نص خطاب السيد عبدالملك الحوثي بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية والذكرى الـ3 لثورة 21 سبتمبر
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــداً عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ، شعبَنا اليمني المسلم العزيز.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
ونتوجَّهُ بالتبريك والتهاني لشعبنا العزيز ولكافة أمتنا الإسْلَامية، بمناسبة قدوم العام الهجري الجديد، كما نتوجَّهُ إلى شعبنا أيضاً بالتبريك والتهاني بمناسبة حلول ذكرى الحادي والعشرين من سبتمبر، الثورة المجيدة التي أعادت الاعتبارَ والكرامة لشعبنا اليمني.
في هذا العام تزامن كُلّ من الذكرى للهجرة النبوية وكذلك ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، وهذا التزامن يمكن أن نستفيدَ منه في مواجَهة التحديات التي يواجهها شعبنا وهو يتصدى لهذا العدوان الظالم، من قبل القوى المستكبرة، الطاغية في الأرض، المفسدة في الأرض.
الهجرةُ النبوية وما تحمله من دلالات
الهجرة النبوية حدثٌ عظيمٌ على مستوى العالم بأسره، وكان اختيارُها للتأريخ الإسْلَامي لما ترتب عليها من نتائجَ ولما تحمله من دلالات مهمة.
الهجرة النبوية كانت ميلاداً لكيان الأُمَّـة الإسْلَامية، وكانت نقلةً جديدةً في تأريخ الإنْسَانية، وكانت بدايةً لمرحلة جديدة؛ بفعل هذه الهجرة التي تأسس من خلالها الكيان الإسْلَامي العظيم، الهجرة تحمل دلالاتٍ مهمة فيما يتعلق بالنبي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيِهِ وَعَلَى آلِهِ، وحركته في إقامة رسالة الله في الأرض، فيما يتعلق أيضاً في المجتمع المكي، فيما يتعلق أيضاً بالكيان الإسْلَامي والأمة الإسْلَامية والدولة الإسْلَامية.
واليوم وأمَّتُنا تواجهُ ما تواجهه من التحديات وفي مقدمتها شعبنا اليمني نحن في أمس الحاجة للاستفادة من تلك الدلالات، ومن تلك الدروس، نحن في أمس الحاجة للتزوُّد من هذه المحطة التأريخية الكبرى، نحن أمة رسول الله محمد صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيِهِ وَعَلَى آلِهِ، نحن أمّة الإسْلَام، نحن أمة القرآن، الإسْلَام كمنظومة من القيم والمبادئ المقدسة الإلهية، التي نؤمنُ بها وندينُ بها ونعتنقُها ونعتقد بها، نحن في أمسِّ الحاجة إلى العودة إليها، بقدر ما وجدنا وما عرفنا من أثرها العظيم في تلك المرحلة التأريخية، التي بزغ فيها فجر الإسْلَام، والتي كان فيها ميلادُ الأُمَّـة، وميلاد كيان الأُمَّـة الإسْلَامية، كيف كان ذلك الأثر العظيم، الذي غيّر وجهَ العالم بأسره، واستأنفت به البشرية مرحلةً مستجدةً عن ماضيها، وعن ظروفها التي كانت تعيشها، الواقع اليوم الذي تعيشه أمتنا بكلها بكل ما فيه من مآسيَ وويلاتٍ ونكباتٍ ومحنٍ وفتن وحروب، بكل ما فيه من مشاكلَ وأزماتٍ، بكل ما فيه من خلافاتٍ وصراعات وتباينات، بكل ما قد حدث فيه؛ نتيجة التراجع الكبير في الواقع البشري عن قيم الأنبياء، وعن المبادئ والتعليمات الإلهية التي أتي بها رُسُلُ الله وخاتمهم محمد صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيِهِ وَعَلَى آلِهِ الطاهرين.
الجميعُ اليومَ بحاجة إلى الاستذكار وإلى الاعتبار، وإلى الرجوع الجاد نحو تلك المبادئ، وتلك القيم، تلك السيرة العملية، الرسول محمدٌ صلواتُ الله عليه وعلى آله خاتمُ النبيين، وسيد الرسل، وأكرم ولد آدم، وأرقى البشرية فيما كان عليه من الكمال الأَخْلَاقي والقيمي، وهو يحمل رسالة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، رسالة الحق، الرسالة الهادية للبشرية، والمنقذة والمخلصة للبشرية جمعاء، هو رحمةُ الله للعالمين، أتى بالحق من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأرسله الله بالحق، وكانت حركتُه بكلها قائمةً على أساس من الحق، حق في أصلها وحق في تفاصيلها، وخيراً للبشرية جمعاء، بالرغم من كُلّ ذلك كان لا بد له أن يتحمل المسؤولية، أن يواجِهَ التحديات، أن يواجه الصعوبات القاسية والكبيرة، أن يتحمل الكثير من المعاناة وأن يضحّيَ، وكان لا بد له أيضاً أن يهاجرَ عندما وصل به الحال في مجتمع مكة إلى الواقع المسدود، انسدَّت الآفاقُ هناك في ذلك المجتمع الذي لم يتوفق الكثيرُ فيه لهذا النور، لهذه الهداية، لهذا الشرف الكبير، لهذه المسؤولية المقدسة، لعواملَ كثيرة تحدثنا عنها في المناسبات الماضية.
دروسٌ مستفادةٌ من الهجرة
الرسولُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيِهِ وَعَلَى آلِهِ لم يكن بالإمْكَان وبالاستناد إلى قداسة مسؤوليته وقداسة الحق الذي يحمله، وعظمة الهدى والنور الذي أتى به، وما كان عليه هو فيما تمثّله من ذلك الحق ومن تلك الرسالة، من قيم ومن أَخْلَاق ومن مبادئَ، فيما التزم به من تعليمات عظيمة ومقدّسة ومثالية وراقية إيْجَابية، لم يكن بإمْكَانه أن يحقِّقَ النجاح في واقع هذه الحياة من دون صعوبات من دون متاعبَ من دون تضحيات من دون مواجهة تحديات، لا له ولا لكل الأنبياء الذي سبقوه، الله سبحانه قال في كتابه الكريم: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ، وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}، الأنبياء الذين هم صفوة البشر، والذين وصلوا إلى أرقى مستوى من الكمال الأَخْلَاقي والإنْسَاني، والارتقاء السلوكي، إضَافَة لما حملوه من الخير للناس جميعاً، ومن الأداء العملي الراقي والحكيم، كان لا بد لهم أن يواجهوا المصاعبَ والمتاعب، وكان لا بد لهم أن يخوضوا خِضَمِ المسؤولية، وأن يواجهوا الأعداءَ، كان لهم أعداء من المجرمين وبدون استثناء، لم يكن هناك أيُّ نبي من الأنبياء إلا وكان في مقابله مَن يعاديه، من يعادي دعوتَه، من يتصدى له، وبالتالي يدخل في سلسلة من المشاكل ويواجه حالة الصراع، ويعيش جوَّ الصراع، ويتحاج إلى كُلّ ما يحتاجُه الناسُ في الصراع من معاناة وصبر وتضحية.. إلخ. {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ} يعني بدون استثناء، ما كان هناك استثناء مع أي نبي من أنبياء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالرسولُ صلوات الله وعلى آله هاجر بكل ما تحمِلُه الهجرةُ وتعبر عنه من تضحية، ومن سعي دؤوب وجاد في عمله وفي تحمله للمسؤولية، وفي سعيه لإقامة دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبناء الكيان الإسْلَامي العظيم.
الدرس الآخر كان في ذلك المجتمع الذي هاجر إليه النبي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيِهِ وَعَلَى آلِهِ، في مقابل مجتمع لم يتقبل أكثرُ أبنائه الدعوة الإسْلَامية، بالرغم من عظمتها، قيمها، أهميتها، ثمرتها، فائدتها، إيْجَابيتها الكبيرة في الحياة، ولكن كانوا كما قال الله عنهم: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ} الكثيرون منهم الأغلبية الساحقة منهم كانوا قد وصلوا إلى درجة سيئة جِدًّا من الخذلان، وعدم التوفيق، بما انحطوا بسببه، بما وصلوا إليه من حالة الانحطاط والإفلاس القيمي والأَخْلَاقي والتشبث بالباطل، والارتباط الشديد جِدًّا بالطاغوت والمستكبرين والفاسقين، أما المجتمعُ الآخر الذي هاجر إليه النبي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيِهِ وَعَلَى آلِهِ، مجتمع يثرب، وكلٌّ من قبيلة الأوس والخزرج، القبيلتان اليمنيتان، من أصول يمنية، فكان مجتمعاً وُفِّقَ لاستقبال هذه الرسالة الإلهية، الأوس والخزرج قبيلتان ومجتمع محدود في عدده بضعة آلاف من الناس، في نِطاَقٍ جغرافي محدود، كان لديهم التقبل الكامل في أن يتحملوا هَـمَّ المسؤولية العظيمة في حمل الرسالة الإلهية، إيماناً بها، والتزاماً بها، وسعياً لإعلائها، وجهاداً في سبيلها، واستعدادٌ عالٍ للتضحية، واستعدادٌ كبيرٌ للعطاء، في محيط عالمي كله قد طغى فيه الظلم والظلام والجاهلية، يعني كان أولئك وكان ذلك المجتمع المحدود الذي يتشكّلُ من بضعة آلاف، أما محاربوه المخلصون والصادقون فمن مئات من المقاتلين، كان ذلك المجتمع في منطقة محدودة وكان في وسط واقع كبير وسط عالمي ومحلي طغى فيه الظلمُ والظلام والكفر، والعداء الشديد لهذه الرسالة العظيمة، وهذا المجتمع يدرك أن حمْلَه لواءَ هذه الرسالة واستجابتَه لها ستترتب عليه مسؤوليات كبيرة ونتائج كبيرة، ولا بد له أن يخوضَ الصراع الكبير والمرير مع كثير من القوى الموجودة في الساحة آنذاك، مع وعيه بكل ذلك أسلم وآمن وجاهد ونصر وآوى، وانتماؤه لهذه الرسالة كان انتماء واعياً، وانتماء مسؤولاً، لم يفهم أولئك أن انتماءَهم لهذا الإسْلَام كما هي الحالة السائدة في عالمنا اليوم وفي عصرنا هذا وفي عصور متأخرة كثيرة من بعد تلك الفترة – لقد فهموا هذا الانتماء فهماً واعياً؛ ولذلك كانوا منذ اللحظة الأولى التي آووا فيها ونصروا فيها سمّوا بالأنصار، وليس فقط بالمسلمين، هم المسلمون ومَن أتى إليهم وآوى إليهم من المهاجرين، ولكن في نفس الوقت سمّوا بالأنصار؛ لأن الانتماءَ الواعي لهذا الإسْلَام ليس انتماءَ الإنْسَان الذي يتنصل دَائماً عن المسؤولية، انتماء الإنْسَان الذي لا يعي القيمَ الأساسية والمبادئ الرئيسية في هذا الإسْلَام، ولا ينطلقُ على أساس منها، يل يكون انتماؤه انتماءً شكلياً فارغاً بَعيداً عن القضايا الرئيسية والمسائل المهمة.
المبدأُ الرئيسي في الإسلام
إن من أعظم ما في الإسْلَام والمبدأ الرئيسي فيه هو مبدأُ ألّا عبودية إلا لله، ألّا إله في هذا الكون والوجود إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إن المبدأَ الأساسَ هو الذي تحدثت عنه الآية القرآنية {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا}، يقومُ الكيانُ الإسْلَاميُّ على أساس هذا المبدأ العظيم، أن المنتمين لهذا الدين اتجهوا في مسار حياتهم بكله من هذه القاعدة الأساسية، من هذا المبدأ العظيم والمهم، فلا يقبلوا أبداً بالعبودية لأي أحد مهما كان، وليكونَ لهم موقفٌ حاسم من كُلّ قوى الطاغوت التي تألذه نفسها وتفرض نفسها على البشرية، من كُلّ الذين يتخذهم الناسُ أنداداً من دون الله، من كُلّ الأصنام الحجرية، والأصنام البشرية أيضاً، فلا إله إلا الله، ولا عبودية لأحد إلا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الواحد الملك القهار، رب العالمين، وهذا يبنى عليه واقعُ الأُمَّـة، إذا كان هذا انتماؤها انتماءً واعياً وانتماء جادًّا وصادقاً، تُبنى عليه كُلّ مواقف الأُمَّـة، سياساتها، مسار حياتها، فيبنيها أمة حرة، لا تركع إلا لله، ولا تخضع إلا لله، ويستحيل على كُلّ قوى الطاغوت في هذا العالم أن تستعبدها، وأن تُخضِعَها لهيمنتها، وهذه قيمة كبيرة جِدًّا للإسْلَام تحتاجُ إليها البشرية، وما من بديل عنها إلا العبودية للطاغوت، وهذا كان ما ركّزت عليه الرسالة الإلهية، في كُلّ مراحل تأريخ البشرية، في كُلّ أمة بعث اللهُ فيها رسولاً، كان جوهر الرسالة الإلهية {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.
اليوم من أكبر المشاكل التي تعيشها أُمَّتُنا هو سعي قوى الطاغوت المستكبرة، وعلى رأسها أمريكا بكل أذرعها في المنطقة وفي مقدمتها إسرائيل، ثم مَن لَفَّ حولها والتف حولها من عملائها المنتسبين إلى هذه الأُمَّـة، من أكبر المشاكل سعيُ قوى الطاغوت إلى استعبادنا في هذه الأُمَّـة، للسيطرة المباشرة علينا، والهيمنة المطلقة الكاملة علينا، فلا نمتلكُ حريتَنا، بل يكون لهم هم أن يفرضوا علينا في كُلّ شؤون حياتنا ما يشاؤون ويريدون، فيما يلبي رغباتهم، وفيما يتطابق مع أهوائهم، أهوائهم السيئة، أهوائهم التي لا تنسجم ولا تتفق أبداً مع مبادئنا ومع قيمنا ومع أَخْلَاقنا العظيمة في هذا الإسْلَام العظيم؛ ولذلك نجد أنفسَنا اليوم بعد زمن طويل ونحن اليوم ندخلُ في العام التاسع والثلاثين بعد الألف وأربعمائة عام من الهجرة النبوية، نجد أنفسَنا اليوم بحاجة ماسَّة إلى أن نرسِّخَ في وجداننا وفي أعماق قلوبنا ومشاعرنا، وفي واقع حياتنا هذا المبدأ المقدس، هذا المبدأ العظيم والمهم، لا إله إلا الله، بكل ما تعنيه لا إله إلا الله، فتكون لا إله إلا الله محرِّرةً لنا في واقع حياتنا وحصناً حصيناً من كُلّ أشكال العبودية، من كُلّ أشكال الهيمنة والاستغلال من قوى الطاغوت وقوى الاستكبار.
نحتاجُ اليوم في هذه المرحلة إلى هذا المبدأ العظيم؛ لنتمكن من خلاله وبالاستناد إلى بكل ما يُعطيه هذا المبدأ من قيم، من معنويات، من آثار عظيمة، بكل ما يمثله من صلة لنا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، صلة نستمد من خلالها من الله المعونة والقوة والتأييد، والرعاية، والهداية، والنصر، لمواجهة كُلّ التحديات من تلك القوى المستكبرة والظالمة، وفي مواجهة كُلّ مكائدها وجبروتها وظلمها وطغيانها.
الدورُ الأجنبي ومسؤوليتُنا تجاه الأخطار والتحديات
اليوم المشاكل التي تواجهها أمتنا هي مشاكلُ لا فكاكَ عنها إلّا بتحمُّل المسؤولية والتحَـرّك الجاد والواعي لمواجهتها والتصديّ لها، لا يمكن لنا أن نتنصلَ عن المسؤولية وأن نعفي أنفسنا بالتالي من كُلّ هذه التبعات تجاه هذه الأخطار والتحديات، أخطار كبيرة وتحديات كبيرة، اليوم هذه الحروب.. التي نعاني منها وكل هذه الفتن كُلّ هذه الأحداث كُلّ هذه المؤامرات التي تستهدفنا شئنا أم أبينا لا بد لنا من التصديّ لها أَوْ أن ننحني لها فتسحقنا سحقاً ولا تبقي ولا تذر، مشاكل لم تأتِ وفق رغبتنا، أحداث وتحديات عصفت بأمتنا لم تأتِ بطلب منا أَوْ برغبة منا، لا اعتداءات مكائد هندس لها أعداؤنا لنا علاقة بها أمتنا اليوم لها علاقة بكل ما يحدُثُ عليها ليس الإشكال منحصراً في طبيعة الدور الأجنبي والخارجي هو دور أساسي دور أساسي ولكن هو مستثمر هو مستفيد.
الاختلالات الكبيرة في واقع الأُمَّـة على مدى قرون من الزمن، وتفاقمت وتعاظمت في الآونة الأخيرة، تراكمات من الخلل عَظُمَت وازدادت وكَبُرت في واقع الأُمَّـة وصحبتها تداعيات لها ونتائج لها تتعاظم أيضاً نتائج سلبية خلل سلبي خلل له آثار سيئة تعاظم الخلل وتعاظمت معه نتائجه السليبة نتائجه الكارثية في واقع الأُمَّـة فعظمت تلك النتائج السيئة والخطيرة والكارثية بقدر ما عظم هذا الخلل في واقع الأُمَّـة خلل يعود إلى التزامها إلى مبادئها إلى قيمها التي حدثت فيها اختلالات كبيرة جِدًّا اختلالات كبيرة على مستوى الوعي واختلالات كبيرة على مستوى الالتزام الأَخْلَاقي والسلوكي واختلالات كبيرة جِدًّا ورهيبة جِدًّا فيما يتعلق بمدى تحمل هذه الأُمَّـة لمسئوليتها التأريخية التي حملها الله إياها وهذه الاختلالات التي شملت الوعي وشملت المشروع وشملت الالتزام الأَخْلَاقي والالتزام المبدئي والقيمي بكل ما ترتب عليها من نتائج صنعت في واقعنا الكثير من المشاكل والكثير من الأزمات سُنة الله سنة الله ما كان بإمْكَان الأُمَّـة أن يحدث كلما حدث في واقعها من اختلالات كبيرة في الوعي في السلوك في الالتزام في العمل في المسئولية وتحملها ويبقى الأمر طبيعياً ولا تدفع ثمن هذه الاختلالات والانحرافات، لا، كان لا بد لها من أن تدفعَ ثمنَ ذلك بما كسبت أيديكم كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى “قل هو من عند أنفسكم” هذه هي سُنة الله مع كُلّ الأمم السابقة كُلّ الأمم التي حمّلها الله المسئولية في أن تحمِلَ رسالتَه إلى البشرية بقيمها بأَخْلَاقها بمبادئها بمشروعها العظيم ثم قصّرت وفرطت وتوانت وأخلت حتى في التزامها هي فما بالك بما تقدمه للعالم عوقبت وأوخذت على ذلك وعاقبها الله عقاباً شديداً جِدًّا (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا*فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ﴾.
الاستثمارُ في واقع الأمة المغري: استعمارٌ واحتلالٌ إسرائيلي ومد تكفيري
فالأمة اليوم تعيش الكثير من المشاكل نتيجة للاختلالات الكبيرة على مدى زمن طويل في الوعي وفي الالتزام في المسئولية وفي جوانب كثيرة، وأتى العدو أتى الأجنبي أتى الأمريكي ليستثمرَ كما استثمر الذين من قبله الآخرون الصليبيون في مراحل معينة استثمروا هذا الانحدار والسقوط في واقع الأُمَّـة وما صاحبه من مشاكلَ كثيرة وظروف ومؤثرات كبيرة، المغول أيضاً استثمروا في مراحل تأريخ هذه الأُمَّـة، الاستعمار في مراحله على مدى زمني طويل على مدى مئات السنين، البريطاني ومَن قبل البريطاني وكذلك الأوربي سواء الفرنسيين أَوْ الإيطاليين أَوْ غيرهم الكل سيستثمر واقع مغرٍ واقع بالنسبة لأعداء هذه الأُمَّـة واقع جذاب بالنسبة لهم يعبر عن فرصة تأريخية ثمينة بالتأكيد سيسعَون لاغتنامها الواقع الذي تحدث عنه رسول الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيِهِ وَعَلَى آلِهِ (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها) فالحال الذي تعيشه الأُمَّـة وتتداعى عليها الأمم فأتى الأمريكي من هناك من غرب الأرض من آخر الدنيا وَأتى اليهود شذاذ الآفاق إلى فلسطين؛ ليزرعوا بمعونة غربية ودعم وإسناد غربي كياناً لهم في قلب الأُمَّـة مفروضاً على هذه الأُمَّـة معادياً لهذه الأُمَّـة محتلًّا وظالماً ومفسداً ومتآمراً، كُلّ هذا هو خضم من الأحداث والتحديات مع كُلّ ما يتزايد معه من مشاكلَ إضافية مع الوقت وأزمات إضافية مع الوقت، يعني كُلّ عام وهناك المزيد من التحديات والمؤامرات ومؤامرات كبيرة جِدًّا ومشاريع متنوعة، الإسرائيلي أتوا به إلَى الأُمَّـة كمؤامرة كبيرة جِدًّا لاستهداف الأُمَّـة، أضافوا إلى ذلك المد التكفيري بكل ما يمثله من خطورة كبيرة جِدًّا على الأُمَّـة وما ألحقه بالأمة من خسائر ونكبات ومعاناة ومآسيَ، وكذلك ما أحدثه من ضرر كبير في الأُمَّـة في عملية تزييف الوعي أيضاً في الاختلال الأمني الكبير جِدًّا في السعي من خلاله لتمزيق الأُمَّـة من جديد وإسقاط كياناتها أشياء كثيرة ومآرب أخرى كُلّ مشروع من مشاريعهم وكل مؤامرة من مؤامراتها يدخل ضمنها الكثير من الأضرار ويدخل ضمنها أيضاً الكثير من المكائد لهذه الأُمَّـة.
مؤامرةُ التقسيم للمنطقة
اليوم نشهد مؤامرات متنوعة على هذه الأُمَّـة مثلما مؤامرة التقسيم للمنطقة ونشهد في هذه الأيام سخونةً في الوضع فيما يتعلق بالعراق مؤامرة واضحة لفصل شمال العراق من منطقة كردستان ومحاولة انفصال الأكراد هناك، ويعرف كُلّ المتابعين مدى الدور الإسرائيلي المشجع للأكراد هناك أَوْ لبعض الأكراد في عملية الانفصال وما من شك في أن لأمريكا دوراً في ذلك؛ لأن أمريكا في المرحلة الماضية بكلها عملت على دعم بناء كيان منفصل يعني المرحلة الآن أشبه ما تكون بمرحلة أخيرة تتويجاً لمراحل ماضية سعت فيها إلى تحويل الحالة الكردية في كردستان إلى شبه كيان منفصل منذُ المراحل الماضية، بقي له بعضٌ من الارتباط الشكلي في قليل من الأمور أَوْ بعض الأمور ولكنه كان يسير باتجاه انفصال على مراحل، بناؤه قائم على هذا الأساس، ترتيباته قائمة على هذا الأساس، سعيه في الماضي متجِّهٌ إلى الوصول إلى ذلك..
الحالة التي يريدونها اليوم في العراق لا تخص العراق أبداً ولا تخص في العراق منطقة كردستان يريدون المزيدَ من التقسيم في العراق ويسعون إلى التقسيم في بقية بلدان المنطقة ومنها بلدنا اليمن.. بلا شك هناك سعي حثيث لتقسيم بلدنا وما قبل 21 سبتمبر كانوا قد قطعوا شوطاً كبيراً، وتبدأ أحياناً عملية التمهيد للتقسيم تحت عناوين وبأساليب عندما يعملون فِي كُلّ بلد من بلدان المنطقة في البداية إلى صناعة أزمة تبدأ كأزمة سياسية فيدخُلُ ضمن هذه الأزمة السياسية أنشطة متعددة لتعميق وتجذير هذه الأزمة بما يهيئ فيها لعملية التقسيم، إما من خلال العنوان المناطقي وأحياناً العنوان المذهبي وأحياناً العنوان العرقي.. وهكذا تبدأ أزمة سياسية يضاف لها بُعد آخر هو البُعد الطائفي أَوْ العرقي أَوْ المناطقي أَوْ ما إلى ذلك، يعني من السهل عليهم أن يجدوا عنوانا آخر يضيفونه.. يخلقون ويصنعون حول هذا العنوان الجديد حالةً من العصبية العمياء والالتفاف المقيت والتكتل الغبي الذي يرى في ذلك مستقبلاً مزدهراً واعتداداً بالذات واعتباراً، وفي نفس الوقت في الأخير تقدم هذه العملية، التقسيم، على أنها تمثل الحلَّ السحري لمشاكل أي بلد من بلدان منطقتنا، فالحالة التي هي قائمة الآن في العراق وما سبقها في السودان يخطّط لها في بقية بلدان المنطقة، عندنا في اليمن صنعوا لنا الكثير من المشاكل، صحيح عندنا مشاكل في الأساس لكنهم يستثمرون في هذه المشاكل، يعملون على تعقيد هذه المشاكل وتوتيرها ويشجّعون البعضَ من الأغبياء الذين يبرزون ضمن هذه المشاكل ليتجهوا بها اتجاهاً بعيداً ومنحىً آخر بعيداً أحياناً حتى عن جوهر المشكلة أَوْ عن أساس المشكلة وفي كُلّ الأحوال بالإمْكَان أن تتوفر حلول إيْجَابية وحلول منطقية لكل هذه المشاكل، ولكنهم يعملون على تعقيد هذه المشاكل ويقدمون المسألة في الأخير أنه ما من حل لها إلا التقسيم.. تبدأ العناوين بالأقلمة ثم الفدرلة ثم ما بعد الفدرلة الانفصال هذا يحصل.. يبدأ عنوانُ الأقاليم عنواناً كمرحلة أولى عنواناً تمهيدياً ومهيئاً.. ويأتي عمل مستمر، القوم نشيطون وحركيون ومهتمون على طول على طول ما بيكلوا ولا يملوا وهناك قابلية لهم نتيجة غباء شديد وانعدام حالة الوعي لدى الكثير ونتيجة أمراض، أمراض قد فتكت بأمتنا وشعوبنا، أمراض فيها أنانيات فيها عصبيات فيها أحقاد وكثير من المشاكل نعاني منها في منطقتنا؛ لأنه أحياناً توجد شخصيات لها ثقل ولها نفوذ في مجتمعاتنا ولكنها لا تتحلى بالمسؤولية أبداً، ما عندها لا إنْسَانية ولا ضمير ولا اهتمام أبداً، تعيش حالة اللامبالة ما عندها مشكلة في أن تُفتَّتَ الأُمَّـة وأن تقسَّمَ الأُمَّـة وأن تمزقَ كيانات الأُمَّـة! ، ما عندها مشكلة أن تكونَ لها ارتباطات لا مع الإسرائيلي ولا الأمريكي، ما عندها مشكلة على أن تشتغلَ ضمن الأجندة الإسرائيلية والأمريكية بدون أية مبالاة، ما عندها إحساس بالانتماء إلى هذه الأُمَّـة الانتماءَ الجمعي الانتماءَ العام الانتماء الرئيسي أبداً.
ضرورةُ ترسيخ الانتماء
وفعلاً نجد أهمية كبيرةً وضرورة كبيرة جداً أن يكون هناك نشاطٌ مكثفٌ في أوساط هذه الأُمَّـة فيما يتعلق بتجذير وترسيخ الانتماء، الانتماء الإسْلَامي في المقدمة الذي هو يقدِّسُ لعملية الوحدة والتآخي والترابط، يقدسها ويجعلها فريضةً دينيةً، ولاحظوا لا بقي عندنا هذا الاعتبار في ساحتنا العربية للأسف ولا بقي عندنا الاعتبار الوطني والهوية الوطنية الرابطة الوطنية الأخوة الوطنية أبداً ما عاد بقي لا هذا ولا ذاك كله انتهاء عند الكثير يوجد قوى حرة يوجد لدى الشعوب كذلك تيارات صادقة واعية فاهمة، لاحظوا باعتبار المبدأ والهوية والانتماء، وهذه مسائل رئيسية جِدًّا يجب أن تحكم سلوكنا في هذه الحياة سلوكنا وتوجهاتنا ولا باعتبار المصلحة الفعلية والحقيقية لنا كشعوب في هذه المنطقة كُلّ هذا يضرب به عرض الحائط ويتجه الكثير نحو هذه النزعة من التفتت نحو هذا التجاوب السريع من عملية التفتيت وعملية التقسيم وعملية البعثرة لهذه الأُمَّـة وشعوب هذه المنطقة تجاوب سريع استجابة سريعة هذه حالة خطيرة على أمتنا؛ لأنها تشكّلُ خطورةً كبيرة علينا في مستقبلنا، والكثير يغفلون عن ذلك، يعني البعض أغبياء إلى درجة أنهم يتصوّرون حينما يحظون بالدعم والتشجيع من أمريكا وإسرائيل أَوْ من الدول الإقليمية العميلة لأمريكا وإسرائيل، بعض الأنظمة في المنطقة كالنظام السعودي والنظام الإماراتي حينما يحظون بشيء من التحفيز والتشجيع والدعم في عملية التقسيم وعملية الانفصال وعملية التجزئة هذه والبعثرة هذه يتصورون أن هذا فيه مصلحة لهم وأن هذا بدافع الاهتمام بهم بدافع العناية بهم من أجل قُرّة أعينهم، اهتمام كبير بهم، هذا غباء ليس هناك من هدف للأمريكي والإسرائيلي من هذا العمل بكله إلا إضعافنا جَميعاً في هذه المنطقة، تحويلنا إلى كيانات صغيرة مجزأة وإضعافنا بشكل مستمر بالمزيد حتى بعد التجزئة هذه، لاحظوا ما حصل في السودان حصلت تجزئة للسودان ما بعد هذه التجزئة هل استقر وضع السودان لا حتى جنوب السودان لم يستقر الوضعُ فيه، صراعات ونزاعات لا تكاد تتوقف فيه إلّا لوقت قصير ثم تعود وتستمر أيضاً في بقية السودان النزاعات مستمرة والأزمات مستمرة والتوتر مستمر التهيئة لمزيد من الانقسامات حالة قائمة أيضاً وهكذا الحال عندنا في اليمن هناك سعيٌ دؤوبٌ لتجزئة بلدنا وتقسيم بلدنا كانت على قدم وساق قبل التصعيد الثوري في الحادي والعشرون من سبتمبر ضمن الوضع الكارثي الذي كان قائم في بلادنا آن ذاك.. لاحظوا ما قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر عندما نعود لنستذكرَ ما كان عليه الوضعُ آنذاك، وضع كارثي، وضع مأساوي وضع خطر جداً بكل ما تعنيه الكلمة؛ لأنه وضع كان الأعداء يخططون فيه أن نذهب نحن كيمنيين برغبتنا بإرادتنا باختيارنا إلى الهاوية.
كانوا يريدون أن يأخذوا بأيدي الجميع، وليس بالأيدي، إنما أرادوا أن يمسكوا باللجام، يحولونا إلى حيوانات، يأخذوا باللجام ويذهبوا بنا نحو الهاوية، كان هناك دَائماً في الحالة القائمة التي أوصلونا فيها في هذا البلد، إلى الخضوع رسمياً وعلى نحو معلَن، وباعتراف من كثير وتقبُّل من كثيرٍ من القوى السياسية، للوصاية الأجنبية الواضحة، وتحت البند السابع، وهذه مسألةٌ واضحةٌ ومعروفة، أخضع فيها بلدنا للوصاية الأجنبية بشكل رسمي صريح واضح معلَن، “يعني ما عاد المسألة ما به إلا مجرد وصاية فعلية” وبغطاء معين من دون أن تظهر أمام الناس أنها وصاية، لا. وصاية صريحة وواضحة، ومعلنة.
سفراء يقررون ويتحكمون بالشأن اليمني
وكان سفراء الدول العشر المعنيون، وعلى رأسهم السفير الأمريكي، المعنيون الرئيسيون بكل شؤون هذا البلد، قبل أي طرف يمني، قبل أي مكون يمني، المعني الأول قبل اليمنيين جَميعاً بأي شأن من شؤون هذا البلد، في أي مجال من المجالات، الشأن السياسي، الشأن الاقتصادي، الشأن الأمني.
سفراءُ الدول العشر، فيهم بالدرجة الأولى السفير الأمريكي، وكان السفير الأمريكي تُدرَسُ معه كُلّ شؤون هذا البلد، من كُلّ الجهات ذات المسؤولية في مُؤَسّسات الدولة، على رأسها عبدربه نفسه، عبدربه كان يناقش مع السفير الأمريكي أهم المسائل والقرارات والمواقف، وعلى ضوء ما يصل إليه مع السفير الأمريكي وفي كثير من الحالات اجتماعات مع سفراء الدول العشر، وتناقش فيه الكثير من المسائل والقضايا ذات الصلة بشأننا نحن اليمنيين، ثم ما قرره أولئك السفراء وما قرره على رأسهم السفير الأمريكي؛ لأنهم في العادة كانوا كلهم يتبعون السفير الأمريكي، يعني عندما تأتي مثلاً إلى تقييم ما كان عليه البريطاني أَوْ الفرنسي أَوْ أي سفير أَوْ سفيرة في صنعاء، أي مسؤول سفارة، سواء رجل أَوْ امرأة في صنعاء، تجد أنه كان مجرد تابع للسفير الأمريكي، سواء من الأوروبيين أَوْ الخليجيين، السعودي مثلاً والإماراتي، الكل فقط متبعون للسفير الأمريكي، وما يقرره السفير الأمريكي، والكل يضغط في تنفيذه، حالة كارثية أن نجدَ أنفسنا كشعب يمني مسلم حُـرٍّ وعزيز تسلب منا حريتنا، يسلب منا استقلالنا، يصادر علينا قرارنا السياسي، ويصبح المعني الأولَ في كُلّ أمورنا وفي كُلّ شؤوننا وفي تجاه أهم المسائل والمتحكم فينا، هو السفيرُ الأمريكي ومن معه من السفراء الأجانب، وكانت الفضائية اليمنية تبُثُّ اجتماعات سفراء الدول العشر، ومواقف سفراء الدول العشر، وما إلى ذلك، حتى أَصْبَحت حالةً مألوفةً ومعتادة، في ساحتنا اليمنية لدى القوى السياسية، وخارج الأجهزة الرسمية، خارج مُؤَسّسات الدولة، الكثير من القادة قادة الأحزاب، والمنتسبين إلى الأحزاب كانوا يذهبون إلى السفراء؛ باعتبار السفراء هؤلاء معنيين أساساً بشأننا اليمني، والكل يجدُ نفسَه معنيًّا أن يناقش معهم أوضاع البلاد، “يعني لو قدهم هم أصحاب البلاد، ما عاد احنا إلا ضيوف في البلاد هذه”، بل إن البعضَ من المنتسبين لبعض الأحزاب كانوا حساسين جِدًّا جدًّا جِدًّا تجاه البعض الآخر في هذا البلد، مثلاً تجاهنا، ولم يكن لديهم ذرة من الحساسية تجاه الدور الذي يلعبه السفير الأمريكي وسفراء الدول العشر، وأنا أتمنى من وسائل الإعلام أن تعيدَ عَرْضَ الكثير من المشاهد والتقارير التي تذكِّرُ الجميعَ بمدى السيطرة الأجنبية، مدى الوصاية الأجنبية، مدى التحكم الخارجي في قرارنا السياسي في هذا البلد، وشأننا السياسي في هذا البلد، هي مسألة مهمة جداً، ولاحظوا عندما نأتي لنناقشَ هذه المسألة، هل طبيعي؟ هل صحيحٌ أن نقبَلَ كشعب يمني باستمرار هذه الحالة، “أن احنا نبقى مشخرين والسفير الأمريكي ومن معه.. يقرروا أي شيء في شؤونا، ويرسموا هم مستقبلنا، ويكونوا المتحكمين في حاضرنا ومستقبلنا”، على أي أساس؟ أولاً باعتبار الهوية والانتماء، السفير الأمريكي ومن معه من السفراء بالتأكيد لم يكونوا ليراعوا لا هُويتنا ولا انتماءَنا، في طبيعة قراراتهم، في طبيعة مخططاتهم، في طبيعة ما يمكن أن يختاروه لنا أَوْ يأمرونا به أَوْ يقرروه لنا أَوْ يحددوه لنا، نهائنا، هذا غير محسوب ضمن حساباتهم، الهوية والانتماء، يعني ذلك أنهم قد يفرضوا علينا شيئا سواء فيما يتعلق في ثقافتنا أَوْ تعليمنا أَوْ شؤوننا السياسية أَوْ شؤوننا الاقتصادية أَوْ شؤوننا الاجتماعية، أَوْ أي شأن من شؤوننا يتعارض كُلّ التعارض مع هويتنا الإسْلَامية، مع انتمائنا الإسْلَامي، وهذه قضية خطيرة جِدًّا علينا، لأن معنى ذلك أن نتخذهم أنداداً من دون الله، لو نقبل من السفير الأمريكي أن يقرر في شأننا أَوْ أن يفرض علينا في شؤوننا ما يتعارض كليا مع انتمائنا الإسْلَامي وهويتنا الإسْلَامية هذه قضية خطيرة جِدًّا علينا، وفي نفس الوقت تفريط كبير، تفريط كبير.
ثانياً: باعتبار الحق، حتى باعتبار الحق الوطني أننا بلد مستقل نفترض في واقعنا أننا بلدٌ مستقلٌّ بكل ما يترتب على ذلك من حقوق لنا كشعب وبلد مستقل، من ضمن ذلك وفي مقدمة ذلك أنه لا يحقُّ للدول الأجنبية أن تتدخل في شؤوننا الداخلية، بل إن تدخل تلك الدول في شؤوننا الداخلية على النحو الذي كان قائماً في تلك المرحلة يعتبر انتهاكاً لسيادة واستقلال بلدنا، وامتهاناً لكرامة شعبنا، في العُرف الدولي، في القوانين الدولية، ضمن الاعتبارات القائمة في هذا العالم، المعترَف بها في هذا العالم، كُلّ هذا “خلاص”، ضرب به عرض الحائط، لا الاستقلال باعتبار الهوية والانتماء، ولا الاستقلال الوطني بحسب ما هو معترَفٌ به في الأنظمة، في الأعراف الدولية، في القوانين الدولية، كُلّ هذا ضرب به عرض الحائط، وأَصْبَحنا شعباً يخضع لوصاية ممن! هل وصاية أصدقاء؟ وهذا النقطة كَثيراً ما أكررها في كثير من كلماتي لأهميتها القصوى، لا. وصاية عدو، سيطرة عدو، يحقدُ علينا، لا يتملكُ ذرةً من الرحمة بنا، لا يحمل إرادة الخير لنا، عدو كُلّ ما يسعى له ويحرص عليه هو أن يستعبدنا أن يذلَّنا أن يقهرنا أن يضعفنا؛ ولذلك كان الحال واضحاً، كان كلما سيطر أكثر وكلما استحكمت قبضته علينا أكثر كلما ساء حالنا أكثر، بالرغم من أن الكثير من أبناء هذا البلد كانوا يرون في الهيمنة الخارجية والسيطرة الأجنبية التي يعوّلون عليها أن تكون سبيلاً إلى رضا الخارج ومحققةً لرضا الخارج، كانوا يؤملون فيها أن يترتب عليها رخاء وازدهار واستقرار لهذا البلد، أنه أنتم يا أيها الأمريكيون ويا أيها السعوديون ويا أيها الأجانب بما أننا مكّناكم من بلدنا وشأننا السياسي وأَصْبَحت لكم الوصاية والقرار والسيطرة على كُلّ شؤوننا، خلاص المفترض أن تكونوا راضين بذلك، وأن يدفعكم ذلك إلى العناية بنا في هذا البلد على المستوى الاقتصادي وعلى مستوى الاستقرار السياسي ومستوى الاستقرار الأمني إلى غير ذلك.
لكن لا، كانت كلما استحكمت قبضتُهم أكثر ازدادت مشاكلنا الاقتصادية وتفاقمت مشاكلنا السياسية وانهار استقرارنا الأمني.
يعني لاحظوا في تلك المرحلة كانت عملية الاغتيالات والتصفيات في داخل صنعاء نفسها بأكثر منها في بقية المحافظات والمدن، صنعاء نفسها لم تشهد آنذاك استقراراً حيث أجهزة الدولة بكل ثقلها وحيث يفترض آنذاك أن هذه الأجهزة مدعومة من الجميع، الأمريكي يدّعي أنه يوفر لها كُلّ أشكال الدعم المادي والمعلوماتي وكذلك على مستوى الدعم اللوجستي والخبرة والتقنية و… و… إلى آخره.
السعودي من هناك يتظاهر بأنه داعم بكل ما أوتي من قوة وبكل ما لديه من إمْكَانات، الدول العشر ثم الدول الثماني عشرة، الكل يزعم أنه يقف إلى جانب هذه المُؤَسّسات وهذه الأجهزة وأنه يوفر لها الدعم، المسؤولون على علاقات مستمرة مع الجميع والتقارير الإخبارية تتحدث دائماً عن الدعم.. الدعم.. الدعم على طول.. يعني، تظهر في شاشة التلفزيون لقاءات مع ذلك السفير مع ذلك الزائر وبعد كُلّ لقاء يأتي تقرير يقول لك: اتفقوا على دعم مُؤَسّسات الدولة، على دعم بلدنا على دعم هذه الحكومة، واصل حديث دعم.. دعم.. دعم.. لكن والأمور متدهورة على طول على طول على طول.
ثم تتفاقم المشاكل الداخلية التي لها مسار مرسوم، مسار يوصل نحو الانفصال، يوصل نحو التفكيك، يوصل نحو التقسيم، يوصل نحو التفكيك لكياننا اليمني والبعثرة لهذا الشعب، هم يهندسون هذه المشاكل ويرسمون لها مساراتها ثم يدفعون دفعاً نحو تلك المسارات ليوصلوا الجميع إلى نفس النتائج، فإذا بنا نسمع أنه لا بد من الأقلمة ومعروف بعد الأقلمة كما حصل لغيرنا، الفدرلة قدموها كلها خلطة واحدة الأقلمة والفدرلة، ولكن وكأنه ليس هناك من حل إلا هي وكأن مشكلتنا في الماضي كانت في وحدتنا، ولم تكن مشكلات ذات طبيعة أخرى.
شعبٌ مترابط ومتجانس
يعني الشعب اليمني في واقع الحال هو أمة واحدة، هو شعب متجانس شعب يشعر بأنه لحمة واحدة وهو في واقع الحال بأدنى تأمّل وبشكلٍ واضحٍ منذ الوهلة الأولى لأي متابع أَوْ متأمل لواقع هذا الشعب، شعب منسجم مع بعضه البعض كشعب، ما هناك مشكلة، لا في الهوية، أنه مثلاً نص من الشعب اليمني مسلمين ونص كافرين، لا، شعب مسلم ولا هناك أيضاً تعدد عرقي على النحو الذي تشهده بعض البلدان، لا، شعب متجانس. ولا هناك مشكلة كبيرة في اختلاف اللغات، هذا لغة عربية وهذا لغة مدري ما هو ذاك. لا شعب الروابط ما بين أبنائه روابط كبيرة جداً، كُلّ أنواع الروابط قائمة، كُلّ أنواع وأشكال الروابط قائمة، الدين الواحد، اللغة الواحدة الجامعة وإن تعددت اللهجات ضمن لغة واحدة، تحكهم لغة واحدة، لهجات داخل هذه اللغة أمر طبيعي جداً، ثم كذلك في العادات والأعراف والتقاليد، روابط كبيرة جِدًّا بين أبناء هذا البلد، الحالة الشعبية ليس فيها أبداً ما يدفع نحو تفكيك هذا البلد وتجزئة هذا البلد، الحالة السياسية أن بعض الشخصيات، نجد أحياناً شخصيةً هنا أَوْ هناك بيقم هو إما نتيجة حقد أَوْ غباء أَوْ ارتباط بالخارج، واحدة من ثلاث، جهل، إنْسَان أحياناً يكون جاهل كبير ولكن صاحب وجاهة، وأحياناً جهله جهل مركب، بعض السياسيين جهلهم جهل مركب، غبي، يتصور مع شوية من الأنانية وإفلاس من القيم، وإفلاس من الشعور والإحساس بالانتماء والهوية، وعنده خلاص ما عاد به حل إلا يفرق الشعب اليمني ويجزّئ ويقطع أوصال الشعب اليمني، ويجي يقل خلاص الحل لمشاكلنا السياسية نقطع أوصال شعبنا ونفكك هذا البلد، ويعتبر نفسه إن قده عبقري مفكر، منين جت له هذه الفكرة، لا، الشعب اليمني ليس له مشكلة في واقعه كشعب، كشعب وحالة شعبية، تدعو إلى تفكيكه وتقطيع أوصاله، لا، تكفيريين جوا بدعم سعودي وفيما بعد بدعم إماراتي، محاولين هم يفككوا أوصال هذا البلد، وأهل محافظة كذا كافرين ومجوس، وآل محافظة كذا مسلمين ومن الصحابة، وبهذه النغمة المقيتة، ولا بعض القوى السياسية باتت تحملُ أيضاً هذه النغمة.
على العموم المسار الذي كانوا يعملون عليه ولا زالوا إلى اليوم يسعَون له هو مسار تفكيك لهذا البلد، يعني ما كفاهم وصاية وسيطرة كاملة وأنهم سلبوا منا الحرية وسلبوا منا الاستقلال، وأخضعوا بلدنا لسيطرتهم ولقرارهم الأجنبي وأعطوا لذلك شرعنة دولية وليست شرعنة في واقع الحال بحسب رأيهم هم، مثل البند السابع، ما كفاهم ذلك، في ظل تلك الوصاية والسيطرة والمصادرة للحرية وللقرار السياسي وللاستقلال والامتهان لكرامة هذا الشعب يشتوا يفككونا، يشتوا يقسمونا، يشتوا يبعثرونا، منشئين بيننا ومفاقمين بيننا العداوة والبغضاء، مغذين لمشاكلنا، تكبر في ظلهم، في ظلهم تكبر مشاكلنا، تتعقد مشاكلنا، تصعّب حلولها مع الوقت، إلى آخره، مشاكلنا الاقتصادية كانت في حالة تفاقم كبير، وكانوا هم بيصنفوا وضعنا الاقتصادي بأنه متجهٌ نحو الانهيار، وأتمنى مجدداً من وسائل الإعلام في بلدنا هذا أنه تذكر الناس بالتقارير والمقولات التي كانت تُقالُ آنذاك من جانب تلك الأطراف الدولية نفسها، يتحكم عليك ويتحكم في كُلّ شؤونك، ويقلك أنت متجه نحو الإفلاس، ومتجه نحو الانهيار الاقتصادي، والاستقرار الأمني خلاص، كان وصل شبه نقطة الصفر، ما بش استقرار أمني حتى آنذاك في العاصمة صنعاء، فإذن خسارة لكل شيء، نفقد استقلالنا وكرامتنا وقرارنا السياسي، ونفقد معه كُلّ شيء، لا بلدنا يبقى بلدا واحدا، ولا استقرار اقتصادي ولا تنمية اقتصادية ولا أي شيء أبداً، ولذلك كانت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ضرورةً وطنيةً، وضرورة تفرضها على هذا الشعب كُلّ الاعتبارات، اهتمامنا من منطلق مبادئنا وقيمنا التي تفرض علينا أن لا نقبلَ مطلقاً بتلك السيطرة الأجنبية لتلك الهيمنة المطلقة من الأجانب على رؤوسنا وعلى بلدنا على حاضرنا وعلى مستقبلنا، لا الحكمة ولا المنطق ولا الهوية ولا الانتماء ولا المبادئ تجعلنا نقبَلُ بتلك السيطرة من أطراف هي معاديةٌ لنا، وبرنامجها الذي تشتغل عليه من خلال وصايتها وسيطرتها المباشرة برنامج كارثي برنامج يسحق هذا الشعب يدمر هذا البلد يوصلنا إلى الهاوية في كُلّ الاتجاهات.
21 سبتمبر.. تحَـرّكٌ عبّر عن كُلّ اليمنيين وتبنى مطالبهم جميعاً
وحدتنا تنتهي وتسقط وكذلك هويتنا تُضرب قيمنا وأَخْلَاقنا كذلك يستهدفونها وينهونها، وضعنا الاقتصادي يوصلنا إلى حافة الهاوية إلى الهاوية بنفسها ويوقعنا فيها، الاستقرار الأمني ينتهي ويتلاشى يصبح بلدنا ملان دواعش، اغتيالات وقتل وجرائم، وكل فترة جرائم قتل بطريقة وحشية حتى في المستشفيات والشوارع، القتل الجماعي والقتل بالاغتيالات على المستوى الفردي.
ما هناك أي داعٍ، يعني أننا نقبَلَ بأن يستمر ذلك الوضع على ما كان عليه وهو يتجه نحو الأسوأ، كُلّ شيء في هذا البلد، قيم، مبادئ، عزة، كرامة، أصالة، يفرض علينا أن نعمل على إيقاف تلك الكارثة التي كانت قائمةً، فكان التحَـرّك في التصعيد الثوري تحَـرّكاً مسؤولاً ويمثل ضرورةً ملحةً لإيقاف تلك الكارثة الرهيبة التي كانت قائمة، وكان تحَـرّكاً فاعلاً ومؤثراً:
أولاً: عبّر عن كُلّ أبناء هذا البلد، التصعيد الثوري ما قبل الحادي والعشرين من سبتمبر وصولاً إلى الحادي والعشرين من سبتمبر لم يكن معبراً عن مذهب واحد من كُلّ المذاهب ولا عن قبيلة واحدة ولا عن منطقة واحدة وإن كان هناك فعلاً مثلاً حضورٌ كبيرٌ لبعض المحافظات أكثر من البعض الآخر لعوامل لا يسعنا الوقت للحديث عنها ولكنه تحَـرّكٌ عبّر عن كُلّ اليمنيين وتبنى مطالب اليمنيين جميعاً، وتحَـرّك لمصلحة اليمنيين جميعاً، وكان تحَـرّكاً قوياً وفاعلاً ومؤثراً أعاد الاعتبار للشعب اليمني أنه لا يمكن أن يتحول إلى شعبٍ مدجنٍ للوصاية الأجنبية والسيطرة الأجنبية من أعداء هذا الشعب لا يمكن أن يخضعه أي طرف آخر لسيطرة أعدائه حتى يتمكنوا من سحقه وإذلاله وقهره وتدميره وهو خاضع وخانع ومستسلم لا يفعل شيئاَ ولا يقول شيئاً ولا يتحَـرّك بأي تحَـرّك، أنه شعبٌ لا يزال يعيش حيويته الإسْلَامية والوطنية والإنْسَانية لا يزال شعباً يُحس لديه كرامة، وعندما جُرح في كرامته غضب ولم يقبل، وتحَـرّك بكل إباء، ولاحظوا كان التحَـرّك فعالاً يثبت قدرة هذا الشعب على أن يقف بوجه التحديات والأخطار بدلاً عن أن يستسلم لها فيكون ضحيةً لاستسلامه، أن بمقدور هذا الشعب أن يقف في مواجهة التحديات حتى لو كان الذين وقفوا بوجهه أولئك بأجمعهم؛ لأنه برز الدور الواضح والعلني والصريح لما سمي آنذاك بالدول العشر ضد تحَـرّك الشعب ضد التصعيد الثوري، وآنذاك كان تحَـرّكهم واضحاً ومفضوحاً ومكشوفاً وبرزوا هم كطرف معني بإيقاف ذلك التصعيد الثوري ومواجهة ذلك التصعيد الثوري آنذاك وجهوا حتى رسالة لي أنا وهددوني وطلبوا مني أن أسكت، اسكت لا عاد تتكلم ولا تتخاطب مع هذا الشعب ليتحَـرّك بمسؤولياته التي تفرضها عليه إنْسَانيته وهويته وانتماؤه وأصالته وقيمه وحريته وعزته وكرامته ومصلحته.
وأرادوا مني أن أسكتَ وهدّدوني آنذاك وسخرت من تهديدهم؛ لأني أنتمي إلى هذا الشعب وأنتمى إلى الهوية وإلى الأصالة لهذا الشعب، أنا في هذا البلد أعيش إحساسَ اليمني، هُوية الإنْسَان اليمني الأصيل، الذي يأبى العبودية لغير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هذا اليمني الذي تحَـرَّكَ بكل إباء ولم يلتفت إلى كُلّ تلك التهديدات ولا إلى كُلّ ذلك الضجيج الذي سعى العملاءُ في هذا البلد إلى جانب أولئك الأجانب من خلاله إلى التشويش على هذا الشعب إرجافاً وتلبيساً للحقائق وسعياً إلى إيقاف ذلك التحَـرّك.
وذلك التحَـرُّكُ العظيم القوي الفاعل الجماهيري المسؤول سيبقى صفحةً بيضاء ناصعة لكل الأجيال الآتية، سيسجّله التأريخُ لهذا الشعب، وما أعظمَ تلك الملاحم البطولية العظيمة وما أجمل ذلك التحَـرّك الذي عبّر عن عزة اليمنيين وكرامة اليمنيين فعلاً أربك كُلّ تلك الدول العشر أربكت، في الأخير أَصْبَحت متحيرةً ماذا تفعل.
مراحلُ الثورة التي مدت يدها للجميع
تحَـرّكت جماهيرُ هذا الشعب وكان في طليعتهم الأهالي في أمانة العاصمة وفي محيط صنعاء ومن بقية محافظات الجمهورية الأحرار والشرفاء تحَـرّكوا إلى المخيمات، وتحَـرّكت أيضاً قوافل العطاء والكرم، يعني تصعيد ثوري لم تموله أية دولة أجنبية، تحَـرّك يمني أصيل بما تعنيه الكلمة، القبائل اليمنية قدَّمت بكل سخاء وكرم بذلك الكرم الذي عُرف به أهل اليمن القوافل تلو القوافل، قوافل العطاء والكرم التي كانت تصل تباعاً ويومياً إلى المخيمات، وذهب الكثير إلى المخيمات واحتشدوا إلى الساحات بحضورٍ فاعلٍ ومسؤول وبتصميم وبعزم ليس فيه تراجع.
واستمرت خطواتُ التصعيد الثوري وصولاً إلى يوم الحادي والعشرين من سبتمبر حصل ما حصل مما عرفنا به جميعاً من اعتداءات من استباحة للدماء وسفك لدماء المتظاهرين في شارع المطار وأيضاً في المظاهرات التي اتجهت نحو مجلس الوزراء واعتدي عليها في الطريق، وحوادث متعددة حصلت، فأتت الخطوة الكبيرة في يوم الحادي والعشرين من سبتمبر لتكونَ خطوةً حاسمةً تعاون فيها الأحرار والشرفاء من أبناء هذا البلد جميعاً، داخل المُؤَسّسة العسكرية التي تستحق في هذا اليوم الثناء على موقفها والتقدير لموقفها داخل المُؤَسّسة الأمنية أيضاً، وداخل كُلّ فئات المجتمع تعاون كبير، أثمر نتيجة عظيمة وعملاً حاسماً على نحوٍ متميزٍ وعظيمٍ، خطوة حاسمة وكبيرة بأقل كلفة، بأقل كلفة.
كان الكثير يتوقع أن تكون الكلفة كبيرة جداً لتلك الخطوة فأن تسفك الدماء ويقتل الآلاف وتدمر الأمانة صنعاء، ويحدث مجازر كبيرة وأحداث كارثية ونهب لكل المتاجر والمستودعات والبنوك ونهب لمباني ومُؤَسّسات الدولة و… و… إلخ، وكوارث ومشاكل أهلية إلى آخره.
ولكن لأن الموقفَ شعبيٌّ بكل ما تعنيه الكلمة وتعاون فيه كُلّ أبناء هذا الشعب ودخلت في ذلك معهم المُؤَسّسة العسكرية والأمنية، كان النجاح كبيراً وعظيماً وحاسماً وبأقل كلفة وبالمحافظة على الأمن والاستقرار في صنعاء لا بنوك نُهبت ولا متاجر نُهبت بما في ذلك متاجر الذهب، ومُؤَسّسات الدولة والوزارات حوفظ عليها، فكانت عملية اندهش منها كُلّ العالم وتوجت تلك الخطوة الكبيرة جداً التي أعادت الاعتبار للشعب اليمني لحرية هذا الشعب لكرامة هذا الشعب وأعادت الاعتبار لهذا الشعب في مقابل كُلّ أولئك الذين كانوا أرادوا النيلَ من عزة هذا الشعب وحرية هذا الشعب وأن يجعلوه مداسةً للأجانب، الكل اندهش.
توجَّت تلك الخطوةُ باتفاق السلم والشراكة الذي قدم درساً مهماً قدم درساً عن ثورة شعبية مدت اليد لكل المكونات في هذا البلد حتى مع كُلّ أولئك الذين وقفوا ضدها واختلفوا معها وسعوا بكل ما يستطيعون للقضاء عليها، قالت للجميع في هذا البلد من كُلّ أبناء هذا البلد تعالوا جميعاً، تعالوا جميعاً للشراكة للسلم للتعايش للتعاون، ومع ذلك مع كُلّ هذا المستوى العظيم من الإيْجَابية العالية جداً من التفاهم من الحرص الكبير على استقرار هذا البلد كان البعض غير إيْجَابي تعاطوا آنذاك مع اتفاق السلم والشراكة وقعت كُلّ المكونات في الداخل، اعترفت به القوى الخارجية بما في ذلك الدول العشر نفسها، النظام السعودي آنذاك أعترف بهذا الاتفاق ورحب بهذا الاتفاق مجلس الأمن الأمم المتحدة الاتحاد الأوروبي دول كثيرة أَصْبَح هذا الاتفاق معترف به لدى الجميع وفي الداخل، ومع ذلك تنكر له الآخرون وعملوا بكل جهد على إفشال هذا الاتفاق وعملوا من جديد على التآمر على هذا الشعب تأمراً كبيراً في مسعى منهم لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه من السابق، أعادة الوصاية والسيطرة الأجنبية إفشال هذا الاتفاق بعد الاعتراف به والتوقيع له، بعد أن أَصْبَح ملزماً في الأخير افتضحوا اليوم هم مفضوحون تجاه هذا الاتفاق لأنهم باتوا صريحين في تنكرهم لهذا الاتفاق وفي موقفهم السلبي منه، باتوا صريحين في البداية كانوا مغمغمين بيحاولوا يعطلوا الاتفاق وبيحاولوا يغالطوا أنهم لا ويتهموا الآخرين يتهموا القوى الثورية أنها محاوِلة هي تلتف على الاتفاق، ولكن افتضحت الحقائق بعد وباتوا صريحين في موقفهم السلبي من اتفاق السلم وَالشراكة ولذلك هم يتحملون المسؤولية أمام التأريخ وأمام هذا الشعب في أنهم هم سعوا إلى إفشال ذلك الاتفاق وتعطيله والالتفاف عليه والتآمر من جديد وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر، عاد الوضع إلى وضع مأزوم من جديد في البلد وعقدوا المشكلة من جديد ودخلوا في مؤامرات جديدة وتوجوها بالعدوان وكل هذا في مسعى منهم أن لا يتحرر هذا البلد وألا نعيش كشعب يمني أحرار من دون وصاية أجنبية وسيطرة خارجية، هذا الحال القائم سعياً منهم في كُلّ ما يسعون فيه في المنطقة بكلها في كُلّ ما يستهدفون شعوب المنطقة بأجمعها، يستهدفونا في كُلّ شيء ويحققوا الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها في إخضاع المنطقة في النهاية إخضاعا كاملاً بعد إيصال الجميع إلى نقطة الصفر ما يبقى كيانات حرة ما يبقى وضع البلدان على ما هو قائم عليه استنزاف الجميع بالحروب والفتن والمآسي والنكبات وصولاً بالجميع إلى حالة الاستسلام التام للسيطرة الأمريكية والإسرائيلية، لاحظوا الوضع اليوم في سوريا الإسرائيلي بينفذ غارات في كُلّ فترة وأونه يستفيد من الدور التخريبي للقوى التخريبية هناك وفعلاً الدولة السورية منشغلة بالمشاكل الداخلية بالشكل الذي أثر عليها في مدى الجهوزية للرد على العدوان الإسرائيلي هم أرادوا بالأمور أن تصل إلى أسوأ مما هو عليه الحال مع أن الوضع في سوريا متجه نحو النصر للشعب السوري وللدولة في سورياً، عموما الموضوع الرئيسي هو أن الثورة الشعبية هذه بما فيها النتيجة الكبيرة للحادي والعشرين من سبتمبر كانت ضرورة ملحة وكانت خياراً سليماً صحيحاً مسئولاً لا بد منه في أن يتحرر هذا الشعب ولذلك هم اتجهوا فيما بعد للعدوان والحرب حتى يستعيدوا سيطرتَهم المباشرة علينا ويريدون أن ينفذوا ما يريدونه من أهداف في بلدنا، لاحظوا الوضع اليوم في المناطق المحتلة من بلدنا في الجنوب وفي المناطق الشرقية، هل الوضع هناك يمكن أن نقول عنه أنه نموذج راق وأنه يدل على أهداف إيْجَابية لدى قوى العدوان لا الوضع الاقتصادي سيء الوضع الأمني صفر ما هناك دولة هناك جماعات أنشئت ودعمت وتدعم والذي يحظى بالدعم هناك هو من يتجند عسكري يسرح يقاتل مع الأمارات وإلا مع السعودية، والإماراتي والسعودي في الأخير أنما هو مقاتل مع أمريكا ولمصلحة أمريكا وتحت هيمنة وسيطرة أمريكا وراية أمريكا ومظلة أمريكا، في الأخير الأغلبية من أبناء الشعب هناك يعيشون البؤس الحرمان الظلم الاضطهاد لا أمن ولا استقرار ولا وضع اقتصادي مستقر أيضاً ولا رفاهية ولا رخاء ولا ولا ولا أي شيء، ولا هناك نموذج لواقع تقوم فيه دولة ومُؤَسّسات ووو الخ ما شيء أبداً، تكشف لك الحقيقة حالة هي أن الإماراتي هناك أتى ليكون هو القناع يختفي خلفه الأمريكي.
مرادُهم من العدوان هو ما أرادوه في الماضي
الأمريكي يريد قواعد في العند في حضرموت في شبوة في مناطق كثيرة وقواعد في الجزر ولكن تحت قناع إماراتي وتقدم أهم الجزر اليمنية وفي مقدمتها جزيرة ميون في باب المندب جزيرة سقطرى أيضاً في البحر العربي من أهم الجزر على الإطلاق إضَافَة إلى بقية الجزر هناك جزر كثيرة اليوم سلمها العملاء والخونة من أبناء هذا البلد للإماراتي عمل له فيها قواعد وبعضها قواعد مشتركة مع الأمريكي؛ لأنه كما قلنا الإماراتي قناع للأمريكي وبات اليوم يسرق الغاز اليمني مع معاناة الشعب اليمني سواء في صنعاء أَوْ في عدن الكل يعاني في مسألة الغاز الكل يعاني في مسألة البترول سواء في الحصول على البترول أَوْ بالاستفادة من عائداته المالية كُلّ هذا ما بيستفيد منه شعبنا اليمني بيذهب للأجانب يعطوا الجزء منه من الفتات للمرتزقة في أن يقاتلوا في سبيلهم يعني فيما يخفف الكلفة على الأجنبي فقط فيما يخفف كلفة التشغيل للعميل اليمني والمحلي ما يحتاج يدفع له الأجنبي كثير في النهاية أنت يمني تقاتل مثلاُ في مأرب وعاد بايدفع لك أُجرته وأنت مقاتلٌ في سبيله في سبيل السعودي الذي يقاتل في سبيل أمريكا أَوْ أنت جنوبي تقاتل في سبيل الإماراتي وهو بيقاتل في سبيل أمريكا الإماراتي وفي سبيل إسرائيل في النهاية قد يحاول أن يستفيد من ثروتك يأخذ له هو جزء ويدفع لك جزء، ليكون بيستفيد حتى من مالك ينهب عليك من مالك ويدفع ديتك من مالك ويشغلك وهو مستفيد في النهاية وأنت الخاسر في الأخير.
اليوم الذي يريدونه من هذا العدوان هو ما كانوا أرادوه في الماضي سلب حريتنا ومصادرة قرارنا السياسي والإخضاع الكامل لنا ثم الاتجاه بنا نحو الهاوية، هذا شيء لا يمكن أن نقبله في أي حال من الأحوال وأي ثمن وأي مستوى من التضحيات نقدمه في سبيل أن نبقى أحراراً هذا شيء يجب أن نكون مستعدين له، وألا نتحرج منه أبداً، أي مستوى من التضحيات في سبيل أن نكون أحرار وأعزاء في سبيل أن نضمنَ مستقبلَنا ليكون مستقبلاً حُرّاً وعزيزاً وكريماً هذا شيء يفرضه علينا ديننا وتفرضه علينا إنْسَانيتنا ولنا الحق به، ولو كان لنا خياراً آخر كنا سنضحي أكثر ونخسر بشكل أكبر ومن دون نتيجة ثم نصل إلى الهاوية، نحن بكل ما نقدمه من تضحيات في سبيل أن نبقى أحراراً وأعزاء نحن والله رابحون، بكل ما تعنيه الكلمة أما ما يمكن أن نخسره مع استسلامنا مع خضوعنا للأجنبي مع فقداننا للحرية والاستقلال مع مصادرة قرارنا السياسي فهي خسارة “خسارة الدنيا والآخرة وخسارة الحاضر والمستقبل”؛ ولذلك نحن اليوم معنيون في أن نسعى بكل جد في التصديّ لهذا العدوان الهادف إلى سلب حريتنا الهادف إلى تحويلنا عبيداً لهم أذلاء وخانعين ليسحقونا ويقهرونا ويذلونا، وليفقدونا كُلّ الخير وليسلبوا منا حاضرنا ومستقبلنا، اليوم هناك توجه كبير من جانب قوى العدوان لمرحلة جديدة من التصعيد تحدثنا عنها في الخطابات السابقة وهم على وشك البداية بهذه المرحلة الجديدة بعد أن فشلوا في المراحل الماضية ونحن معنيون في أن نتحَـرّك بشكل جاد بمستوى حجم التآمر ومستوى حجم التحديات وأن نحشد كُلّ الطاقات في هذا الاتجاه النشاط الإعلامي، النشاط المجتمعي، التحَـرّك التوعوي والتعبوي العمل التثقيفي، نشاط بكل ما تعنيه الكلمة في كُلّ الاتجاهات في سبيل أن نتصدى لهذا العدوان، وأن الله معنا بقدر ما نتحمل نحن المسؤولية؛ لأن الله ليس مع الذين يتنصلون عن مسؤولياتهم، وأن الشعوب التي تتنصل عن مسؤوليتها في الدفاع عن حريتها وكرامتها هي شعوب تسحق وتباد ولا يبقى لها وجود ولا تأريخ، لاحظوا هناك أمثلة هناك الهنود الحمر في أمريكا قرابة الخمسة عشر مليوناً في بعض الإحصائيات أبيدوا عن أخرهم شعب بكامله ابيد وانتهى؛ لأنه لم يحمل إرادة التحرر كما ينبغي، ولم يكن لديه لا من الوعي ولا من الإرادة ولا من التحَـرّك ما يتطلبه الموقف، ويجب أن نكون حذرين من كُلّ المستهترين والساخرين الذين لا يتحلون لا بمثقال ذرة لا من الإنْسَانية ولا من الانتماء ولا من الإحساس بالهوية ولا من الأصالة ولا من العزة ولا من الكرامة، الذين لديهم كُلّ القابلية لهيمنة وسيطرة الأجنبي والتضحية بكل شيء ولديهم الاستعداد لتقبل الخسارة بكل شيء أولئك الضعاف الذين يقبلون بالهوان ولذلك نحن معنيون أن نجعلَ من هذه الذكرى ذكرى الحادي والعشرين من سبتمبر ذكرى تمثّل دافعاً وحافزاً كما كانت في يومها وفي حينها، للتصدي للسيطرة الأجنبية والهيمنة الخارجية وأن نتحَـرّك من جديد، وحتى أن يكونَ الحضور في ميدان السبعين معبِّراً ومقدماً لهذا الرسالة أننا شعبٌ يأبى الإذلال ويأبى الهوان، ويأبى العبودية لغير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أننا شعب حر ونأبى إلا أن نكون أحراراً ولن نضحيَ أبداً بحريتنا ولن نقبَلَ بأن نكون عبيداً لأعدائنا من المستكبرين وقوى الطاغوت لا يمكنُ أن نقبَلَ أبداً ثم أن يعقب هذه الفعالية إن شاء الله تحَـرُّكٌ جاد على كُلّ المستويات تحَـرّك جاد للتصدي لهذا العدوان في مؤامراته الجديدة.
آمل إن شاء الله أيضاً على المستوى الرسمي وفي الوضع السياسي أن تشهد المرحلة القادمة مزيداً من التعاون والتفاهم بين المكونات الرئيسية في هذا البلد، وفي طليعتها المؤتمر الشعبي وأنصار الله، وأن تشهدَ المزيدُ من التفاهم والتعاون لمواجهة التحديات القائمة ضمن أبناء هذا الشعب.
نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفق شعبنا العزيز إلى ما فيه رضاه وأن يُعينَه وأن ينصرَه وأن يؤيده.
في ختامِ هذه الكلمة أدعو جماهيرَ شعبنا إلى الحضور الكبير المعبّرة عن الإصرار على الحرية وعلى الكرامة وعلى العزة، وعن ثبات هذا الشعب في مواجهة هذا العدوان، يوم الغد في ميدان السبعين إن شاء الله حضورٌ كبيرٌ ومشرّفٌ وأن يعقِبَ هذه الفعالية نشاطٌ كبير في التصديّ للعدوان ورفد الجبهات والتحَـرُّك في كُلّ المجالات، كما تحدثنا في كثير من الكلمات، واللهُ وليُّ المعونة والنصر والتأييد والتوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..