السيدة زينب … تغييب تاريخي وحضور روحي
يتسأءل كثير من الناس ما الذي غير المرأة اليمنية ؟ حيث كانت المرأة اليمنية المعاصرة إلى قبل سنوات قليلة ليس لها أي دور يذكر رغم أن تاريخ المرأة اليمنية حافل بالأمثلة العظيمة التي تجعل من المرأة اليمنية وبكل فخر هي المرأة الحاملة لراية نساء أهل البيت في عصرها وبلا منافس وليس من باب التعصب كوني امرأة أو ما شابه هذا . فأنا أعلم علم اليقين وأؤمن أن هناك عظيمات من غير اليمنيات وهناك من حملن راية نساء أهل البيت وتحملن المسؤلية وتفوقن بامتياز ولكني أحدد هنا وأخص المرأة اليمنية لأن اليمن في العقود الأخيرة تعرض لثقافة تجهيلية متعمدة وتغييب كبير لتأريخ نساء أهل البيت العظيمات فمنهن الأديبات والشاعرات والعالمات ولكن للأسف الثقافة الدخيلة على الثقافة الأصيلة جعلت من كل شيئ بالنسبة للمرأة محرما متجاهلين التأريخ الذي تحدث عن أعظم النساء علما وأدبا وثقافة وشعرا وكنَ وبلا فخر من اليمن.
قد يكون التأريخ لم ينصف المرأة اليمنية العالمة والسياسية والاجتماعية ولكن الذي لم ينصفها أكثر هم القائمون على المناهج وعلى دُور العلم ومن يتحكمون في مراكز صنع القرار لا أعرف لماذا غُيبت عنًا الشريفة »الدهماء بنت يحيى المرتضى« المرأة العالمة والفقيهة والتي لا تزال مآثرها إلى يومنا هذا ؟ عندما تتحدث عنها تجد الأغلبية يجهلونها ويجهلون تاريخها ؟ وهي تعتبر امرأة يمنية عظيمة ولها دورها البارز من الناحية العلمية .
أيضا نمتلك نماذج أخرى مشرفة من اليمنيات اللواتي ظلمهن التاريخ والقائمون عليه؛ فمثلاُ لدينا »زينب الشهارية« العالمة والشاعرة والتي كان لها صوت قوي وبصمات في تأريخ الأدب، وكذلك »شمس الحور المتوكل« و»فاطمة بنت عبدالله ابن الإمام المتوكل« و و و وأمثلة كثيرة نجد الأغلبية يجهلونهن حتى وإن كانوا محسوبين من الفئة المثقفة.
لا أعرف كيف تسربت للمجتمع ثقافة أن المرأة عليها أن تجلس في البيت وتكتفي وأن عليها أن لا تتحدث ولا تكتب ولا تعبر وأن صوتها عورة وأنها كلها مكلف وأنه عيب أسود أن تبدي رأيها في أمر ما في محضر وجود رجال أو ما شابه ذلك بحجة أنها ناقصة عقل ودين وإلى آخر تلك الثقافات المغلوطة التي استنقصت من حق المرأة وقلَلت من شأنها؟ وهي ثقافات بعيدة كل البعد عن الدين الحنيف الذي فهمته السيدة »فاطمة الزهراء« عليها السلام سيدة نساء العالمين وقامت بدورها المنوط بها وهو عدم السكوت عن الحق وخرجت لتختطب في محضر المهاجرين والأنصار وهي بكامل حشمتها وعفتها ولكن أرادت أن توصل رسالة أن واجب المرأة أن تكون قوية لا تصمت عن الظلم بحجة أنها امرأة وكذلك بالنسبة للسيدة »زينب الحوراء« ابنة الزهراء عليها السلام وابنة الإمام علي أمير المؤمنين ماذا فعلت ؟ خطبت خطبة عظيمة وهي في محضر يزيد اللعين ولايزال صدى خطبتها يتردد إلى يومنا هذا ؟ هل صمتت السيدة زينب وقالت أنا أمرأة وليس علي أن أتحدث بين الرجال وأن صوت المرأة عورة ؟؟
لماذا الإمام الحسين عليه السلام اصطحب معه السيدة زينب وأهله إلى كربلاء رغم أنه كان يظن أنه سيلقى الله هناك ويرتقي شهيدا؟!!!
من الذي نقل أحداث ووقائع كربلاء وصور مشاهدها ووصفها لنا رغم أن كل من كان مع الإمام الحسين من أهله وأصحابه استشهدوا ؟
في الحقيقة أن كل تلك الموروثات والعادات والتقاليد التي تحقر من شأن المرأة وتقيدها والتي جاءت باسم الدين الإسلامي ولم تسلم منها حتى بعض كتب الزيدية ليست من الدين في شيئ فلن نكون أفهم للإسلام من سيدة نساء العالمين وابنتها الحوراء سلام ربي عليهما وقد تكلم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي في محاضرة الدرس الثاني من سورة آل عمران أننا أصبحنا في أحط مستويات الوعي وتكلم في الدرس الثالث من دروس آل عمران أن الزيدية من داخلهم متفرقون ومختلفون.. وأنا أرى في كلام الشهيد القائد دليلا أن بعض الثقافات دخلت على الزيدية وهي ليست منها وأعود للنقطة التي بدأت منها حديثي وهي مالذي غير المرأة اليمنية وجعل منها أسطورة في الشجاعة والعطاء والتضحية ؟ وقد برز دور المرأة اليمنية منذ ثورة 21 من سبتمبر ومروراً بإعلان العدوان على اليمن وحتى يومنا هذا ومثلما أسلفت من ذكر السيدة فاطمة والسيدة زينب بطلة كربلاء فهنا يكمن السر؛ فبالنسبة لأهل اليمن بشكل عام رجالاً ونساءً معروف عنهم ارتباطهم بالإمام علي عليه السلام فمن البديهي أن نساء هذا الشعب مرتبطات بزوجة الإمام علي وابنته وكل السائرات على دربه هناك أمثلة كثيرة وصور بديعة من الصمود والقوة رسمتها وسجلتها المرأة اليمنية وأثبتت حضورها في الجانب السياسي والاجتماعي والثقافي ولا شك أن للثقافة القرآنية التي أسسها الشهيد القائد دور في الانتفاض على كل الثقافات المغلوطة التي كانت تقلل من شأن المرأة وتحقرها وتؤطر دورها حيث أعادنا إلى التوسط والاعتدال وصحح بعض الأفكار التي كانت دخيلة على الزيدية التي عرفت بأنها المذهب الأقرب لكتاب الله حيث لا إفراط ولا تفريط ولا مغالاة ولا ابتعاد عن الأعلام الهداة فقد رأينا من أمهات الشهداء اليمنيات من قدمت أربعة شهداء وهي لا تزال تصرح بأنها تشعر بالتقصير أمام الله سبحانه وتعالى ورأينا مئات من النساء يستقبلن الجثامين الطاهرة بالزغاريد وبالورود ويودعهن فلذات أكبادهن مهنئات ومغتبطات، رأينا المرأة التي لم يمضِ على زواجها سوى أيام أو أسابيع وقد تحولت إلى أرملة شهيد وهي تنذر حياتها وحياة ابنها الذي لا يزال في أحشائها في سبيل الله وإكمالا للطريق التي إختارها شهيدها.
رأيت بأم عيني نموذجاً لأم قدمت اثنين من فلذات أكبادها شهداء وسارعت بزيارتها وأنا في حالة حزينة من جراء استشعاري بشعور تلك الأم العظيمة والتي فاجأتني بثباتها وهي تقول: لي لا تقلقي علي فأنا أشعر بأن قلبي هذه ( وأشارت الى قارورة الماء البارد التي كانت بيدها ).
فبدلا من أن أواسيها خرجت من عندها وأنا في حالة إعتزاز وصمود وهي من أمدتني بقوة وهي من واستني وليس العكس وغيرها أمثلة كثيرة من الواقع لا مجال لحصرها وتعدادها في هذا المقال الصغير.
الله ما أعظم المرأة اليمنية التي هي أحنّ امرأة على فلذات أكبادها ولكن قوة إيمانها بقضيتها جعلها تبذل وتقدم وهي واثقة أن الله لا يضيع أجر العاملين ذكوراً كانوا أم إناثا فكانت مواقف المرأة اليمنية تجسيدا وأمثلة حيةٌ وحاضرة لوجود السيدة زينب روحياً ومعنوياً بين نساء اليمن حتى وإن عمل الأعداء جاهدين على تغييبها من التأريخ وتغييب دورها الريادي في الوقوف إلى جانب أخيها الإمام الحسين عليه السلام في ثورته ضد الطغاة والمستكبرين .
وهناك الكثير ممن نبغن في تاريخ اليمن القديم والحديث كانت قدوتهن السيدة زينب ومن هنا جاء لقب »الزينبيات« نسبة إلى زينب بنت الإمام علي عليه السلام فمن هي زينب الحوراء وما هي مكانتها عند أبيها؟
لم تحض السيدة زينب بهذه المنزلة الرفيعة لمجرد أنها كانت ابنة الإمام وأخت الأئمة وبنت سيدة نساء العالمين هذا غير صحيح فما جعل السيدة زينب جديرة بأن تكون مثالاً وقدوة وتأريخاً يحتذى به هو ما امتلكته من فضائل جمة في شخصها حيث ذكر أهلُ السِّيَر أنّ العقيلة زينب عليها السّلام كان لها مجلس خاصّ لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء، وليس هذا بمُستكثَر عليها، فقد نزل القرآن في بيتها، وأهلُ البيت أدرى بالذي فيه، وخليقٌ بامرأةٍ عاشت في ظِلال أصحاب الكساء وتأدّبت بآدابهم وتعلّمت من علومهم أن تحظى بهذه المنزلة السامية والمرتبة الرفيعة.
ذكر السيّد نور الله الجزائري في كتاب « الخصائص الزينبيّة » أنّ السيّدة زينب عليها السّلام كان لها مجالس في بيتها في الكوفة أيّام خلافة أبيها أمير المؤمنين عليه السّلام، وكانت تفسّر القرآن للنساء.
فمهما كاد الكائدون ومهما حاول علماء السلاطين من محو لأثار أهل البيت ومحو لذكرهم فسيظل ذكرهم خالداً أبدا ما بقي الليل والنهار لأن في ذكر سيرهم دروساً يستفيد منها كل أحرار العالم سواء كان المنتهلون من منهلهم رجالا أو نساء وسواء كان الأعلام الهداة الذين يؤخذ عنهم رجالاً أو نساءً ففي تاريخ أهل البيت رجالهم ونساءهم ماهو كفيل بأن يصنع زينبيات في عصرنا وحسينيين وهذا ما تجسد في واقع المرأة اليمنية والرجل اليمني فثباتهم في وجه العدوان طوال هذه المدة أجبر علماء النفس وعلماء الإجتماع أن يبحثوا في تاريخ هؤلاء وفي فلسفتهم وثقافتهم فكان السر هو ارتباطهم بأعلام أهل البيت عليهم السلام.