هل سقط الاتحاد الأوروبي بالضربة القاضية؟
ناصر قنديل
-أعاد الفوز لدعاة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء البريطاني التذكير بأشياء متعددة أبرزها، الفوز المعاكس المشابه للاستفتاء البريطاني على الانضمام بعد إقرار معاهدة ماستريخت، بصفتيهما علامتين فارقتين في مصير الاتحاد، وتحوّله من مشروع فرنسي ألماني أو ألماني فرنسي أسباني إيطالي، أيّ كاثوليكي، إلى مشروع أوروبي أيّ عالمي، ومما ذكر به الاستفتاء البريطاني ما قيل يوم فوز دعاة الانضمام إلى الاتحاد في بريطانيا بالاستفتاء، عن بريطانيا الدولة الأشدّ انعزالاً وبعداً عن التلاقي وتعالياً وتفاخراً بالعرق والدين والتاج والتاريخ الإمبراطوري، من أنّ الكتلة الرائجة بين خيارَيْ الانعزال والاندماج المتمثلة بـ 5 من البريطانيين تختصر الرأي العام الأوروبي في رسم اتجاهاته صعوداً وهبوطاً، لأنها تقرأ بعيون الأوروبيين وعود المشروع وآماله البراقة، أو شحوبه وأوهامه المضللة.
-قالت الكتلة الرائجة في بريطانيا إنّ الاتحاد الأوروبي لم يعد مشروعاً مقنعاً، ولا جاذباً، وصار مشروعاً شاحباً يؤذن بالأفول، لأنّ الاتحاد الأوروبي خلافاً للشائع عن كونه تطوراً طبيعياً لما بدأ في الستينيات من القرن الماضي باسم منظمة التعاون الاقتصادي والأمني الأوروبي وصارت في السبعينيات مشروع سوق أوروبية مشتركة، هو في الحقيقة مشروع سياسي واستراتيجي رعته وساندت قيامه أميركا في ظلّ استغراب المحللين والمتابعين الذين خدع بعضهم أنفسهم وصدّقوا أنه مشروع قوة عظمى ستنافس أميركا، بينما كان هو مشروعها الذي جنّدت له كلّ أوراق قوتها ليفوز مساندوه بحكومات بلادهم في الدول الأوروبية، كما شجعت البريطانيين على التصويت لبقائه وحزنت للنتيجة السلبية التي حسمها الاستفتاء البريطاني أكثر مما حزن كثير من الأوروبيين.
-تبلور الاتحاد الأوروبي كمشروع ورؤية لدى الأميركيين ومَن معهم في أوروبا مع انهيار الاتحاد السوفياتي بصفته الوعاء الذي يستحيل بدونه الاستيعاب السريع لدول أوروبا الشرقية الأرثوذكسية الخارجة لتوّها من الاتحاد السوفياتي والتي تستحيل مخاطبتها باتحاد كاثوليكي، أيّ بدون بريطانيا، كما يستحيل بدون الاتحاد الأوروبي المتعدّد مسيحياً التقرّب في الجوار الأوروبي لروسيا وخصوصاً في جورجيا وأوكرانيا، ومقابل الكلفة التي ستترتب على احتواء الدول الفقيرة لأوروبا الشرقية، سيكسب الاتحاد ودوله الغنية فرص استثمار يد عاملة رخيصة لبناء تكتل اقتصادي صناعي ينافس الصين بدلاً من أميركا، وببريطانيا سيكسب خبرة آسيوية يحتاجها للعب دور المنافس للصين، وبالوصول للجوار الروسي سيتمكن من الحصول على النفط والغاز بأسعار رخيصة، تمنح مجتمعاته مكاسب مجزية، وتمنح صناعته قدرات تنافسية، فيحمل أعباء التوسّع وينتعش وينمو اقتصاده، وبهذه القوة تتمكن واشنطن من امتلاك شريك في العالمين العربي والإسلامي يملك الخبرة والقدرة والمصلحة والجوار، وهي ذاهبة في حرب إمبراطورية لحسم الحلقة المفصلية في حروب الطاقة والزعامة المنفردة للعالم.
-فشل الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا، وفشل في سورية، بعد مراهنته على الحروب الأميركية وانخراطه فيها، فصار التوسع مجرد أعباء اجتماعية واقتصادية ومالية وأمنية، لم يعوّضها لا سعر غاز رخيص ولا قدرة تنافسية في الأسواق للتوسّع بوجه الصين، وصارت أوروبا عربة ثقيلة يجرّها الحصانان الألماني والبريطاني، فقرّر البريطانيون الاستقالة من المهمة، وبكى الفرنسيون، ويفكر الألمان بما يجب عليهم فعله، والبديل لسقوط الوحدة الأوروبية بثنائية كاثوليكية بروتستانتية تجعلها امتداداً للسياسات والحروب الأميركية وتسعى لاستتباع الدول والشعوب الأرثوذكسية في شرق أوروبا، ليس إلا ثنائية كاثوليكية أرثوذكسية لا تقوم بدون تفاهم ألماني فرنسي مع روسيا بصفتها ركناً أوروبياً، وكلفة هذا الخيار الإنقاذي الخروج من السياسات الأميركية نحو أوروبا محايدة، تهتمّ لأمنها ومصالح شعوبها، وإلا صار حلم الاتحاد أضغاث أحلام سيتفكك تباعاً، فمثلما بدأ الاسكتلنديون يفكّرون بالانفصال عن بريطانيا، بدأت في ألمانيا صيحات الخروج من الاتحاد، وسيتفكك الاتحاد وتبدأ دوله بالتفكك، لأنّ سقوط الهوية الأوسع لا يتوقف بالعودة إلى الأضيق منها بل بالتقهقر بلا قعر إلى الأضيق فالأضيق فالأضيق، وهذا معنى الخيار الاسكتلندي في بريطانيا بالانفصال، والخيار الكاتالوني في أسبانيا.
-لن يكون سهلاً حماية وحدة الكيانات الأوروبية دون حماية وحدة الكيان الأوروبي الأوسع، وهذا لن يتحقق بدون التوجّه نحو روسيا، ففي هذا التوجه الغاز والنفط الرخيصين، والسوق، والحرب على الإرهاب، والمصالحة مع العالمين العربي والإسلامي، من بوابة دعم حلّ للقضية الفلسطينية يدعم بقوة وجدية تطبيق القرارات الدولية الخاصة بفلسطين وحقوق شعبها، من دون ذلك سيسجل التاريخ يوم 24 حزيران 2016 كبداية للعدّ التنازلي لتفكك أوروبا.
====