سلمان والسيسي وأردوغان… ونتنياهو؟ ماهية المنظومة الأميركية الجديدة للإقليم
ناصر قنديل – صحيفة “البناء”
– يبدو المشهد مصنّعاً ومبرمجاً ومدروساً إلى درجة يحسّ المتابع كأنّ أحداً ما في غرفة سرية سوداء مغلقة قد ضغط على أحد الأزرار التاريخية لتنطلق جملة من التحوّلات الكبرى، فالذي يجري منذ أيام مع الإعلان عن هدنة اليمن مطلع الأسبوع يوحي بشيء كهذا، فقد حطّ في اليوم نفسه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، في القاهرة ليشهد منها في اليوم الثاني لزيارته بدء تطبيق أحكام الهدنة، وانطلاق التحضيرات الجدية جداً لمسار الكويت للتسوية السياسية اليمنية، وبعد إنجاز تفاهمات مالية كانت تحتاجها مصر أكثر من أيّ شيء آخر، وقّع الرئيس المصري على صكّ التنازل عن السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير، وأعلن الملك السعودي عن الجسر البري الذي يوصل السعودية بمصر، وغادر إلى تركيا لعقد قمة ثنائية مع رئيسها رجب أردوغان، ليستقبلا معاً القمة الإسلامية، التي يفترض أن يشارك فيها الرئيس المصري، وتشهد ثلاثية مصرية سعودية تركية.
– التوقيت المتزامن لهدنة اليمن مع اتفاقية الجزر والقمة الإسلامية، يجد تفسيراً للغز كيفية توظيف الاختناق المالي المصري في خطوات نوعية، تتصل بما هو أبعد من المعنى الكبير لمواكبة واشنطن لمرحلة التسويات بتجميع الثلاثي المحسوب عليها لإقامة توازن في وجه إيران، الخصم الشريك في رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، بعد النجاح في ترويض الخصوصية المصرية التي انتهت بحظر قناة «المنار» عن قمر «نايل سات» المصري قبيل زيارة الملك سلمان، وتوّجت نهايتها باتفاقية الجزر، وستعلن في احتفالية القمة الثلاثية المصرية السعودية التركية، ففي قضية الجزر قطبة «إسرائيلية» لا تستقيم التفاهمات بدونها، ليس فقط لأنّ «إسرائيل» شريك حكمي بأيّ قرار مصري يطال السيادة على الجزر وفقاً لاتفاقيات «كامب ديفيد»، ويستحيل دون موافقتها إتمام التفاهم عليها، بل لأنّ «إسرائيل» لن تمنح الموافقة إلا لمصلحة عليا، بل لأنّ «إسرائيل» هي صاحبة المشروع الذي حاز على توقيعين مصري وسعودي، وبقرار أميركي.
– كان السؤال الدائم مع التحقق من جدية مسار التسويات، هو أين «إسرائيل» منها؟ وكيف ستتأقلم معها؟ وهل يمكن لواشنطن أن تشترك في إنجاز تسويات تعيد العافية لسورية بدولتها وجيشها وثوابتها ورئيسها، ولو من موقع العجز عن التغيير، إلا إذا كانت تضمن عدم دفع «إسرائيل» من وجودها ومستقبلها ثمن هذه التسويات؟ وواشنطن تعلم علم اليقين أنّ توازن القوى الناشئ في ظلّ التسويات سيجعل يد حلف المقاومة هي العليا، وسيكون للصراع المفتوح والمعلّق حول فلسطين دور الشرارة التي ستشعل حرباً في يوم ما، وتدفع «إسرائيل» ثمنها غالياً.
– منذ زيارة نتنياهو لواشنطن والإعلان عن تفاهم استراتيجي برزت ملامحه، في شنّ حرب قانونية وإعلامية ودبلوماسية على حزب الله، وانضمام السعودية فوراً إلى قيادتها، بدا أنّ هذا ليس إلا رأس جبل الجليد، وبدا أنّ ما لحقه من قرارات أميركية بزيادة المعونات العسكرية لـ«إسرائيل» لا يتصل بضمان التفوّق بحرب مقبلة، لن يفيد فيها هذا السلاح طالما لا يقيها حرب صواريخ ستتكفل بهزيمتها، بل ربما هي دفعات على حساب ضمانات السلام الذي يفترض أن تنخرط «إسرائيل» ضمنه مع شريك فلسطيني جاهز برعاية سعودية للتوقيع على صفقة في منتصف الطريق تتيح تطبيع العلاقات السعودية «الإسرائيلية» ويكون عائدها الاقتصادي لـ«إسرائيل» تعويضاً مناسباً عن خسائرها في التسويات، وضماناً لدور أكبر من إقليمي عبر جعلها شريكاً في سوق النفط العالمية، وخط الترانزيت بين الخليج وأوروبا، والبديل الاستراتيجي لمرور السفن الواصلة إلى السعودية من مضيق هرمز تحت العين والإرادة الإيرانية، وهذا كله من نتائج اتفاقية نقل الجزر للسعودية والبدء بجسر بري يحمل أنابيب النفط ويصل إلى حيفا، ليكون «جسر سلمان»، كما قال الرئيس المصري، برمزية دور الجسر الآتي لما هو أبعد من ربط مصر بالسعودية بطريق بري، بل بمنح «إسرائيل» دور بوابة الشرق الأوسط نحو الغرب، وإنشاء منظومة إقليمية اقتصادية أمنية رباعية متصلة بالغرب مقابل إيرانـ تضمّ «إسرائيل» وتركيا والسعودية ومصر.
– لم يكن الأمر وليد ساعته بالتأكيد، واليوم تتحدّث صحيفة «هآرتس» بمضمون ما كتبته «البناء» أمس، عن قضية الجزر وبعدها في اقتصادات النفط والترانزيت بالنسبة لـ«إسرائيل»، وغداً ربما تتحدّث بما كتبت «البناء» اليوم عن تسليم «إسرائيلي» بالمقايضة بين دور اقتصادي استراتيجي كان حلم رئيسها السابق شمعون بيريز، دورها العسكري الواقع في استعصاء الترميم، هذا التسليم الذي يعني مع القبول «الإسرائيلي» بحلّ يقوم على دولة فلسطينية في الكنف السعودي والمصري، تتضمّن خلال عشرين عاماً حلولاً مركبة لقضايا الحدود والقدس واللاجئين، قبولاً بانسحاب من الجولان ومزارع شبعا، يُنهي قضية الحرب الإقليمية، ويفتح الباب لمرحلة مختلفة بقواعدها الحاكمة وشعاراتها المحركة، في مضمون السياسة في كلّ من إيران وسورية ولبنان، حيث لا يبقى الصراع مع «إسرائيل» القضية المركزية الحاضرة، ما لم يفرضه إيقاع مقاومة فلسطينية وانتفاضة لا تهدأ في الأراضي المحتلة منذ العام 1948.
– على خلفية هذا السياق يمكن فهم حجم الاندفاع الروسي نحو التموضع في سورية عسكرياً، والتشدّد في الحسم والوضوح حول هوية سورية وموقعها في الجغرافيا السياسية للمرحلة المقبلة، وعلى هذه الخلفية يمكن فهم التداول الغامض في مصير الأكراد ومشروع الدولة الخاصة بهم، وكذلك فهم السعي التركي للحصول على خصوصية أمنية في جيب جرابلس السوري وجيب الموصل العراقي، هي خرائط جديدة تقترب مع اقتراب ذكرى مرور مئة عام على تفاهمات «سايكس ــــ بيكو»، التي كان من ضمنها التمهيد لنشأة «إسرائيل».
– مع استقالة الخارج العربي من القضية الفلسطينية يصير العامل المقرّر، لمستقبل الخرائط الجديدة، التي حسم فيها السوريون واللبنانيون والعراقيون واليمنيون مصير بلدانهم، هو كيف سيتصرف الطرفان الرئيسيان في الصراع الوجودي على أرض فلسطين، سكانها الأصليون والمستوطنون، وكيف سيتكفل كلّ منهما بحساباته المختلفة، كما كان يحدث دائماً، بتعطيل التطبيع العربي ــــ «الإسرائيلي»؟
====
أشترك على قناة أخبار تعز للتلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه انقر هنا✅