الإيمان الواعي بالله هو الأساس، المعرفة الواعية الصحيحة بالله سبحانه وتعالى هي تجعلك تعرف كل شيء بمستواه من الأهمية.
إنها آية خطيرة، تذكِّر بعظم المسئولية، وتثير الجانب العاطفي لمن يتأمل هذه الآية، وكأنه يذكِّر كيف ستكونون، لو كنتم تعرفون مسئوليتكم، وتعرفون كيف تحملونها {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} مثلما نقول: [حمِّيْهَا، كان المؤمل فيها كذا، وكانت، وكانت، و…] لهذا جاءت بالشكل الذي يوحي بان هذه الأمة ستتحسر على ماضيها، عندما ترى أنها فرطت، وضيعت. لم تأت العبارة بلفظ: [أنتم خير أمة أخرجت للناس]. {كُنْتُمْ} يقول المفسرون، معناها: وُجِدتم، بدون لحظ ماضي، وجدتم – هكذا – {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.
ما هو الفارق بين أن يقول: أنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وبين أن يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}؟ فعلاً اخترتم لحمل هذه المسؤولية، وكنتم – مقارنة بالأمم الأخرى – من يؤمل فيهم أن يكونوا بمستوى حمل هذه المسئولية، ولكن ماذا؟ كيف يقول الناس؟ [حمِّيْهَا] أليسوا يقولون هكذا؟ يمسك على لحيته ويقول: والله كنتم المؤمل فيكم، أنتم كنتم المؤمل فيكم، أن تكونوا من تحملون المسئولية، من ترفعون راية الإسلام، من تصلح البشرية على أيديكم، من تقاتلون في سبيل الله حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله في الأرض كلها، ويظهر دينه على الأديان كلها، وتظهر كلمته على الكلمات كلها، ولكن فرطتم، وما زال التفريط، ما زال التفريط منذ أن كان رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) مريضاً إلى اليوم.
يتحرك الدعاة الآن ليلفوا الناس، حول تلك اليد التي مَدت، والتي طلبت أن تُمَد، يد أبي بكر وعمر، عمر هو الذي قال: أمدد يدك، وأبو بكر هو الذي مد يديه، يدين، كم الفرق بينهما: بين يد رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) ويد علي بن أبي طالب عليه السلام يد تَرفَع، ويد تُرفَع؟ ويعمل أولئك الدعاة جاهدين على أن تهبط هذه الأيدي، وتكسر هذه السواعد، ولترفع تلك اليدان [أمدد يدك أبايعك] يد أبي بكر، وعمر، أليس هذا هو ما يعملون له؟
إذاً فالتفريط لا يزال قائماً، التخلي عن المسئولية، الابتعاد عن أن يكونوا بمستوى المسئولية لا يزال قائماً، تلك الـيد التي فرطت هـي نفسها التي لا تزال تقدَّس، وتقبَّل، وتلك الـيد التي رَفعت، وتشير إلى رفعة الأمة – إذا هي التفت إلى حول هذه اليد المرفوعة – هي التي يعمل الدعاة على أن تكون هي اليد التي تُكسر، فما الذي حصل؟ كسروا أنفسهم، وحنوها، وحنوا رقابهم بمقدار ما حنوا من يد رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) ويد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
{وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} نحن نقول في أكثر من محاضرة: الإيمان الواعي بالله هو الأساس، هو الأصل، المعرفة الواعية الصحيحة بالله سبحانه وتعالى هي التي تجعلك تعرف كل شيء بمستواه من الأهمية، وعلى ما هو عليه من الأهمية.
أليس في هذه الآية تعنيف لهذه الأمة، وتأنيب لهذه الأمة؟ بدءاً من أولئك الصحابة، بدءاً من أولئك الذين لو كانوا هم يتذكرون عظم المسئولية لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه نحن، ولما وصلت البشرية كلها إلى ما هي عليه الآن، أن يعمها الفساد من بني إسرائيل، الذين حكى الله عنهم في قوله: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً}.
متى سترتفع هذه الأمة؟ عندما تعمل على رفع يد رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم)، ورفع يد علي عليه السلام من جديد، وإلا ستظل ممددة ما دامت تعمل حول: [أمدد يدك أمدد الأمة من بعدي] أليست هكذا: أمدد يدك نمدد الأمة أنا وأنت من بعدنا؟ وهذا الذي حصل فعلاً، ما هي إلا فترة من الزمن قصيرة وإذا بجيش يزيد بن معاوية يدخل المدينة فيستبيحها، ويرتكب ذلك الجيش أفضع الجرائم داخل بيوت هؤلاء الذين مددوا أيديهم، فمددوا عرضهم، ومددوا عزتهم، وكرامتهم، ومددوا الأمة من بعدهم، ولا يزال هناك إلى الآن العديد من المراكز الإسلامية تعمل، كتَّاب يعملون، صحفيون يعملون، وكل من حاول أن يلفت نظره لفتة اهتمام بهذه الأمة، إنما يتحرك في إطار كيف نسير على سيرة السلف الصالح، ذلك الذي مدد الأمة من أول ما مد يده.
رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) في كل حركة من حركاته يعطي مؤشر هداية للأمة، عندما يرفع يده ويد علي ماذا يعني؟ رفعة الأمة. فوق أقتاب الإبل، ألم تجمع له أقتاب الإبل؟ أنتم يا رعاة الإبل يمكن أن تكونوا أرفع أمة إذا رفعتم هاتين اليدين، ألم يكن العرب هم رعاة الإبل، هم رجال الصحراء؟ وكان الإجتماع للغدير في الصحراء، ومن فوق أقتاب الإبل ترفع يد رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) ويد علي عليه السلام وكأنه يقول: أنتم يا أبنا الصحراء، ويا رعاة الإبل، يمكن إذا رفعتم هاتين اليدين أن ترفعوا، وتكونوا أنتم من يرفع لواء الله، وكلمة الله في الأرض، ومن تكون لكم السيادة على الأمم، لكنهم تخلوا عنها فأصبحوا ولا حتى رعاة إبل، أصبحوا حتى لا يحملون ذلك الإباء الذي كان يحمله البدوي الذي يرعى الإبل، لم يعودوا يحملون تلك الشهامة، وتلك النفوس الرفيعة التي كان يحملها البدوي الذي كان يرعى الإبل، فكان يأبى أن يخضع لكسرى، أو لقيصر، وكان يأبى أن يظلم أبسط الظلم. هبطوا، هبطوا حتى أصبحوا من يصفقون للظالم، من يؤيدون الظالم، من يعنفون من يرفع رأسه بإباء وشرف.
ألـم يصبح هكـذا واقع العرب؟ اهبط، عنـدما تحرك (معمر القذافي) بكلمات، ومواقف، يقولون: مجنون، مجنون أليس كذالك؟ كيفما كان، ألم يأت بكلام هو نفسه كلام ذلك البدوي الذي كان يرعى الإبل، ويجلس في الصحراء، هو نفسه يقلد هذا المظهر حتى هو: الخيمة، والصحراء، وزيُّه البدوي، ويحاول أن يقول لهؤلاء العرب: على أقل تقدير حاولوا أن نحمل تلك النفوس التي كان يحملها البدو من رعاة الإبل، الذين كانوا يعيشون في الصحراء في خيام كهذه؛ قالوا: مجنون، وهذا إرهابي، وهذا مغفل، “وهذا با يكلف علينا، وذا، وذا..”
كلهم أصبحوا يدسون رؤوسهم في التراب، ومن يأتي ليتكلم منهم من جديد، ويحاول أن يضع النقاط على الحروف يقول: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فتعالوا نمشي على سيرة السلف الصالح: أبي بكر وعمر، وصحابة رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم)، ومن جديد يرجع إلى أن يدس رأسه في التراب من جديد.
لا، لا، لن ترفع الأمة رأسها حتى ترفع يد علي عليه السلام ويد رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) حتى {وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}. عندما جاء بهذه الكلمة: {وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} في هـذا المقام؛ لأنكم لن تكونوا جديرين – حتى لو انطلقتم من استشعار المسئولية – أن يكون لأمركم بالمعروف، ونهيكم عن المنكر إيجابية، وأثر حقيقي، ويكون له قيمته، إلا متى كان على هدي الله، والتزام بهدي الله، في كتابه، وعلى لسان رسوله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم)، وفي حركة رسوله، في حركة رسوله، وفي مواقفه، في حياته (صلي الله عليه وعلى آله وسلم).
هكذا يقول القرآن الكريم الذي لم يروا فيه أنه جدير بأن يهدي، وكأنه كتاب قديم، كتاب قديم لا دخل له بشئون الحياة، ولا يعرف كيف يوجه الناس إلى الصراع، ولا يعرف كيف يتحاور كما نتحاور نحن، ولا يعرف كيف يضع أسساً، وقواعد للمفاوضات مع اليهود كما نعمل نحن. إنه يعمل بكل وضوح، وبكل بيان؛ لأنه كتاب مبين، كتاب مبين يعمل على أن يدفع بالناس نحو الانطلاقة على أساس من هداه، فيذكرهم بكل العوامل التي تساعدهم على الانطلاقة والعمل.
التفريط خطورة عظيمة، كأنه يقول: أنا الذي لي ما في السموات، وما في الأرض، وأستطيع أن أغير وأهيئ الأمور، أنتم تتحملون مسئولية عظيمة، تذكروا عظم المسئولية، وتذكروا عظم النعمة عليكم، بأن تكونوا انتم الذين تناط بكم هذه المسئولية، أليست هذه عوامل للدفع على أرقى مستوى؟ من لا يتحرك بعد هذا فإنه جدير إذا كان هناك ما هو أذل له من أن يكون عنقه تحت أقدام اليهود لكان جديراً به، يكون جديراً بالذلة في الدنيا، وجديراً بأن يكون في قعر جهنم في الآخرة؛ نحن العرب لم نجن على أنفسنا فقط، بل جنينا على البشرية كلها، تركناها ضحية لمن يسعون في الأرض فساداً، فكم هو إثم العرب؟ كم هي الجريمة التي ارتكبها العرب؟ أن يكون آلاف الملايين من البشر المساكين، الذين لا يفهمون شيئاً أمام الخبث والمكر اليهودي.
يقول أحد الكتاب عن الأمريكيين، قال: 94 أو 96% من الأمريكيين (العاديين) تحت مستوى درجة الذكاء، فلماذا حركت أمريكا على هذا النحو، وحرك العالم على هذا النحو؟ هو الخبث والمكر اليهودي، هو القدرة اليهودية على التخطيط، والتنفيذ، فلعبوا بالعالم فعلاً، دوخوا حتى النصارى، تلك الشعوب من النصارى دوخوها، وجعلوها تقف معهم، وهم من كانوا يحملون حقداً كبيراً عليهم، وهم من كانوا يتهمونهم بقتل المسيح، وصلبه، يستخرجون قراراً من مرجعية المجتمع النصراني بتبرئة اليهود وساحة اليهود عن قتل السيد المسيح، ففكوا عن أنفسهم عقدة كانت عليهم في قلوب النصارى، ليضمنوا بها أن يشتغلوا من جديد في أوساطهم، فيكونوا هم الرأي الذي يؤيدهم، هم الكلمة التي تؤيدهم، بأموالهم، بأقلامهم، بألسنتهم، بمواقفهم.
خمس عشر مليون يهودي فقط في العالم هذا كله – كما يقولون في الإحصائيات – خمس عشر مليون، أقل من سكان اليمن، هم من يحرك هذا العالم، أقل من سكان اليمن.
? [الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
الدرس الرابع – سورة آل عمران – ص – 5 – 6.
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ:28 شوال 1422هـ الموافق:12/1/202م
اليمن – صعدة.