المشهد اليمني .. قوة اليمن وحدها تكسر العدوان!
عندما ارتقينا بأدياننا ومذاهبنا لمُقاربة فكر الإمام الحُسين عليه السلام، استعرضنا من وجهة نظر مستشرقين ورجال فكرٍ ليسوا على دينه ومذهبه، الحاجة الأُمميَّة، لإستيلاد روحية ثورته المستدامة في كلِّ أرضٍ يسكنها الظلم، سيما وأن قراءتنا لشهادته تتطوَّر بإطِّراد منذ بضع سنوات، مع التطورات المأساوية في هذا المشرق العربي، وبتنا بحاجة لأن ننهل من التاريخ الإنساني للثورة الحُسينية، ما يُمكن أن نواجه به الثورات الزائفة، في عالمٍ تحكُمه غريزة الشرّ ورفض الآخر، وتكفيره وتهجيره والتنكيل به سحلاً وقتلاً، في فورةٍ من فقدان العقل والضمير والأخلاق الإنسانية، وضياع المرجعية المركزية لجماعات يُحرِّكها منطق عديم الرؤية، وعَبَث مُتفلِّت من كل الضوابط البديهية لإدارة مجتمعات باتت مسحوقة، وقوانينها الوضعية سقطت تحت أقدام مماليك العصر، واجتهاداتها الدينية مُسخَّرة لخدمة العروش في ممالك الطغيان.
ليس هؤلاء القادمون من دياناتهم التي يعتنقون، سواء كانوا مسيحيين أو بوذيين او يهوداً، يبحثون في ديانة ومذهب الحُسين عن كُنهِ الفقه والشريعة، بقدر ما اجتهدوا في حيثية استنباط الثورة الإنسانية من قِيَم دينية، ومن ثقافة أحفاد الحُسين، وكيفية أن يكون الدين أساساً ومنطلقاً لبناء الأحكام المدنية العادلة، وإطلاق منهجية عمل نضالي في ساحات المواجهة دفاعاً عن المجموعات والأفراد، وصولاً الى الذوبان في العطاء النازف حتى الشهادة.
من آلاف الأقوال المُعاصرة التي كُتِبت في الحُسين، نقتطف ثلاثة تواكب مآسي واقعنا الحالي:
ننقل عن الزعيم غاندي قوله: “دقَّقت النظر في صفحات كربلاء، واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحُسين،…تعلمت من الحُسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر”.
وعن الكاتب الأسكتلندي توماس كارلايل قوله: “أسمى درس نتعلمه من مأساة كربلاء، هو أن الحُسين وأنصاره كان لهم إيمان راسخ بالله، والذي أثار دهشتي هو انتصار الحُسين رغم قلة الفئة التي كانت معه”.
وعن الشاعر الألماني البارز غوته قوله: “إن مأساة الحُسين، هي مأساة للضمير الإنساني كله، لأنه جسَّد الضمير بدفاعه عن القيم الإنسانية الرفيعة”.
وإذا كانت عقولنا أحياناً قاصرة عن فهم فلسفة هذه الثورة من مصادرها، فهل نحن عاجزون عن قراءة “غاندي” و “كارلايل” و”غوته” وسط معركة وجود مع أعداء الله والإنسان، الذين يُطيحون منذ سنوات بحدود البلدان والأوطان بشراً وحجراً وحضارة ؟!..
في قول “غاندي”، دعوة الى النضال ضدّ الظلم، وليس من السهل إطلاقاً تعميم ثقافة الوعي على الحقوق والكرامات، ما لم تنتقل ثقافة الشعور بالظلم الى سائر شرائح المجتمع تمهيداً لإستنهاضه، والمجتمع العربي يُعاني رغم المظالم من فقدان هذا الشعور، أو أنه مكبوتٌ ومقموع، سواء عبر الأنظمة كتلك السائدة في دول الخليج، أو تمزيقه الى أحزاب وقوى سياسية كما في فلسطين وبعض الدول العربية، أو عبر إلهائه وإشغاله بمشاكل حياتية تجعل الحقوق السياسية ليست بذات أولوية لدى الكثير من شعوب بلدان العالم الثالث.
وفي قول “كارلايل”، فإن الإيمان هو أساس كل ثورة حقّ، وأنه عديد وعتاد هذه الثورة، التي لا تعتمد بالضرورة على الوفرة البشرية والمادية في بداياتها، وتتطوَّر وتُحقق الإنتصارات لأنها تمتلك ثقافة ووعي حقوقها، وتحقق الإنتصارات المُعجزات كما حصل ويحصل ضمن مدرسة المقاومة في لبنان.
وفي قول “غوته”، أن “الحُسين جسَّد الضمير بدفاعه عن القيم الإنسانية الرفيعة”، ننطلق من سوريا الى العراق وصولاً الى اليمن، ونرصُد ملايين الضحايا من كل الطوائف والمذاهب والأعراق، الذين قضوا قتلاً وسحلاُ وتنكيلاً، وآلاف القرى والبلدات التي طُمِسَت معالمها تدميراً وتهجيراً، وننتهي في جولةٍ تُدمي القلب على الأطلال الأثرية والحضارية، الدينية منها والمدنية، في أفظع جرائم العصر على مدى سبع سنوات، ونستحضر فكر الحُسين لمواجهة هذا الظلم المُتمادي، ونقول: ليت الحُسين يتكرر في كل زمانٍ ومكان على امتداد كل الأديان، لأنه واجب الوجود والحضور في العقول والقلوب والضمائر، طالما على الأرض ظُلمٌ وظَلَمة وكربلاء شهادة، عسى هذا العالم يغدو أكثر أماناُ، والسلام على الحُسين في عاشورائه وذكرى شهادته…