الجمهورية وصراخ النواعي
من مفارقات التاريخ وعجائبه أن السعودية التي لم تدخر جهداً ولم تترك متاحاً إلا واستغلته في حربها ضد الثورة السبتمبرية بعد اندلاعها مطلع الستينيات، واستمرت توجه الضربات القاتلة للصف الجمهوري، وتفرغ الجمهورية من مضامينها الوطنية والثورية من خلال أدواتها وعملائها المنضوين في اللجنة الخاصة التي مثلت، وعلى مدى عقود من الزمن، أبشع تدخل سافر في الشأن اليمني، وإسقاط كل مشاريع بناء الدولة وتحقيق الاستقرار، واليوم تبدي خوفها الشديد على الجمهورية السبتمبرية، وأنها معنية بحمايتها ووصية عليها، وذهب عملائها أيضاً يبدون خوفهم مما يزعمون أنها أخطار تحدق بالجمهورية وبثورة سبتمبر الخالدة، متناسين أن للتاريخ ذاكرة لاتمحى، وأن شواهده حول الثورة السبتمبرية وما جرى لها من إجهاض وتجريف لازالت قائمة، ويعرفها الجميع، فانقلاب نوفمبر عام ١٩٦٧ مثل إطاحة تامة بمبادئ وأهداف ثورة سبتمبر، والمصالحة التي جرت عام ١٩٧٠ برعاية السعودية أجهضت الجمهورية وأفرغتها من معانيها ومحتواها السبتمبري، ومن بعد ذلك أصبحت الجمهورية مجرد ألوان على قماش العلم الجمهوري، وأصبحت مجرد ذكرى لاتتجسد إلا باحتفالات كرنفالية ونشيد وطني لا أكثر، فقد حل محل الإمام مملكات وكيانات مشيخية تجاوزت بظلاميتها وفسادها ما صنعه النظام الإمامي بمسافات ضوئية شاسعة، ولم تستطع حركة ١٣ يونيو التصحيحية أن تمد وشائج الوصل بينها وبين ثورة سبتمبر، وأن تتجاوز انقلاب نوفمبر ومصالحة عام ١٩٧٠، كحركة أراد قائدها إعادة روح الثورة لجسد الجمهورية الذاوي، رغم أنها كما قال البردوني في كتابه (اليمن الجمهوري) أقصت أركان سبتمبر ونوفمبر معاً، فالسبتمبريون أحرقهم التصالح، والنوفمبريون أحرقتهم المصالح، ولم يحرق الحمدي إلا محروقين سلفاً)، وكذلك ثورة ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ لم تحرق إلا محروقين سلفاً، فالجمهوريون الذين سرحوا الألوية العسكرية التي تأسست كقوة حاملة لمبادئ سبتمبر ومدافعة عنها، لا يمكن أن يثق أحد بأنهم حملة أهداف سبتمبر وحماة للجمهورية. إن الذين حولوا الجمهورية الى مجرد نظام يحقق مصالحهم الفردية، لتتحول الجمهورية إلى شركات تجارية وإقطاعات زراعية مملوكة لهم، لا يمثلون الجمهورية التي تقاطر أبناء اليمن من كل المدن والقرى لتأييدها والدفاع عنها، وحرموا من ثمارها، ولم يستطع أحدهم أن يلتحق بكلية عسكرية إلا بتوصية من شيخ الجمهورية ومالكها الحصري الشيخ الأحمر، أو بموافقة من حزبه (حركة الإخوان). إن الذين سرحوا الوحدات والألوية العسكرية السبتمبرية، واستبدلوها بألوية بالمعية، لن يصدق أحد أنهم حماة الثورة والجمهورية، وليسوا سوى امتداد لنظام الإمامة وأكثر سوءاً منه.
لقد ولدت صنعاء بسبتمبر كي تلقى الموت بنوفمبر، كما قال البردوني في قصيدة (صنعاء الموت والميلاد)، السعودية قاتلت الثورة من أجل استرجاع نظام إمامي زيدي، وهي الوهابية المعادية للمذهب الزيدي، ولم توقف حربها ضد الثورة إلا بعدما ضمنت سيطرتها على قرار الجمهورية المسماة سبتمبرية.
إن التاريخ المدون بحاجة لمراجعة محايدة، وبعيداً عن الضغائن السياسية والعواطف التي تتأثر بمجرد أن يلامسها شعار ثوري أو نشيد حماسي.
ثورة سبتمبر مكنت الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر من الاستيلاء على الدولة وخراج تضحيات الشهداء، وما تسمى ثورة فبراير منحت شركات أبنائه إعفاءات ضريبية بلغت مليارات الريالات.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه.
✍ عبده سعيد قاسم