وجهة النظر التركية تسقط أمام الحقائق
يبدو أن الرئيس الامريكي باراك اوباما قرأ وفهم جيداً كتاب مهندس السياسة التركية ورئيس وزرائها حمد داود اوغلو بعنوان “العمق الاستراتيجي دور تركيا وموقعها على الساحة الدولية” حيث قام اوباما بترجمته وبتنفيذ التوصيات التي وردت في الكتاب، الهادفة الى تصفير المشاكل مستبدلا كلمة تركيا ليحل مكانها كلمة امريكا ليصبح الكتاب بعنوان “والعمق الاستراتيجي ودور امريكا على الساحة الدولية””.
اعتقد الكثير من النقاد والباحثين والمحللين ان الرئيس الامريكي باراك اوباما هو رئيس ضعيف ومتردد باتخاذ القرارات الاستراتيجية النافعة للولايات المتحدة الامريكية.
لكن حقيقة الأمر أن اوباما اثبت انه رئيس اكاديمي وعلمي لا يعتمد على تقارير اجهزة المخابرات الامريكية او مراكز الدراسات التي اثبتت عقمها من خلال قيامها بتزوير فاضح للحقائق التي غالبا ما تكون مبنية على اسس تحقيق المصالح الفردية او مصالح مجموعات اقتصادية كبيرة ومؤثرة لا هم لها سوى كسب المزيد من الايرادات المالية الضخمة وان كانت على حساب دماء وابرياء وشعوب واوطان لا سيما أوطاننا العربية كما ان اوباما كان يحسب مصلحة الولايات المتحدة بدقة متناهية ففرض سياسة اكثر واقعية واكثر علمانية ولا ننكر ان اوباما اراد تحسين صورة الولايات المتحدة التي باتت مكروهة لدى شعوب منطقتنا نظراً لدعمها المطلق للعدو الاسرائيلي والعمل على اثارة الفوضى الخلاقة بمنطقتنا العربية على وجه الخصوص.
لكن اوباما سعى للحصول على مبتغاه دون ان ينخرط بحروب مدمرة لا مصلحة مباشرة لامريكا فيها ودون تكبيد امريكا خسائر بشرية من جنود الجيوش الامريكية، رافضا بالوقت عينه القيام بأية اعمال عسكرية خارج الولايات المتحدة ما لم تكن مضمونة النتائج لناحية التغيير نحو الافضل.
المصالحة التي توجت بزيارة اوباما التاريخيه الى كوبا اضافة الى انجاز اتفاق الملف النووي الايراني مقدماً نموذجا جديداً بالتعاطي والحوار قائماً على مبدأ الاحترام بدلا من الغطرسة التي اتبعتها الادارات الامريكية المتعاقبة وقبول اوباما مبدأ التفاوض مع كوريا الشمالية ممتنعاً عن الانخراط بضربة عسكرية في سوريا ورافضاً تلبية رغبة السعودية بمشاركتها في حربها ضد اليمن، اضافة الى سعي ادارة اوباما للضغط باتجاه محادثات مباشرة بين السعودية وايران، والاهم من هذا وذاك هو المفترق المفصلي في اعادة رسم سياسة امريكا في المنطقة بالاستغناء عن مشروع تولي تنظيم الاخوان المسلمين زمام القيادة والمبادرة، ما ادى الى سقوط منظومة الاخوان في حفرة الضياع والخسران وخروجها من المعادلة بالكامل، كل ذلك يقودنا الى ان اوباما حقق، الى حد لا بأس به، سياسة ونظرية كتاب اوغلو القائمة على (صفر مشاكل) .
اما صاحب تلك الاستراتيجية، ومنظر فكرة (صفر مشاكل) مع دول الجوار ، ومهندس السياسة الخارجية لتركيا “”احمد داود اوغلو””فقد وجد نفسه واوجد تركيا في دائرة صفر اليدين وصفر تحقيق سياسة تحسين علاقات في السياسة والامن والاقتصاد مع الجوار لانه بنى أفكاره وطروحاته على معطيات ومتطلبات المرحلة التي كانت تدور في فلك الاتفاق مع الادارة الامريكية للاطاحة ببعض الانظمة العربية ليحل مكانها نظام جديد يقوم على اساس تسليم تنظيم الاخوان المسلمين “الاسلام المعتدل” مفاتيح المنطقة، لتحتل تركيا الدور الريادي ويتمدد بذلك النفوذ الاخواني للمنطقة العربية بزعامة وقيادة تركيا “حزب العدالة والتنمية” المتمثل في رجب طيب اردوغان واحمد داود اوغلو. كل تلك الافكار والنظريات التي طرحها اوغلو ومعه اردوغان والتي سطرت على الصفحات السبعمئة مجموع صفحات كتاب “العمق الاستراتيجي ودور تركيا على الساحة الدولية” متستخلصا العبر من التاريخ ومن موقع تركيا الجيوسياسي المهم سياسيا واقتصادياً بهدف بسط وتوسيع النفوذ التركي في منطقتنا العربية سقطت امام الحقائق التي بدأت بالتظهير.
تركيا دخلت في مقامرة اسقاط النظام في سوريا مستعملة كل اساليب التخريب والسرقة والارهاب والسلاح وحتى المتاجرة باللاجئين السوريين، لكنها وبعد مرور اكثر من خمس سنوات متتالية، ها هي تجد نفسها في ورطة كبرى لتستقبل الارهاب الذي ارسلته الى الداخل السوري منقلباً للداخل التركي والآتي اعظم.
تركيا دخلت الى الاراضي العراقية لتحتل قسماً منه، ما ادى الى تدهور العلاقات بين البلدين الجارين.
تركيا دخلت في أزمة حادة مع روسيا بعد حادثة اسقاط السوخوي التي كادت ان تؤدي الى نشوب حرب عالمية ثالثة، ونتيجة لذلك الحادث قامت روسيا بحرمان تركيا من عائدات الغاز الروسي وحظرت نشاط الشركات التركية في روسيا ومنعت السياح الروس من زيارة تركيا، ما ادى الى حرمان تركيا من عائدات تفوق 15 مليار دولار سنوياً اضافة الى توتر العلاقات مع روسيا.
تركيا ونتيجة دورها البالغ السوء والرهانات الخاطئة في سوريا اكتسبت خلافا مستحكماً مع ايران، الجار اللدود.
تركيا لم تجد معيناً لها في حربها على الاكراد اكان في الداخل السوري او في الداخل العراقي او في الداخل التركي نفسه وحتى ان اردوغان صرخ باعلى صوته ان الحلفاء الامريكيين خذلونا، اضف الى ذلك عدم وجود رغبه لدى حلف الناتو بدعم تركيا على الرغم من تمتعها بعضوية الحلف.
تركيا تبلغت من فرنسا والمانيا رسالة واضحة مفادها “لا لقبول تركيا عضواً بالاتحاد الاوروبي”.
تركيا تحاول التعويض عن خسارتها بالتقرب من “اسرائيل” عدوة العرب وفلسطين التي يدعي اردوغان الدفاع عنها.
نتيجة ما تقدم؛ فإننا نستطيع القول ان وجهة النظر التركية سقطت أمام الحقائق، فتركيا لم تعد تركيا المعروفة ولا بد من انها ستدفع ثمناً كبيراً عاجلا ام اجلا نتيجة نظريات واستراتيجيات اثبتت عقمها وعدم جدواها.
يبقى السؤال من الذي سيكون كبش الفداء في تركيا؟ رجب طيب اردوغان ام احمد داود اوغلو ام الاثنين معاً؟
وحدها الايام القادمة ستحمل لنا الجواب…
===
اشترك على قناة أخبار تعز للتلغرام وكن أول من يعلم الخبر فور حدوثه
@taizznews
https://telegram.me/taizznews