نتنياهو و«تحالف القلقين»
جعل رئيس الحكومة الإسرائيلية من شعار “تحالف إسرائيل والعرب المعتدلين ضد العدو المشترك”، عنواناً رئيساً لمشروعه السياسي وخاض تحت راياته انتخابات الكنيست الثامن عشر (2009)، وشكل الحكومة الثانية والثلاثين في إسرائيل، وظل منذ ذلك التاريخ، يروّج لهذا الشعار، برغم تعاقب الأحداث وتسارع التطورات في الإقليم بمجمله، وها هو اليوم، وهو على رأس الحكومة الإسرائيلية الحالية، يواصل ما بدأه على نطاق واسع، منذ خمسة أعوام، بل وقبل ذلك بكثير.
العدو المشترك من منظور نتنياهو هو إيران وقنبلتها و”محورها” في المقام الأول والأخير، باعتبار أنها تشكل تهديداً استراتيجياً لأمن “الاعتدال العربي” ووجود إسرائيل، من دون استبعاد مختلف أشكال ومستويات التهديد الأمني المتأتية عن اتساع نفوذ القاعدة وانتشار خطر “الإرهاب” في المنطقة، منذ العراق مروراً بليبيا وانتهاء بسوريا، علماً بأن القاعدة لا تحتل من المنظور الأمني الإسرائيلي مكان الصدارة في لائحة “أخطر المنظمات الإرهابية”، التي يتربع على عرشها حزب الله وحركة حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية.
خلف هذا الشعار، وما ترتبت عليه من سياسات وإجراءات واتصالات، يُطل الهدف الإسرائيلي القديم – الجديد برأسه: استبدال الصراع العربي – الإسرائيلي بوصفه الانقسام الأهم في المنطقة، بصراع ضد “معسكر الشر” المكون من إيران وحلفائها، ينخرط فيه -بنشاط- العرب المعتدلون والإسرائيليون “المتحضرون” بدعم من الغرب وجميع “الأخيار” في العالم، مع كل ما يقتضه ذلك من تعاون أمني وعسكري وسياسي، ومن تحالفات تعقد على هذه الأرضية.
في نيويورك، وبعد انطلاق قطار “التطبيع” في العلاقات الأمريكية – الإيرانية من محطته النيويوركية، وفي ضوء ما لاح في أفق هذه العلاقات من فرص وانفراجات، وسط ترحيب دولي نادر، عاد نتنياهو من جديد للحديث عن “وحدة الموقف والمصلحة والهدف” بين عرب الاعتدال وإسرائيل، في مسعى منه لتأليب “القلقين” من التقارب المتسارع بين طهران وواشنطن على إدارة أوباما، وبناء تحالف إقليمي يقف سدّا في وجه احتمالات خروج إيران من شرنقة العزلة والحصار والعقوبات الدولية.
دعوة نتنياهو سبقتها وأعقبتها، جملة تطورات تدفع على الاعتقاد بأن الرجل أتبع القول بالفعل، وبنى على الشيء مقتضاه، من هذه التطورات على سبيل المثال لا الحصر: (1) توارد أنباء متعددة المصادر عن اتصالات واجتماعات أجراها مسؤولون إسرائيليون مع نظرائهم من بعض دول العربية تمت في إسرائيل وعواصم غربية … (2) شن أوسع حملة تحريض إعلامية في الولايات المتحدة ومن على منبر الأمم المتحدة، لـ”شيطنة” روحاني، وعرقلة التقارب الأمريكي – الإيراني من خلال وضع شروط تعجيزية للتطبيع مع إيران، منها “تدمير” كافة المنشآت النووية الإيرانية ورفض رفع العقوبات عن طهران قبل إتمام أية صفقة والتأكد من الالتزام الإيراني … (3) المبالغة في تصوير حجم التهديد العسكري الإيراني من خلال التركيز على الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى القادرة على ضرب الولايات المتحدة في عقر دارها … (4) الكشف عشية سفر نتنياهو إلى نيويورك عن “الجاسوس الإيراني” الذي ضبط وبحوزته صور للسفارة الأمريكية في إسرائيل، في محاولة للتأكيد على أن إيران ماضية في مخططاتها “الإرهابية” واستهدافها للمصالح الأمريكية في العالم، في “مصادفة” معدة مسبقاً.
أما سيف الابتزاز الأمضى الذي ما انفك رئيس الحكومة الإسرائيلية عن إشهاره، فيتمثل بالتلويح باستعداد إسرائيل منفردة لتنفيذ ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وتوريط الولايات المتحدة (والعالم) بحرب جديدة، لا تريدها ولا تبدو على استعداد لخوضها، وبهدف “تصليب” مواقف المفاوض الأمريكي، إن تعذر إحباط التقارب، ودائماً تحت الضغط والتهديد والابتزاز.
لكن القراءة بعقل بارد، لحالة الاهتياج الإسرائيلية المترتبة على التقارب الأمريكي – الإيراني، تشير إلى محدودية الأثر الذي يمكن أن تتركه على التوجهات العامة للسياسة الأمريكية – الغربية حيال إيران، فالولايات المتحدة ماضية على هذا الطريق، ورسائل التطمين التي لا تكف عن توجيهها لإسرائيل، لن تغير من وجهتها العامة هذه، وإسرائيل أعجز من أن تقوم وحدها بـ”مغامرة” عسكرية ضد إيران من دون ضوء أخضر أمريكي، أما عرب الاعتدال، فهم الخاسرون قبل غيرهم، وأكثر من غيرهم، إن هم قرروا الانضواء تحت لواء “تحالف القلقين”، سيما في مناخات “الصحوات الشعبية” التي تجتاح المنطقة العربية … وسيكتشف نتنياهو -وإن بعد حين- أنه يجذّف عكس التيار، وهذا ما تنبهت إليه على أية حال، مؤسسات بحث ومراكز تفكير استراتيجي في إسرائيل قبل غيرها.
عريب الرنتاوي
المصدر/ وكالات