تعز العز

الحماس السعودي لإرسال قوات برية الى سورية “يبرد” قليلا .. ولماذا يرفض اوباما قيادة قوات التدخل البري السعودي؟ وهل قوات “رعد الشمال” ستكرر خطأ اليمن..؟

 عبد الباري عطوان

اكد العميد احمد العسيري الناطق باسم وزارة الدفاع السعودية ان بلاده باشرت استعداداتها لشن عملية برية في سورية تحت قيادة التحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة، وقال ان موعد العملية لم يتحدد بعد، وهي ما زالت قيد البحث من قبل الخبراء، ولكن يبدو ان تصريحات العميد العسيري حول التدخل البري في سورية، باتت مثل تهديدات زميله السيد عادل الجبير وزير الخارجية التي يكررها ليل نهار، حول ازالة الرئيس بشار الاسد من السلطة سلما او حربا، اي انها “جعجعة بدون طحن”.

الرئيس الامريكي باراك اوباما لا يريد ارسال قوات برية، وخوض حرب كونية في سورية استجابة للمطالب “الثأرية” السعودية، لان الادارة الامريكية تفكر بطريقة متناقضة كليا للطريقة التي تفكر فيها القيادات العربية الحليفة، وعلى رأسها القيادة السعودية، فالحروب لا تخاض من منطلقات انتقامية، او تنفيسا لاحقاد شخصية لهذا الزعيم او ذاك، لان قرار الحرب يؤخذ من اجل المصالح العليا، وبعد موافقة المؤسسات التشريعية والتنفيذية، ودوائر صنع القرار، وليس نتيجة لمزاجية هذا الحليف او ذاك.

***

مارك تونر المتحدث باسم الخارجية الامريكية بادر سريعا اليوم بالرد على تصريحات العميد العسيري هذه، عندما قال انه لا توجد اي خطط لدى الولايات المتحدة لتنفيذ عملية برية في سورية، اي انها لن “تتشرف” بقيادة التحالف السعودي في هذه الحرب التي يقرع طبولها منذ اسبوع العميد العسيري وغيره، ويستنجد بالحليف الامريكي لقيادتها.

مناورات “رعد الشمال” وبرقها، التي جرى الاعلان عنها بقيادة المملكة العربية السعودية بمشاركة قوات من عشر، او حتى مئة دولة، لا تعني ان هذه الدول المشاركة مستعدة لارسال قوات برية الى سورية، وجاءت مشاركتها في المناورات من قبيل “المجاملة” للشقيق السعودي “المأزوم”، لان الدول التي ارسلت قوات الى اليمن لنجدة المملكة العربية السعودية تعض اصابع الندم، بعد تورطها في حرب بلا قاع، وكبدتها خسائر بشرية كبيرة، واحرجتها امام شعوبها، ومن الطبيعي ان تتجنب تكرار هذا الخطأ مرة اخرى في سورية، الاكثر صعوبة وخطورة، “فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين”، ومن ثعابين متعطشين للعض والانتقام بأقوى السموم، واكثرها فتكا.

اي قوات برية سعودية سترسل الى سورية ستقاتل عدوين ينتظرانها على احر من الجمر، والاول هو “الدولة الاسلامية” التي تأتيها هذه الفريسة الى عقر دارها طوعا، وتوفر عليها الذهاب اليها، والثاني الجيش العربي السوري المدعوم روسيا، الذي تؤمن قيادته ايمانا قاطعا بأن المسؤول الاكبر عن تدمير بلادها، وايصالها الى ما وصلت اليه من فوضى دموية هي المملكة العربية السعودية، بدعمها للمعارضة المسلحة بالسلاح والمليارات.

في بداية انطلاق “عاصفة الحزم” كان هناك قطاع عريض من الشعب اليمني يؤيدها بقوة، ويرى فيها بأرقة امل للخروج من حالة الفوضى التي تعيشها بلاده بسبب الاجتياح الحوثي لمؤسسات الدولة، ولكن هذا التأييد بدأ يتبخر تدريجيا حتى اوشك على التلاشي، عندما فشلت هذه العاصفة في “اعادة الامل” الى اليمن، وباتت انجازاتها الابرز هي قصف المستشفيات والمصانع البدائية، ومزارع الابقار والدواجن، وخزانات المياه، وحتى مدينة عدن التي حررتها “العاصفة” لم يصمد فيها قائدا لقواتها الامنية اكثر من ايام قبل ان ينتقل الى دار البقاء، بفعل عملية اغتيال لتنظيم “الدولة الاسلامية”.

السعودية وحلفاؤها في اليمن يقاتلون التحالف “الحوثي الصالحي” الذي يملك اسلحة ومعدات عسكرية تعود الى الحرب العالمية الاولى، اي قبل مئة عام تقريبا، ومع ذلك لم تستعيد تعز ولا الحديدة، ولا حتى كل مأرب، رغم اقتراب حربها من اتمام عامها الاول، فكيف سيكون حالها عندما تواجه طائرات روسية وقوات سورية على الارض من جانب، ومقاتلي “الدولة الاسلامية” من جانب آخر، مضافا الى ذلك ان الاجواء السورية لن تكون صافية مثل اجواء اليمن “تتمخطر” فيها طائرات “عاصفة الحزم” بكل حرية، ودون اي تهديد، فهناك صواريخ روسية من طراز “اس 400″ و”اس 300″، وهي جاهزة لاختبار قدراتها للمرة الاولى، واقتناص الطائرات السعودية دون غيرها باعتبارها “صيد سمين”.

عندما تهدد روسيا بالتصدي لاي قوات برية سعودية، وعندما يتوعدها السيد وليد المعلم، وهو احد الحمائم، وليس “عسيري” سوريا، باعادتها في صناديق (وليس توابيت) خشبية، ويترفع السيد حسن نصر الله امين عام “حزب الله” عن الرد على سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل وتهجماته، ويقول ان عدم دخول القوات البرية السعودية سيكون نصرا اقليميا، ودخولها نصرا على مستوى المنطقة بأسرها، فان على العميد العسيري، ومن يعطيه التعليمات بما يدلي به من تصريحات ان يراجعا نفسيهما، وبسرعة.

***

القيادة السعودية يجب ان تدرس كيفية ايجاد “استراتيجية خروج” من هذه المآزق السياسية والعسكرية التي وجدت نفسها اسيرتها، فلا احد يريد خوض حروبها في سورية او اليمن، ومن يقولون لها انهم مستعدون لذلك، وهم قلة هامشية لم تنتصر في اي حروب خاضتها، ونتعفف عن ذكر الاسماء، يريد ذهب المعز، او ما تبقى منه من فتات، وليس سيفه، هذا اذا لم يكونوا يريدون توريطها في حروب تنفيس عن احقاد دفينة.

عندما تتردد الادارة الامريكية عن ارسال قوات برية الى سورية، ويجدد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تهديده لها بالاختيار بينه وبين الاكراد، وترفض حتى مجرد الرد عليه، ويطرق، اي اردوغان، ابواب تل ابيب طالبا التطبيع الكامل للعلاقات، فان على القيادة السعودية ان تراجع حساباتها، وتدرك انها تراهن على احصنة خاسرة، او هذا ما نعتقد.

رأي اليوم