السعودية؛ تاريخ حافل بالفتاوى … هل من مغيث؟!
يستخدم عدد كبير من المشايخ والدعاة السعوديين مواقع التواصل الاجتماعي كأسلوب جديد لنشر وبث الفتاوى والمواقف والصور والتغريدات، ويبقى السؤال ماهي طبيعة هذه الفتاوى وبمصلحة من تصب وهل حقا فيها خير للأمة الإسلامية وتساهم في لم شمل الشعوب عوضا عن تفرقتها، وما هي نتائجها الفعلية على أرض الواقع؟!
الحقيقة أن فتاوى مشايخ آل سعود بأكثريتها كان لها دور كبير في إطالة أزمات المنطقة وخلقها في بعض الأحيان، خاصة تلك التي تحض على الجهاد في مشارق الأرض ومغاربها دون أهداف واضحة أو فائدة لهذا الشعب أو ذاك، والغريب أن هذه الفتاوى تحمل طابعا ازداوجيا، فهي تحرض على القتال في اليمن وسوريا بالمقابل نجدها صامتة أمام المجازر التي تحدث ضد الأخوة الفلسطينيين بل إن سادة هؤلاء المشايخ يلتقون بقتلة الفلسطينيين في الليل والنهار ويشاركوهم اجتماعاتهم ويسعون للتطبيع معهم.
الشيء الملفت حقا أن مشايخ السعودية الذين خاطبوا اسلاميي الجزائر في تسعينات القرن الماضي محرضين الشعب ضد حكومته، قائلين لهم “ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلّا بالقوة”، هذا الشعار الذي يعود للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والذي استخدمته بما يتناسب مع مصالحها ومصالح داعميها، حيث رفعت هذا الشعار في إطار الدعوة لمحاربة الروس في افغانستان بما يخدم المصالح الأمريكية في إطار الحرب الباردة التي كانت قائمة بين البلدين، هذا الشعار لم تستخدمه السعودية يوما واحدا في فلسطين بالرغم من جميع المجازر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني من قبل العدوان الصهيوني والتي ألهبت قلوب الملايين حول العالم ومع ذلك لم يتحرك للسعودية جفن.
الجزائر
تسببت الفتاوى التي أطلقها مشايخ السعودية والتي حرضت حينها جبهة الانقاذ الاسلامية في الجزائر بخلق فوضى داخل الجزائر وكان بداية لحمام دم طويل الأمد لأن الفتوى طالبت حينها الجبهة بقتال الجيش والدولة الجزائرية باعتبارها دولة كافرة، يجب على الجزائريين محاربتها وإقامة دولة إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية، وبالتالي فإن تلك الفتاوى المحرضة على العنف في الجزائر كان لها يد في مقتل مئات الآلاف من الجزائريين، وتسببت في إطالة عمر الحرب الأهلية إلى أكثر من عشر سنوات.
وفي ذلك الوقت تصاعدت حدة الفتاوى السعودية إلى أن وصلت إلى وزير الأوقاف السعودي آنذاك “صالح آل الشيخ” الذي كفّر الدولة الجزائرية علنا ووصفها بغير المسلمة وأفتى بقتالها.
ولم تكتفي السعودية بالتحريض على محاربة الدولة الجزائرية بل عملت على ضرب اقتصادها وشله من خلال خفض أسعار النفط ما أدى لضرب الاقتصاد الجزائري ودخوله في مرحلة من العجز أثرت كثيرا على معيشة المواطن الجزائري.
الخوف من الاتحاد السوفييتي
عاشت السعودية في ثمانينات القرن الماضي رعب حقيقي، تمثل بخشيتها من محاصرة الاتحاد السوفييتي لها واعتبرت حينها الرياض أن السوفييت يخطط لتطويق أراضيها عبر قوس يمتد من اليمن والصومال وإريتريا، لهذا السبب لم يكن بوسع السعودية سوى اطلاق الفتاوى كعادتها فقامت -وبتشجيع أو توجيه أمريكي- بدورٍ كبيرٍ في تصدير الجهاديين والراغبين في القتال بأفغانستان من مواطنيها وغيرهم من مواطني الدول العربية بتوفير تذاكر سفر وخطوط الطيران الدائم إلى بيشاور وإسلام آباد، كما دفعت هيئات الإغاثة السعودية إلى العمل في بيشاور وأفغانستان لصالح المجاهدين العرب والأفغان.
في تلك المرحلة دعمت السعودية الجهاد في أفغانستان بشكل هستيري، إذ صدر أمرٌ ملكي من الملك”خالد بن عبد العزيز” (بتكليف الأمير حينها -والملك الحالي-) سلمان بن عبد العزيز ” بإنشاء هيئة لدعم وجمع الأموال لصالح الجهاد في أفغانستان، حيث كان سلمان جامع التبرعات الرئيسي للمجاهدين الإسلاميين في أفغانستان في الثمانينيات”.
سوريا واليمن
مع بداية مايسمى “الربيع العربي” ومع دخول هذه الربيع المشؤوم إلى سوريا في العام 2011، سارع مشايخ السعودية لإطلاق فتاوى تحرض الشعب السوري ضد حكومته، وخرجوا حينها بفتاوى تكفيرية تحرض الشباب في السعودية على الذهاب الى سوريا والانضمام الى المجموعات المسلحة، وكان لهذه الفتاوى دور كبير في إطالة عمر الأزمة في سوريا وسفك دماء شعبها، وبعد دخول القوات الروسية إلى سوريا استخدمت السعودية نفس اسلوبها السابق الذي اتبعته في أفغانستان وحرضت عبر فتاوى للجهاد ضد الروس، ونادى 52 أكاديمياً وداعية، بعضهم أعضاء في “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في بيان موقع بأسمائهم نشر عبر أحد المواقع الإلكترونية “القادرين جميعاً من خارج السعودية إلى تلبية نداء الجهاد” في سوريا والقتال إلى جانب الفصائل المتطرفة في سوريا لمواجهة القوات الروسية.
أما في اليمن ومع بداية العدوان الذي شنه التحالف بقيادة السعودية، أصدرت هيئة كبار العلماء السعوديين فتوى أباحت من خلالها دماء ابناء الشعب اليمني المسلم واعتبرت الحرب ضد اليمن “جهادا في سبيل الله” في تكفير صريح لأبناء اليمن، وبحسب وكالة الانباء الألمانية فقد اكدت الهيئة ان قتلى المشاركين في عاصفة الحزم يعتبرون شهداء.
ختاماً، لاتزال السعودية ماضية بفتاويها المحرضة على القتل بالرغم من كل الاتهامات التي تعرضت لها من قبل الغرب والشرق والتي اتهمتها بشكل واضح وصريح بتمويل الإرهاب خاصة بعد هجمات 11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001، حتى جيرانها وحلفائها السابقين لم يسلموا من فتاويها وهنا نقصد دولة قطر التي تم محاصرتها من قبل أصدقائها في مجلس التعاون، وذهبت السعودية إلى أبعد ذلك حيث شرعنة الحصار عبر فتاوى خرج بها مشايخها، وفقي مقابل ذلك نجد أن للسعودية تاريخ حافل بالتطبيع مع “اسرائيل” كما أنها لاتجد حرجا بالمشاركة في منتديات صهيونية كمنتدى “السياسة الاسرائيلية” الذي سيعقد في نيويورك في نهاية الشهر الجاري والذي سيشارك فيه الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية الأمير “تركي الفيصل” والكاتب السعودي “نواف العبيد”.