشددة، ونجح الاخوان في شراء العداء وتأبيده ليس فقط مع النظام والدولة، بل مع نخب وقوى مدنية طالما تحالفت مع الجماعة أو دافعت عنھا.
الاخوان المسلمين: الى اين ؟
وفي حين رحبت حركة “النھضة” بمبادرة “لجنة الحوار الرباعي” و”حوار القوى المدنية” عام 2013 ، رفضت جماعة “الإخوان”، وما زالت ترفض، مختلف المبادرات التي تطرح للمصالحة، سواء من شخصيات محايدة، أو أقرب إليھا أو أقرب للنظام ومعارضتھا. وعلى الرغم من رھانها على الأزمات الاقتصادية والسياسية في مصر الا ان خطابها مع المعارضة المدنية، فضلا عن النظام، لا يزال خطابا تھكميا واتھاميا لا يستطيع الوصول للمناطق المشتركة.
ومن الفوارق الكبيرة أيضا أن لدى الشيخ الغنوشي، زعيم “النھضة” ورئيسھا، الشجاعة الكاملة بأن يعلن الاعتذار عن أي أخطاء حدثت أثناء تجربة الحكم أو قبلھا، حين قال في مؤتمر “حركة النھضة” العاشر: “إننا حريصون على النأي بالدين عن المعارك السياسية، وندعو الى التحييد الكامل للمساجد عن خصومات السياسة وعن التوظيف الحزبي، حتى تكون المساجد مجمعة لا مفرّقة”.
ھذا ھو المنطق الذي تفتقر إليه جماعة “الإخوان المسلمين”، الحركة الأم للإسلام السياسي في مصر، فالدولة أحكمت قبضتھا على التيار الديني بعد ثلاث سنوات من إقصاء أكبر فصيل إسلامي عن الحكم، وما تبعه من عمليات عنف انتشرت لشھور، لكن تم احتواؤھا إلى حد كبير بعد ضربات أمنية موجعة لفصائل من الإسلاميين تبنت العمل المسلح.
الباحث السياسي عمار علي حسن يرى أن تيار”الإسلام السياسي” دخل مرحلة خمود نتيجة أشياء عدة، أبرزھا:
– نبذ المجتمع لأن يمارس ھذا التيار السياسة مرة أخرى، بعدما كشف أنه يتخذ من الدين مطيّة للوصول إلى السلطة.
– كما أن صورة ھذا التيار بشتى فصائله في مخيلة المصريين أصبحت مجروحة على عكس ما كانت عليه قبل الثورة”.
وطبعاً، الأكثر ربحاً في ھذه المعادلة ھو تيار “السلفية الدعوية” الذي طرح نفسه أمام السلطة بديلاً عن جماعة “الإخوان” يمكن التعويل عليه في موضوع محاربة الإرھاب.
هناك اختلاف جذري بين إخوان مصر وإخوان تونس، في المقابل نرى تقارباً كبيرًا بين إخوان تونس وإخوان المغرب المنضوين في إطار حزب “العدالة والتنمية” للحركة الوطنية المغربية، إذ أسس سنة 1967، باسم حزب “الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية” ويعد الدكتور عبد الكريم الخطيب مؤسس الحزب من أبرز قياديي المقاومة وجيش التحرير المغربي، وكانت له صلات وثيقة بالعائلة الملكية، وكان وراء اقتراح تنصيص الدستور المغربي على كون “الملك أميرا للمؤمنين”.
وعلى خلاف النھضة التي تعرضت لتضييق ومواجھة شاملة قبل الثورة، استفاد حزب “العدالة والتنمية” جزئيا من بداية الانفتاح السياسي في المغرب منذ عام 1992، وساھم ھذا الانفتاح للنظام السياسي المغربي في تمتين العلاقات بين الإسلاميين المغاربة والتونسيين.
وعلى ما يبدو فإن التلاقي الفكري بين التنظيمين لم يقرِّب بينھما فقط، بل جعل موقفيھما متطابقين . فقد رفض التنظيمان استعمال العنف والتكفير الديني، ودخلا في مواجھة معه دعوية وسياسية في مرحلة المعارضة، وفي زمن المشاركة في السلطة.
كذلك اتخذ التنظيمان في مناسبات متواترة مواقف وسلوكيات جريئة ضد الفكر الإرھابي والتنظيمات العلمانية المتطرفة، الشيء الذي جر على كل من “العدالة والتنمية” وحركة “النھضة” سخط التطرف الديني واللاديني، إذ يعتبر الأول تبنيھما للمرجعية الإسلامية والتديّن المعتدل والقبول بالديمقراطية والدستور والمؤسسات الشرعية كفرا بالشريعة. وفي المقابل، يعتبر الخصوم العلمانيون التنظيمين وجھا آخر لـ”داعش” و”القاعدة”، وأن قبولھما بالديمقراطية مجرد نفاق سياسي مرحلي.
والمتتبع للممارسة السياسية لكل من “العدالة والتنمية” المغربية وحركة “النھضة” التونسية سيلاحظ الذھنية المشتركة للفصيلين الإسلاميين، وتحديدًا في التعامل مع بنية الدولة العربية غير الديمقراطية، وفي منھجية التعامل مع المحيط الدولي.
أما مع إخوان الأردن فالوضع مختلف تماماً، وثمة حالة انقسام وتفكك في صفوفھا، ومن بين أسباب الخلاف بينها، الاختلاف على برنامج الجماعة وعملھا، إذ يتھم “الحمائم” قيادة الجماعة برفض العمل بأجندة وطنية أردنية، وعدم الاھتمام بھموم الأردنيين.
بالإضافة إلى وجود أزمة ثقة بينھا وبين النظام الملكي. فحينما حلَّ” الربيع العربي”، استغل ” إخوان الأردن” هذا الوضع لرفع وتيرة الخطاب والتحدي وفرض الشروط، فمنھم من قال “نحن نجلب الغاز المصري للأردن”، بينما قائدھم طالب بتعديل المواد 34 و 35 و 36 من الدستور وھي المواد التي تتعلق بصلاحيات الملك. وأغلق الإخوان الأبواب يوم رفضوا دعوة الملك لھم عام 2013، للمشاركة في الانتخابات.
الجماعة غيّرت طريقتھا في التعامل مع المملكة الأردنية، ولھذا كان لا بد من التغيير، لكنه تغيير على الطريقة الأردنية وليس على الطريقة المصرية أو العراقية أو الليبية. إنھا طريقة تتحدث عن حرفية القانون، فالإخوان جمعية وحين يصدر قانون للجمعيات ويطلب من الجماعة تصويب أوضاعھا، فعليھا أن تفعل.
وعلى إثر ذلك، شھد الأردن خطوة سياسية وأمنية لافتة، إذ أعلنت جماعة “الإخوان المسلمين” غير المرخص لھا أن السلطات دھمت مقرھا الرئيس في منطقة العبدلي في العاصمة عمان، وبعد إخراجھا من كان فيه أغلقته بالشمع الأحمر.
ولكن تلكؤ الإخوان وتصريحات المراقب العام بأن الجماعة أكبر من القانون، دفع المنشقين عن الإخوان للاستفادة من الفرصة والحصول على رخصة باسم “جمعية الإخوان”.
وهنا وقع الإشكال في وجه الجماعة، فمن هو ممثل الإخوان؟ الجماعة التي تستند الى التاريخ، أم الجمعية التي تأقلمت مع الواقع وقنصت الرخصة؟
ثم بدأ التنفيذ على الأرض، فقد وُضع الشمع الأحمر على مقار الجماعة التاريخية باعتبارھا غير مرخصة، وھو تنفيذ لا يقف عند حدود الشمع الأحمر، بل ھو إعلان عن نھاية حقبة وبدء عھد جديد ينسجم مع المحيط العربي والسياسة الدولية.
فالخيار الوحيد المتاح أمام حركات أو “جماعة “الإخوان المسلمين” في ھذه الحالة ھو العمل تحت مظلة حزب جبھة العمل الإسلامي، باعتباره العنوان الدائم والوحيد للعمل السياسي، والتنازل عن الجماعة كإطار فقد مشروعيته من الناحية القانونية والشعبية.
وأخيراً، فإن حركة “الإخوان المسلمين” على اختلاف انتشارها في العالم العربي، أثبتت فشل برنامجها السياسي في إدارة الحكم كالتجربة المصرية والتونسية، كما فقدت أيضاً الثقة الشعبية التي أيدتها في بداية ما يُسمى بـ”الربيع العربي” لأنها لم تتخلَّ عن خطابها الديني المتشدد الذي اصطدم مع القوى المدنية الراغبة في التعايش بعيداً عن التطرف السياسي الديني.
المصدر /
العهد
===
أشترك على قناة أخبار تعز للتلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه انقر هنا✅