هل يدفعنا المستقبل إلى أن نتقاسم سياراتنا معا؟
لن يكون السبب في أننا نشتري سيارات هذه الأيام على الأرجح هو ذاته الذي سنشتري من أجله سيارات في المستقبل. يلتقي موقع “بي بي سي فيوتشر” مع مخططي المستقبل في شركة فورد في محاولة للتنبؤ بطبيعة الثقافة المتعلقة بالسيارات في عام 2050.
كل من يملك سيارة يشعر بالعلاقة الحميمة اللصيقة معها، إذ أننا لا يمكننا الاستغناء عنها. لكن الحقيقة هي أن هذه السيارات التي تلعب دوراً مركزياً في حياتنا تقضي معظم وقتها واقفة على جانب الطريق، أو في موقف السيارات. تخيل الآن لو أن أحدهم قال لك إنك بإمكانك الاحتفاظ بسيارتك، أو الحصول على سيارة جديدة، لكن لست مضطراً لدفع ثمنها.
بيد أن هناك شيء آخر مرتبط بهذ العرض. هل يمكن لك مشاركة سيارتك مع شخص غريب، بمعنى تأجيرها له عندما يريدها؟ هذا هو أحد الأشياء التي تعرض على مجموعة مختارة من السائقين في بعض المدن.
وقد يؤثر هذا الأمر على الطريقة التي نشتري ونستعمل بها سياراتنا في المستقبل. وهو الشيء ذاته الذي ستفكر به شيريل كونيلي، رئيسة قسم اتجاهات المستقبل لدى المستهلكين في شركة فورد، وذلك بشكل يومي.
ومعظم الجهد الذي تبذله كونيلي ليس في التفكير في أنواع السيارات التي يرغب الناس في شرائها خلال سنتين، ولكن فيما إذا ما كانوا سيرغبون في قيادة السيارات بعد 20 عاماً.
إن تجربة إعارة السيارة إلى شخص غريب هي إحدى الأفكار التي تخضع للدراسة حاليا. وقد دعي حوالي 12.000 من سكان لندن 14.000 من السائقين من سبع مدن في الولايات المتحدة لإعارة سياراتهم لفترة من الوقت لأشخاص تم التحقق منهم مسبقاً بنفس الطريقة التي يعمل بها النظام الذي يعرف باسم “Zipcar”.
وتشير هذه الفكرة إلى أنهم يستطيعون جني مال يكفي لتغطية مصاريف سياراتهم وبالتالي تصبح مجانية الاستعمال بالنسبة لهم.
وفي المتوسط، تقضي السيارة معظم الوقت متوقفة في مكانها في موقف السيارات دون الاستفادة منها. لهذا فإن مشاركتها مع شخص آخر يبدو أمراً معقولاً، لكن بالنسبة لبعض الناس تعتبر فكرة إعارة سياراتهم لآخرين غير مستساغة.
ومن المرجح أن تصبح المشاركة من شخص لآخر، عن طريق خدمات مثل “كار كلب” أو مشاركة ركوب السيارة من خلال خدمة “أوبر” أو “Lyft”، من الأمور الأكثر شيوعاً.
ويبدو أن ارتباط الواحد منا بسيارته يتناسب تناسباً عكسيا مع فئته العمرية، فالأجيال الجديدة أقل ارتباطاً بسياراتهم من أسلافهم. تقول كونيلي: “إذا سألت شخصاً يزيد عمره عن 30 ماذا يعني لك الانتقال من مكان لمكان فسيقول ‘المواصلات’، لكن إن سالت نفس السؤال لشخص عمره أقل من 30 عاماً، فمن المحتمل أن يقول ‘الهواتف النقالة’.”
يتركز دور كونيلي في التفكير في المستقبل، وإخضاع مفاهيمنا وقناعاتنا المسبقة للاختبار، ومساعدة إحدى أشهر شركات السيارات في العالم على البقاء والاستمرار.
التقينا بها في مركز أبحاث فورد في وادي السيليكون والذي افتتح العام الماضي. إن مجرد وجود مختبر جديد هو مؤشر واضح على تزايد أهمية الأجهزة الالكترونية للمستهلكين داخل السيارات وبديلاً عنها كما تعتقد كونيلي.
وتضيف: “نعرف ما نحتاج إلى معرفته عن السيارات، ولا يوجد نقص في الخبرات المتعلقة بالسيارات في الشركة. لكن متى تستطيع التفريق بين الحاجة إلى السيارة أو الحاجة إلى أجهزة غير السيارة؟ لذا، فإن علينا أن نعيد النظر في موقفنا في السوق”.
ويشير المدير التنفيذي السابق لشركة فورد، ألان مولالي، إلى الشركة بوصفها شركة الكترونيات للمستهلك، ويرغب المدير التنفيذي الجديد للشركة، مارك فيلدر، في الحديث عن الشركة بوصفها شركة “انتقال وحركة”.
كان يمكن لذلك أن يتسبب في وقت ما في إحداث ضجة في ديترويت، معقل صناعة السيارات الأمريكية. ويبدو التغيير طفيفاً في صناعة السيارات في العالم، إلا أنه مؤشر على تغيير كبير في طريقة التفكير.
وتقول كونيلي: “نحن في شركة فورد علينا التفكير في المستقبل بطريقة لا يمكن لأحد أن يتخيلها”. وتواصل: “هذا ليس جديداً بالنسبة لنا. هنري فورد مشهور بقوله ذلك في عصره؛ ‘إذا سألت الناس ماذا يريدون، سيكون جوابهم: خيول أسرع'”.
أردنا أن نحصل من كونيلي على إجابة دقيقة عن طبيعة التغيير المتوقع وليس فقط مجرد التوقعات بأن هناك تغيير، فقالت: “نحن نتوقع طبيعة التغيرات التي ستحدث على مدى عامين أو خمسة أو عشرة، أو 15، أو25 عاماً قادمة. أتحدث عن التغيير الذي سيحدث عام 2050. صحيح أنه لم يتبق إلا فترة قصيرة، لكن الأمور وقتها ستكون مختلفة عما هي عليه اليوم.”
وأضافت: “عدد سكان العالم اليوم سبعة مليارات نسمة، وبحلول 2050 سيصبحوا تسعة مليارات. وهو ما يعني أننا سنشهد مدناً أضخم مساحة، وأوسع عمرانا، و أكثر ازدحاماً. فمعدل الوقت الذي يقضيه المسافر داخل بكين اليوم هو 5 ساعات يومياً، فإذا أضفنا عدة مليارات جدد من البشر فإلى أي درجة ستصل الأمور في أسوأ الأحوال؟”.
وتقول كونيلي إن هذه هي الأشياء التي تملي علينا تغيير نظرتنا للمستقبل، فالحياة لن تكون على الشكل الذي عهدناه، سواء للأفضل أو للأسوأ. وسيصبح الناس أقل ارتباطاً بالسيارات كمظهر من مظاهر الحياة أو رمز من رموز المكانة، وستصبح شيئاً نضطر لاستعماله بين الحين والآخر، وشيئاً يفيدنا في بعض الجوانب مثله مثل المكنسة الكهربية أو السلم.
وسنبحث عن أرخص وأكثر الوسائل عملية في الانتقال من مكان لأخر، دون أن نعلق في زحمة الطرق. فربما نستأجر دراجة هوائية ونستخدمها في الوصول إلى مقاصدنا، ونحجز ساعة في السيارة على الجانب الآخر ثم نعود إلى البيت بالاتصال بسيارة شخص لا نعرفه باستخدام تطبيق على الهاتف.
هذا التغيير سيعني تحولاً كبيراً بالنسبة لمصنعي السيارات أيضاً. هذا التحول الذي تأمل كونيلي في تحضير وتهيئة شركة فورد له.
“حتى لو كنا نرى السيارة كإحدى المنافع، كيف يمكن أن نجعلها أفضل وأكثر الحلول نموذجية؟” ذلك يعني أننا يمكننا الاستفادة مما تقوم به كل من الصناعات التكنولوجية وصناعة المواصلات، ولكن فقط إذا كانت لدينا الرغبة والقدرة على تقبل التغيير الذي يحدث”.
لا ترغب كونيلي في أن تكون أكثر دقة حول كيفية تعاملنا الشخصي مع السيارات في المستقبل، لكن استعمال السيارة في المستقبل يمكن تخيله حتى لو لم نمتلك سيارة. فمثلاً يمكن تعديل السيارة التي نتشارك فيها مع آخرين حسب رغبة السائق.
وفي المستقبل القريب، يمكن أن يتم ذلك عندما تفتح السيارة، ويتحرك المقود والمقعد إلى الوضعية التي تفضلها. ويفتح المذياع تلقائياً وبسرعة على الموجات التي تفضلها، وتضبط الحرارة من تلقاء نفسها على الدرجة التي ترغبها.
وفي المستقبل الأبعد قليلاً، يمكن للسيارة أن تعكس شخصية السائق خارجها. فكونك لا ترغب في شراء فيراري حمراء في 2015 لا يعني أنك لا تستطيع أن تنعم بمواصفات الفيراري الخارجية للسيارة التي تستعيرها. فتغيير شكل السيارة الخارجي يجعلها تبدو أكثر أو أقل قبولاً من قبل المستعملين.
هذه القرارات يمكن لمشتري السيارات الحالية أن يتخذوها مرة واحدة عندما يشترون السيارة، لكن سائقي المستقبل سيمكنهم اختيار شكل السيارة الخارجي الذي يرغبونه كل يوم. والسؤال هو، هل سيرغبون في ذلك؟