عام على حكم سلمان: حرب وعجز.. وصراع أجنحة
مرَّ عام واحدٌ فقط على اعتلاء الملك سلمان مقعد الحكم. ربَّما هو سوء طالع أو ربمَّا تكون سياسات متهوّرة هنا وهناك. الأكيد أنَّه العام الأسوأ للمملكة النفطيّة.
«إنجازات» بالجملة لا تنتهي عند حدّ إغراق الأسواق بالنفط، ما دفع إلى هبوط أسعاره، ولا عند العجز القياسيّ الذي سجلته الموازنة السعوديّة، أو خوضها مغامرة، لا أحد يعلم متى تنتهي، في اليمن. السعودية باتت اليوم أمام مفترق طرق، تحاول ما استطاعت لملمة البيت الداخلي المتصدّع.
يمكن القول إنَّ السعودية عملت بجدّ، خلال عام سلمان الأول، على تكريس الفوضى من حولها، سواء في سوريا، العراق، أو اليمن، في رهان مرتبط بالحفاظ على بيت آل سعود الداخليّ. عشرات مليارات الدولارات أُنفقت لدعم حكومات حليفة ومسلحين موالين، وتمويل حربٍ مدمرة ضدّ الشعب اليمني، لا تزال، حتى اليوم، خارج اهتمام المجتمع الدولي.
تريد السعودية أن تثبت أنَّها «تستطيع»، وأنَّها لن تتوانى عن اعتراض كل من يقف في طريقها. هذه الاندفاعة، غير المسبوقة، لا يمكن أن تستمر بهذا الزخم، لكنها متواصلة ـ على الأقلّ في المدى المنظور ـ ما دام احتياطي الصندوق السيادي لم ينفد بعد.
توقّعات المراقبين للسياسة الداخلية السعودية، تشير إلى أنَّه لم يعد أمام الملك سلمان وقت طويل ليسلّم الحكم إلى وريثه، وقد يكون ابنه محمد، الذي يقود البلاد، عملياً.
تميل الصحف ومراكز الأبحاث العالميّة، إلى تقديم بن سلمان على أنَّه الوريث المحتمل لوالده، برغم عدم التركيز على الآلية التي يمكن أن يتسلّم الحكم من خلالها.
كذلك يميل بعض السعوديين إلى الاعتقاد بأنَّ الملك سيعزل، في نهاية المطاف، ولي العهد محمد بن نايف، لمصلحة ابنه. يعزّز تلك الفكرة، الانقلاب الذي حصل في نيسان الماضي، حين أصدر الملك سلسلة أوامر عزل بموجبها مقرن بن عبد العزيز من منصب ولي العهد لينتقل المنصب إلى بن نايف، وعيّن ابنه محمد بن سلمان ولياً لولي العهد.
في تقرير أعدّه الصحافي إيان بلاك من الرياض، لصحيفة الـ «غارديان» البريطانيّة بعنوان «ابن الملك السعودي يقود إصلاحات وحرباً في عام القلق والتغيير»، يصف العام الأول لحكم سلمان بـ «المضطرب»، مشيراً إلى التغييرات التي تركت آثارها على المملكة: الهبوط الحادّ في أسعار النفط، الحرب على اليمن، الميل الأميركي إلى إيران، التوتّرات الطائفيّة، والهمجية الجهادية.
«باتت السعودية أكثر حزماً، أقلّ قدرةً على التنبؤ، وربّما أكثر قلقاً من السابق»، هذا ما يقوله ديبلوماسي سعودي في حديثه إلى الـ «غارديان».
حربٌ مدمّرة.. وانقلاب
عشية السابع والعشرين من آذار من العام الماضي، وبعد شهرين فقط على تسلّم سلمان العرش، قرّرت السعوديّة، بدء حربٍ على اليمن بعنوان: «استعادة الشرعية». لم تكن التوقّعات، حينها، تشير إلى أنَّها قد تقدم على خطوةٍ كتلك. إلّا أنَّها أعلنت بعد منتصف ليل 26 آذار، تشكيل تحالف من عشر دولٍ لمحاربة «أنصار الله» وكل من يحالفها. معظم الدول، طبعاً، لم تكن على علمٍ بذلك التحالف، لعل أبرزها باكستان، التي رفضت في ما بعد الانضمام إلى صفوفه. وما عدا السعودية والإمارات، كانت مشاركة الدول الأخرى، شكليّة أكثر منها عمليّة.
لا حلول في المدى المنظور. هذا ما تؤكّده مجريات الميدان اليمني، الذي لم تستطع السعودية، برغم انتقالها إلى مرحلة الحرب البريّة صيف العام الماضي، تحقيق خرق يذكر فيه، ما عدا في مناطق نفوذ «الشرعية» في الجنوب، حيث باتت في غالبيتها تحت سيطرة «القاعدة» و «داعش»: عدن نموذجاً.
هذه الاندفاعة الجديدة والتفرّد بالقرار، كان مهندسها محمد بن سلمان، وزير الدفاع، بالرغم من قوله في مقابلته الشهيرة مع مجلة «إيكونومست» البريطانيّة، وهو أول حديث مطول له مع الإعلام الأجنبي: «أنا لست مهندس العمليّة العسكريّة في اليمن. نحن بلد مؤسسات»، مؤكداً أنَّ دوره «هو تنفيذ أيّ قرار يأمر به جلالة الملك».
يعتبر سايمون هندرسون من «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» أنَّ الحرب في اليمن «ستقضي على المستقبل المهني للأمير الشاب». ويرى أنَّ «القتال، الذي ما زال على ما يبدو يحظى بتأييد عامة الشعب في المملكة، مكلف جداً من الناحية المادية ويُتوقَّع أن يستمر لمدة طويلة من دون أن يأتي بنتائج واضحة». كما أنَّ «الميزانيات المحدودة الناتجة من انخفاض أسعار النفط والمرتبطة أيضاً بالسياسة النفطية السعوديّة الحالية وبالأمير محمد بن سلمان، قد تحتّم التخلي عن هذا الأخير».
تبعت الشهر الأوّل من الحرب على اليمن، عاصفة تغييرات داخل الحكم، كانت مؤشّراتها قد بدأت تتجلى باكراً بشأن رغبة الملك السعودي في طيّ صفحة أخيه الراحل عبدالله، وهو ما تبدّى في الترتيبات الأولى لانتقال الحكم، وما تلاها بعد ذلك بأيّام من تعيينات عزّزت قبضة السديريين على الحكم.
فجر التاسع والعشرين من نيسان العام 2015، بات الأمير مقرن، رسمياً، خارج الحكم. تسلّم محمد بن نايف ولاية العهد، فيما نُصّب محمد بن سلمان نائباً لولي العهد، عبر سلسلة أوامر ملكيّة متلاحقة. تغييرات لم تقتصر على الصفين الأوّل والثاني في رأس الهرم السعودي، بل شملت مسؤولين من الصفوف الأدنى في جهاز الحكم، حتى صار سلمان آخر ملوك الجيل الأول.
يرى ديبلوماسـيون أنَّ جانـباً أسـاسيّاً من التغيير في العهد يأتي بدفع من محـمد بن سلـمان. فالأمـير الشاب، اكتسب نفوذاً متزايداً، وبـات على رأس مجـلس الشؤون الاقتصادية، ومجلس آخر يشرف على شركة «ارامكو» النفطيّة العملاقة.
عملاق النفط يتهاوى
منطلقاً من فكرة أنَّ «أولئك الذين يعرفون لا يتكلّمون، والذين يتكلّمون لا يعرفون شيئاً»، يتحدّث كينيث بولاك في مقالة لمجلة «فورين بوليسي» بعنوان «خوف وبغضٌ في السعودية»، عن التحوّلات الدراماتيكيّة في سياسة المملكة، إذ يبدو واضحاً، بالنسبة إليه، أنَّ السياسة السعودية لا بدّ أن تُفهم على أنَّها تشابك مصالح داخليّة وخارجية، «والآن يطغى الخوف على تلك المصالح». بالنسبة إلى الأميركيين، تسهل ملاحظة التهديدات الخارجية، مقارنةً بالنزاعات الداخليّة داخل المملكة. ولكن ما يهمّ السعودية هو كيف تؤثّر القضايا الخارجيّة في الظروف الداخليّة التي تعتبرها أكثر تهديداً وإثارةً للخوف.
يضاف إلى سلسلة مخاوفهم، وفق بولاك، عدم استطاعة السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، التحكّم بالسوق النفطيّة. «الأكيد أنَّ هذا الانخفاض في أسعار النفط، يقضي عليهم»، يقول.
موّلت السعودية حروبها، إن كان المباشرة أو غير المباشرة، بعشرات مليارات الدولارات، في اليمن، وسوريا، وحتى في العراق وليبيا، فضلاً عن مساعدات بمليارات الدولارات لمصر والاردن والجزائر والبحرين، لدعم حكومات هذه البلدان. ولكن هذه التكلفة العالية للسياسة الخارجيّة، إلى جانب الانخفاض في عائدات النفط، تجبر السعودية على استخدام 12 إلى 14 مليار دولار شهرياً من صندوقها السيادي، ما سيؤدّي، في حال استمرّت اندفاعتها على هذا المنوال، إلى خسارتها احتياطاتها النقديّة في غضون ثلاث سنوات، وفق بولاك.
وبعد تسجيلها عجزاً في الموازنة بلغ 98 مليار دولار في 2015، وعجزاً متوقّعاً بقيمة 87 ملياراً في 2016، اتّخذت الحكومة السعودية برئاسة الملك، قرارات لخفض الدعم على مواد أساسية واعتماد إصلاحات اقتصاديّة، قد تشكّل الأسس التي تنقل الاقتصاد السعودي نحو تنويع مصادر الدخل، بدلاً من الاعتماد، حصراً، على النفط.
تلى الخطوات تلك، إعلان محمد بن سلمان، فجأةً، نيّة المملكة عرض جزء من شركة «آرامكو» النفطيّة الوطنيّة للاكتتاب العام.
كذلك أصبحت المخاوف الداخلية للسعودية أكثر تعقيداً نتيجة التحوّلات الدوليّة في تحديد الأولويات. على المستوى الإقليمي، هناك تقارب بين الولايات المتحدة وإيران على خلفية الاتفاق النووي، وهو ما يقلق الرياض التي تخشى أن ينتج من ذلك فقدان زعامتها ودورها في المنطقة، خصوصاً أنَّ العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وواشنطن، تمر حالياً بأسوأ أوقاتها، إذ تواجه المملكة صعوبة في التواصل الديبلوماسي مع إدارة أوباما.
يبرز هذا في قول بن سلمان في حديثه إلى الـ «إيكونومست»، انَّ «على الولايات المتحدة أن تدرك أنّها الدولة الأولى في العالم، وعليها التصرف بمقتضى ذلك».
ليست وظيفة مدى الحياة
تكثر التكهّنات بشأن من سيخلف الملك. يقال إنّه لن يكون ابن أخيه محمد بن نايف بل ابنه. لكن «من الصعب التنبؤ كيف ستحدث عمليّة الخلافة هذه، ولكن ولي العهد الذي كان سابقاً من المفضلين لدى الولايات المتحدة، يتعرّض للتهميش المتزايد سواء في السعودية أو في العالم على نطاق أوسع»، وفق هندرسون.
إلا أنَّ هناك صراعاً محموماً داخل أجنحة آل سعود، إن صحّت التقديرات التي تشير إلى أنَّ بعض الأمراء يعتزمون إطاحة الملك، لئلّا يتسلم ابنه محمد بن سلمان الحكم، بحسب تقارير كثيرة نشرت في هذا السياق.
وكانت وسائل إعلام قد تناقلت على نطاق واسع، رسالتين عمّمهما أمير سعودي، كانتا قد دعتا أفراد العائلة المالكة إلى القيام بانقلاب ضدّ الملك سلمان، بينما اعتبرتا أيضاً أنَّ السياسات التي يتبعها ابنه محمد تقود المملكة إلى كارثة سياسيّة واقتصاديّة وعسكريّة.
وبالرغم من أنَّ آلية انتقال الحكم في السعودية تحدّدها المادة الخامسة في النظام الأساسي للحكم، ونظام هيئة البيعة، التي أصدر الملك الراحل عبد الله قراراً بإنشائها، في شهر تشرين الأول من العام 2006، لتتولّى اختيار الملك وولي العهد مستقبلاً، إلّا أنَّ تلك الآليات تم تقويضها حين جرت ترقية محمد بن سلمان لمنصب ولي ولي العهد، وهو ما يعني أن تلك المناصب ليست وظائف لمدى الحياة.
اتفاق بين بن نايف ومتعب؟
في أحدث تغريداته، يقول المغرّد الشهير «مجتهد»، إنَّ هناك اتفاقاً بين ولي العهد محمد بن نايف ووزير الحرس الوطني السعودي متعب بن عبد الله، تعهّد الطرفان فيه بأن يحمي أحدهما الآخر إذا «تجرأ محمد بن سلمان على إقصاء أيّ منهما، وذلك بعدما وصلا إلى قناعة أنّه ينوي ذلك فعلاً».
يضيف «مجتهد» أنَّ بن نايف كان قد راهن على حماية الولايات المتحدة له، إلَّا أنَّه بدأ يشعر بأن الأميركيين، إلى جانب بقيّة الدول الغربيّة، بدأوا بالتعامل مع نائبه محمد بن سلمان «بصفته المسؤول الأوّل كأمر واقع».
واتّفق بن نايف ومتعب بن عبد الله على أن «يستخدم كلّ منهما سلطته ونفوذه لحماية الثاني لو صدر قرار بإبعاده من منصبه وهذا يشمل النفوذ العسكري»، بحسب التغريدات.
ويقول المطلّعون على واقع وزارة الداخلية التي يقودها بن نايف ووزارة الحرس الوطني بقيادة متعب، إنَّ «الضباط والأفراد ليس لديهم استعداد للتحرك ضدّ بن سلمان إذا كان الأمر صادراً من الملك، حتى لو شكلياً».
ويختم «مجتهد» أن «طموح بن سلمان للمُلك حقيقي ومستعجل، ويسعى قطعاً ومن دون شك إلى تجريد بن نايف من صلاحياته ثم مناصبه. لكن متى وكيف؟ هو نفسه لم يحسم أمره بعد».
ملاك حمّود / السفير