جنوب اليمن/ الصراع المناطقي تحت سقف «التحالف»
لا يلغي الصراع المناطقي (السياسي والأمني) المحتدم في جنوب اليمن بين محافظتي لحج وأبين من جهة، ومحافظة الضالع من جهة أخرى، استمرار التسوية السعودية الإماراتية التي لا تزال سارية المفعول. ومهما علا صراخ بعض الجنوبيين في وجه بعضهم الآخر، وانفلت الوضع الأمني في بلادهم باتجاه الأسوأ، يبقَ السقف المرسوم من قبل دولتي «التحالف» ممنوع تجاوزه، مهما بلغت حدّة الصراع المناطقي أو الفئوي، بل إن ذلك الصراع يسير وفق برنامج «التحالف» ورعايته.
ويبدو أن التسوية السياسية التي فرضت على الأطراف اقتضت إبعاد محافظ عدن الحالي عبد العزيز المفلحي عن مزاولة عمله في المحافظة، فعمد إلى التنقل بين الرياض والقاهرة وبيروت. وكذلك، فرضت الإبعاد الطوعي لمحافظ عدن السابق ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، الذي يُمضي معظم وقته في أبو ظبي من دون أن يلحظ عليه ممارسة أي نشاط سياسي أو في إدارة المجلس الانتقالي. وإن عاد عيدروس إلى عدن في فعالية «14 أكتوبر»، فهي عودة مؤقتة وتنتهي بانتهاء الفعالية.
وفيما تظهر الازدواجية في إدارة الإمارات للجنوب اليمني، لكن الحقيقة غير ذلك، إذ اقتضت التسوية بين الرياض وأبو ظبي منع الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، من العودة إلى عدن لممارسة مهماته بسبب الفيتو الإماراتي عليه. إلا أن الأخيرة وافقت على توفير ملاذ آمن لرئيس الحكومة أحمد بن دغر، المحسوب على هادي، وتوفير الحماية الأمنية له ولأعضاء حكومته غير المحسوبين على حزب «الإصلاح» الإخواني في المحافظات الجنوبية من قبل الأجهزة المحسوبة على الإمارات. بن دغر لم يترك مناسبة إلا استغلها في جولاته، التي تتكرّر بنحو شبه يومي على مناطق الجنوب، وأطلق خلالها التصريحات والمواقف التي تنسجم مع البرنامج السياسي لرئيسه عبد ربه منصور هادي، حتى لو خالف ذلك قضية الجنوب الخاصة، ولا سيما الفئة التي تطالب بالانفصال. ولا يعبأ بن دغر بالحملات الإعلامية التي تطاوله من قبل المحسوبين على الإمارات، وتفيد المعلومات بأن علاقة خاصة تجمعه مع نائب رئيس دولة الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يشغل منصب رئيس مجلس الوزراء في الدولة الإماراتية وحاكم إمارة دبي، وقد أتاحت له مساحة معيّنة للتحرك وبحدود الرضا الإماراتي.
ولا تُعَدّ مواقف بن دغر الوحدوية مخالفة للمواقف الإماراتية، مع الإشارة إلى أن الأخيرة لم تقلع عن موقفها الرافض لانفصال الجنوب اليمني، أقلّه في العلن، وقد عبّرت عن ذلك في مواقف رسمية متعددة. كذلك إن ملفاً كبيراً كملف شكل الحكم في اليمن، من اختصاص الرياض وحدها، ومن الطبيعي أن تنسجم الرغبة الإماراتية مع الرغبة السعودية الرافضة للانفصال مطلقاً. ولكن اللافت أيضاً أن بن دغر قد يبدو مناقضاً لسياسة أبو ظبي عندما يتحدّث عن دمج الوحدات العسكرية في المحافظات المسمّاة محرّرة، في إطار مؤسسة عسكرية ذات طابع وطني واحد في اليمن الكبير، مشيراً إلى أن بقاء هذه الوحدات على النمط القائم اليوم يمثل خطراً على أمن البلاد يجب التصدي له. وقد فُهم كلامه أنه موجّه إلى الإمارات المتهمة ببناء الأجهزة الأمنية المناطقية، من قبيل «الحزام الأمني» و«النخبة الحضرمية» و«النخبة الشبوانية». وعندما يتحدث بن دغر عن الدمج، فإنما المقصود بذلك ضمّ تلك القوى المتفرّقة إلى قوى عسكرية رسمية موحدة، غير أن أبو ظبي تدرك أنّ من المبكر الحديث عن دمج القوى المسلّحة لوجود الكثير من العوائق السياسية والأمنية والاستراتيجية لا تزال تعرقل تنفيذ عملية الدمج.
من جهته، ينظر المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تنامي علاقة بن دغر بالحكومة الإماراتية بعدم الارتياح، خصوصاً أن المجلس المذكور يشهد حالة من التراجع والانكفاء على المستوى السياسي، وكل المؤشرات تؤكد تراجع التأييد الشعبي له، وإن حاولت بعض الجهات تلميع صورته من خلال القيام باستطلاعات رأي، تُظهر حضوره الشعبي. وتشنّ المكوّنات والنخب الجنوبية حملة إعلامية قاسية على المجلس، تتهمه بالتزامه الكامل للأجندة الإماراتية على حساب القضية الجنوبية، وتتهمه أيضاً بالتفرقة المناطقية لمصلحة محافظة الضالع التي ينتمي إليها رئيس المجلس عيدروس الزبيدي، وكذلك رئيس أمن عدن شلال شايع. وقد شهدت الأيام القليلة الماضية قيام مجاميع تابعة لقبيلة يافع اللحجية بالسيطرة على العديد من مديريات عدن، على خلفية عملية قتل أحد كوادرها على أحد حواجز الأجهزة الأمنية في عدن التي تأتمر بأوامر من شلال.
وفيما يتحرك بن دغر بهامش مقبول، لا يزال الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، محروماً العودة إلى عدن وممارسة نشاطه السياسي فيها، من قبل دولة الإمارات. وكانت معلومات متطابقة أكدت سابقاً أن الرجل يخضع للإقامة الجبرية في الرياض، وهي معلومات أخذت طابعاً جدياً عندما ألغيت رحلة هادي وعدد من المسؤولين في مطار «الملك خالد» في الرياض، التي كان مقرر لها أن تتّجه إلى عدن لـ«صلاة عيد الأضحى». وقد أظهرت وسائل إعلام يمنية صوراً لهادي والخيبة بادية على وجهه، وهو عائد من المطار.