قراءة تحليلية لقرارات غير شرعية
في شهر فبراير الماضي قال وزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف عقب لقائه في فيينا مع نظيره الأميركي جون كيري ، أن مجلس الأمن الدولي ارتكب أخطاء كبيرة في قراراته الخاصة باليمن عندما اتخذ عقوبات دولية ضد قادة أكبر حزبين معارضين لما أسماها (الحكومة الشرعية) ، ثم يطلب من قادة هذين الحزبين التفاوض مع تلك الحكومة لتحقيق تسوية سياسية بموجب القرار 2216 مشيرا ولأول مرة الى أن ذلك القرار متناقض وغير ممكن التنفيذ!!
كانت ملاحظات سيرجيه لافروف عمومية ردا على سؤال من مراسل شبكة سبوتنك الاخبارية الروسية في فيينا ، لكنه لم يتحدث إطلاقا عن أن لقاءه بجون كيري قد شمل بحث الأزمة اليمنية الى جانب الأزمة السورية التي أعلن الطرفان الروسي والاميركي عن اتفاق مشترك بين بلديهما لوقف القتال في سوريا.
بعد ذلك باسبوعين دعا جون كيري في واشنطن الى وقف العمليات العسكرية في اليمن وأعلن عن ضرورة البحث عن صيغة لتحقيق هذا الهدف على غرار اتفاق وقف القتال في سوريا ، مشيرا الى أنه سيزور باريس والرياض لبحث وقف الحرب في اليمن .
بعد زيارتي جون كيري لباريس والرياض ، فاجأ المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية حلفاءه السعوديين بقوله ان التسوية السياسية في اليمن أصبحت بعيدة المنال ، لكن ذلك لا يعني ان الحرب الدائرة في هذا البلد سوف تستمر ، في إشارة الى ضرورة عدم ربط وقف الحرب بشرط تنفيذ تسوية سياسية حدد قرار مجلس الامن الدولي رقم 2216 مرجعياتها وشروطها في عشرين بندا.
في العاشر من شهر مارس 2016 أدلى الرئيس الاميركي أوباما بحديث غير مسبوق، الى مجلة “أتلانتيك ” الأميركية اتهم فيه حلفاء اميركا الخليجيين بالجنوح لإثارة صراعات وحروب طائفية في الشرق الأوسط ، والسعي لتوريط اميركا في هذه الحروب نيابة عنهم ، ودعا السعودية الى العمل المشترك مع ايران لحل لأزمات الاقليمية وفي مقدمتها الأزمتان السورية واليمنية ، مؤكدا ان الولايات المتحدة قررت الانسحاب من صراعات الشرق الأوسط!!
على تربة هذه المتغيرات شهدت الأزمة اليمنية تفاهمات دولية واقليمية وسعودية ويمنية ، انتهت باعلان تبادل بعض الاسرى ، وتهدئة الوضع على الحدود اليمنية السعودية ، وإعلان مبادرة الامم المتحدة لاجراء مفاوضات في الكويت بتاريخ 18 ابريل 2016 ، يسبقها وقف العمليات القتالية بتاريخ 10 ابريل 2016 ، ويشرف على مراقبتها فريق من خبراء الامم المتحدة بالتنسيق مع عسكريين سعوديين ويمنيين.
في صباح وعصر يوم 26 مارس 2016 شهدت العاصمة صنعاء مظاهرات ملايينية حاشدة وغير مسبوقة في ميداني السبعين والروضة بوسط وشمال العاصمة ، دعا اليها كل من المؤتمر الشعبي العام وحركة أنصار الله بمناسبة مرور عام على صمود الشعب اليمني في وجه العدوان السعودي.
وكان لافتا ان السيد عبدالملك. الحوثي زعيم أنصار الله ألقى كلمة متلفزة عشية المناسبة ، فيما ألقى الزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام كلمة مباشرة أمام ملايين المواطنين الذين احتشدوا في ميدان السبعين ، وكان القاسم المشترك في الكلمتين هو رفض عودة ما يسمى الرئيس الشرعي وحكومته الى الحكم في اليمن بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي.
حظيت رسائل الحشود الملايينية باهتمام اعلامي عالمي كان ابرزه تعليقات ذات مغزى عميق في الصحف الاميركية والبريطانية والروسية الكبرى ، أجمعت على فشل العدوان السعودي في تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية ، وأكدت على ضرورة أن يراعي مجلس الامن الدولي في مقارباته للأزمة اليمنية ، مصالح جماهير الحزبين الرئيسيين اللذين يعارضان (الحكومة) التي يعتبرها مجلس الامن الدولي شرعية ، ويطالب بعودتها وفق قراره رقم 2216.
يوم امس أصدر الرئيس المنتهية ولايته قرارات مرتبكة ومتناقضة قضت باعفاء نائبه ورئيس حكومته التي أضفى عليها القرار الدولي صفة الشرعية ، لكونها حظيت على توافق سياسيي من قبل المكونات السياسية التي وقعت على اتفاق السلم والشراكة برعاية الأمم المتحدة ، كما حظيت بعد ذلك على الثقة الدستورية من مجلس النواب اليمني .
وبرر الرئيس المنتهية ولايته هذا القرارات ، بعجز رئيس الحكومة عن القيام بواجباته ، وفشله في تحقيق مهام حكومته!!
كما قضت هذه القرارات بتعيين الجنرال علي محسن الاحمر نائبا لرئيس الجمهورية رغم فشله في تحقيق اي تقدم عسكري ميداني ، بعد تعيينه نائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة وهو منصب غير دستوري أيضا.
والأكثر إثارة للدهشة هو تعيين احمد عبيد بن دغر رئيسا للوزراء ، حيث نص قرار تعيينه على مباشرته فورا ، تنفيذ مهامه واستمرار وزراء حكومة خالد بحاح المقال في مناصبهم تحت قيادة رئيس الحكومة الجديد.
قبل الشروع في تحليل أبعاد هذه القرارات يتوجب التدقيق في معايير شرعية هذه الحكومة وافتقارها الى محددات الشرعية الدستورية التي اعتبر القرار الدولي رقم 2216 حكومة بحاح شرعية بموجب توافر تلك المحددات!!
في هذا السياق لخص خبراء يمنيون في القانون الدستوري ، عدم شرعية هذه القرارات للآسباب التالية:
1 / يعتبر إقحام دستور الجمهورية اليمنية في ديباجة تلك القرار ات ، محاولة ضعيفة لاكسابه شرعية الشكل.
2/ بموجب الدستور والأعراف الدستورية تعتبر إخفاقات الحكومة وفشلها ، مسؤولية تضامنية على اعضاء الحكومة، وليست مسؤولية فردية محدودة.
3/ إن اعفاء رئيس الوزراء هو اعفاء لحكومته وبرنامجه ، ولا يجوز استمرار اي منهما بعد اقالة الرئيس.
4/ يتم تحديد نوع وحجم ومدة الحكومة ، بقرار تكليف شخصية ما بتشكيل حكومة ، لا بقرار تعيين لرئيس وزراء.
5 / أما استبدال رئيس حكومة بآخر ، وبتعيين رئاسي ، فهو إجراء غير دستوري ، ولا يعدو أن يكون سوى بدعة سياسية تضاف الى البدع السابقة التي ارتكبها (الرئيس المنتهية ولايته) قبل وأثناء العدوان السعودي على اليمن.
في ضوء ما تقدم يكون ما يسمى (الرئيس الشرعي عبد ربه منصور) قد انتهك الدستور ومعايير الشرعية الدستورية بعدم تكليف رئيس الوزراء المقال وحكومته باستمرار تصريف الأعمال ، بالاضافة الى انتهاك الدستور عندما نص على تكليف الوزراء بمواصلة مهامهم تحت رئاسة رئيس الوزراء الجديد بدون الحصول على الثقة الدستورية من مجلس النواب.
وعندما ينطوي منطوق قرار تعيين بن دغر رئيسا للحكومة ، على استمرار الوزراء في عملهم بكامل صلاحياتهم الدستورية ، يفقد وزراء حكومة (الرئيس المنتهية ولايته) مسوغات الشرعية الدستورية عنهم ، بعد ان استند اليها قرار مجلس الامن الدولي رقم 2216 الذي اعتبر شرعية هذه الحكومة ، وضرورة تمكيمنها من ممارسة مهامها في صنعاء ، محورا للتسوية السياسية.
والثابت ان الدستور — وكل الأعراف الدستورية في العالم — ينص على إعفاء الوزراء بعد إستقالة أو اعفاء رئيس الحكومة ، وتكليفهم بتصريف الأعمال لحين انتهاء رئيس الحكومة الجديد من تشكيل حكومته وصدور قرار رئاسي باعتمادها ، وصولا الى حصولها على الثقة الدستورية من مجلس النواب كشرط لإكتمال شرعيتها.
وبهذا يفقد قرار مجلس الأمن2216 مسوغاته القانونية التي طالب على أساسها بعودة ما يسمى “الرئيس الشرعي وحكومته الشرعية” الى اليمن لممارسة مهامها ، في سياق المبادئ العشرين التي اعتمدها ذلك القرار إطارا للتسوية السياسية في اليمن!!
وبوسعنا القول آيضا ، إن التسوية السياسية في اليمن بموجب القرار رقم 2216 أصبحت فعلا بعيدة المنال ، الأمر الذي أزاح من طريق مفاوضات الكويت المقرر عقدها يوم 18 ابريل عقبة كبيرة ، تجعل من السهل تحويل مفاوضات الكويت الى إطار تمهيدي لمفاوضات مباشزة بين السعودية واليمن ، بدلا من ان تكون بين (الحكومة الشرعية والانقلابيين) بحسب خطاب الملك سلمان أمام مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ ، بعد يومين من بدء العدوان على اليمن.
وتآسيسا على ما تقدم ، من واجب الفريق الوطني المفاوض باسم المقاومة الوطنية والشعبية للعدوان السعودي ، ان يستوعب الفرص التي يمكن استخلاصها من تناقضات القرارات غير الشرعية للرئيس المنتهية ولايته مساء أمس ، وعدم شرعية حكومة بن دغر التي لم تعد محمية بمسوغات القرار الدولي رقم 2216.
ولا نبالغ حين نقول أن القرارات الأخيرة هي سعودية بامتياز ، وان الهدف منها هو إطلاق رصاصة الرحمة على الحكومة العميلة ، وتمهيد الطريق ليس لوقف الحرب ، بل لتحقيق بعض الأهداف السياسية والعسكرية التي فشل العدوان السعودي في تحقيقها بعد عام ونيف من حرب عدوانية وغير أخلاقية ، من شأن استمرارها أن يؤدي الى وضع حكام السعودية تحت طائلة الملاحقة الدولية.
الكاتب / أحمد الحبيشي
====
أشترك على قناة أخبار تعز للتلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه انقر هنا✅