السعودية تُمهّد للحرب الإسرائيلية.. على لبنان؟ – صحيفة ’السفير’
لم يعد ينقص جامعة الدول العربية، خصوصاً في عهد أمينها العام الجديد أحمد أبو الغيط، سوى أن تتقدم بطلب خطي إلى الحكومة الإسرائيلية تتوسلها فيه أن تشن حرباً بلا هوادة ضد المقاومة في لبنان وفلسطين، بعدما صار المقاومون على هاتين الجبهتين.. «إرهابيين» بامتياز، تبعاً لقرارات وزراء الخارجية والداخلية العرب.
ومن حسن حظ المقاومين في لبنان وفلسطين أن إسرائيل لا تنتظر طلباً أو أمراً من أحد في حروبها منذ نشأتها حتى يومنا هذا. هي تقرر ما يتناسب ومصلحتها الإستراتيجية وتأخذ في الحسبان الظروف الإسرائيلية والإقليمية والدولية.
بهذا المعنى، صار الإسرائيليون يحسبون ألف حساب للحرب، سواء في غزة أو مع لبنان وحتى في جبهة الجولان، وذلك من زاوية قدرة جيشهم على تحقيق «الانتصارات» وعدم تكرار الإخفاقات، خصوصاً في ضوء تجربتي لبنان وغزة.
لكن بين العرب، وتحديداً في جامعة دولهم المتهالكة، من يصرّ على تقديم أوراق الاعتماد المجانية للإسرائيليين، عبر تهيئة المسرح الإقليمي لحرب اذا قررت اسرائيل أن تخوضها لاعتباراتها وليس لاعتبارات أحد غيرها، فإنها ستكون محمية بسقف رسمي عربي يعتبر «حزب الله» المقاوم.. «تنظيماً إرهابياً».
صحيح أن إسرائيل سعيدة جداً بما يجري على أرض سوريا من استنزاف للدولة العربية المركزية التي لطالما كانت ترفض أن تتنازل عن ذرة تراب أو مياه، واحتضنت وما تزال المقاومة اللبنانية منذ لحظة انطلاقتها الأولى قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وهي ـ أي إسرائيل ـ تراقب بسعادة أكبر كيف يزج «حزب الله» بالآلاف من مقاتليه ووحدات النخبة الى المعركة الدائرة منذ سنوات على أرض سوريا في مواجهة المجموعات الإرهابية، لكنها لا تحذف من حساباتها احتمالات الحرب.
ووفق خبراء في الشأن الإسرائيلي، فإن إمكان تدهور الأمور نحو خطر الحرب ممكن ليس بسبب قرار إسرائيلي مسبق بل ربما نتيجة سوء تقدير، وذلك على قاعدة إقدام الاسرائيليين على تنفيذ ضربة عسكرية نوعية (وقائية) بعنوان «منع إدخال أسلحة كاسرة للتوازن» الى لبنان.. وعندها تصبح الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، علماً أن قيادة المقاومة لطالما طمأنت الجمهور اللبناني والعربي العريض الى أنها باتت تملك قدرة ردع تجعل الإسرائيليين يحسبون ألف حساب قبل الإقدام على أي قرار بالحرب أو تنفيذ عملية عسكرية.
وليس خافياً على أحد أن المقاومة لا تكتفي بالتطمينات الشفهية لجمهورها ولا بتمرّس مقاتليها وتراكم خبرتهم الاستراتيجية في الميدان السوري، بل تضع كل الاحتمالات الميدانية، وهذه نقطة يدرك الإسرائيليون معناها بالعين المجردة، خصوصاً أنهم يواظبون منذ سنوات وبوتيرة استثنائية على تكثيف مناوراتهم العسكرية التي تحاكي احتمالات الحرب، وكذلك تحضير جبهتهم الداخلية لحرب ستكون استثنائية بجغرافيتها ومآلاتها.
ولعل المؤسف في القرار الصادر عن وزراء الخارجية العرب، بدفع سعودي ـ إماراتي، أنه يغتال جامعة الدول العربية ويلغي أهداف تأسيسها ونشوئها كراعية لمصالح الشعوب العربية وليس لمن يريدون ممارسة سلطتهم وتتويج أنفسهم ملوكاً على حساب تضحيات المقاومين وبطولاتهم التي جعلت أرض لبنان أول أرض عربية تتحرر بالقوة وليس بالمفاوضات ولا بالاستسلام والذل والهوان.
جامعة عربية كهذه صار من الأفضل لها أن تضم إسرائيل إلى صفوفها، بعدما صارت المكاتب الأمنية التنسيقية موجودة في معظم العواصم الخليجية، وأن تحسم أمر هويتها غير العربية، وبالتالي، لم تعد مسايرة هذا الإطار العربي الرسمي البائد.. سوى مضيعة للوقت ما دامت صيغة «التسيير» لم تعد كافية، وصار المطلوب أن تكون «منصة هجومية» لأولئك الرافضين الإقرار بفشلهم في كل «ميادين» المنطقة، فكان أن قرروا جعل لبنان ومقاومته «فشة خلق».. برغم التحفظ الخجول لا بل المعيب لوزير خارجية لبنان جبران باسيل الذي قرر أن «يكفّر» عن «ذنوبه السابقة» وموقعه «المستقبلي» بأن جعل سقفه أقل مما كان عليه حتى سقف وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي عمّم بياناً بعد اجتماع وزراء الداخلية العرب في تونس أعلن فيه أنه اعترض باسم لبنان على توصيف «حزب الله» بأنه «إرهابي»!
والأنكى في السلوك الانتقامي الفاجر لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي أنهم لم يكتفوا بإلزام باقي نظرائهم العرب (باستثناء لبنان والعراق والجزائر)، بقرارهم اعتبار «حزب الله» منظمة إرهابية، بل قررت كل من السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت أن تنأى بنفسها، عن قرار «التضامن مع لبنان» الذي كانت تقره كل الاجتماعات الدورية لوزراء الخارجية العرب منذ مطلع التسعينيات حتى السنة الماضية.
وتضمّن القرار العربي «تجديد التضامن الكامل مع لبنان وتوفير الدعم السياسي والاقتصادي له ولحكومته بما يحفظ الوحدة الوطنية وأمنه واستقراره وسيادته على كامل أراضيه وتأكيد حق شعبه في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة».
ولم يقتصر الانفعال الخليجي على هذا الموقف، فقد سبقه إقدام الوفد السعودي على الانسحاب لبعض الوقت من الاجتماع الوزاري العربي في القاهرة، احتجاجاً على خطاب وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري الذي رفض وصف «حزب الله» بـ «الإرهابي»، وقال إن «الحشد الشعبي (العراقي) وحزب الله حفظا كرامة العرب، ومن يتهمونهما بالإرهاب هم الإرهابيون».
وأكد وزير خارجية لبنان جبران باسيل أن «لبنان تحفظ عن ذكر حزب الله ووصفه بالإرهابي لأن هذا الأمر غير متوافق مع المعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب، وهو غير مصنف في الأمم المتحدة، و «حزب الله» هو حزب لبناني لديه تمثيل واسع، وهو مكوّن أساسي في لبنان، ويحظى بكتلة نيابية ووزارية وازنة في مؤسساتنا الدستورية»