الولايات المتحدة وكوريا الشمالية …. قصة الذئب الخائف من الحمل
شخص ممن لا يعرفون أن الكذب والافتراء هو عنصر أسا في خطاب محور التسلط والهيمنة… ما هو الانطباع الذي يخرج به بعد أن يلقي نظرة سريعة على ما تنشره وسائل الإعلام حول تطورات الأزمة المحتدمة بين كوريا الشمالية من جهة والولايات المتحدة وحلفائها في شمال شرق آسيا، من جهة أخرى؟
إنه الانطباع الذي يخرج به الشخص نفسه عندما يسمع كلاماً إسرائيلياً من النوع الذي يتفجع لأن بعض سكان مستوطنة إسرائيلية استولى عليهم الشعور بالهلع جراء سقوط صاروخ محلي الصنع أطلق من غزة، رداً -بعيداً جداً عن أن يكون متكافئاً- على غارة جوية إسرائيلية أدت إلى تدمير حي كامل وإزهاق أرواح عشرات أو حتى مئات المدنيين الفلسطينيين.
أو عن الخطر الذي تشكله دولة كإيران، أو تنظيم كحزب الله، على الأمن القومي الأميركي، لا لشيء إلا لأن تلك الدولة ترفض الانصياع للإملاءات الأميركية المتعارضة مع مصالح الشعب الإيراني، أو لأن ذلك التنظيم يقاوم السياسات العدوانية والتوسعية الإسرائيلية.
أي أن الانطباع الذي يخرج به ذلك الشخص هو أن كوريا الشمالية دولة مدججة بقدرات نووية وصاروخية وتسعى، بسبب افتقارها المزعوم إلى الرادع الأخلاقي، إلى استخدام تلك القدرات في إخضاع جيرانها الأقربين في كوريا الجنوبية واليابان، والأبعدين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبقية العالم.
وما يعزز هذا الانطباع أن كوريا الشمالية تعمد، بين الحين والآخر، إلى إجراء تجارب على صواريخ وقنابل نووية. مع الصمت الإعلامي المطبق أن كوريا الشمالية قد أنتجت تلك الأسلحة، تحديداً، لردع النوايا العدوانية والتوسعية الأميركية المكشوفة.
وبالطبع، فإن وسائل الإعلام الكبرى في أميركا والعالم تركز على أن مجرد وجود كوريا الشمالية يعني أن الحرب النووية قادمة لا محالة وبأن على الناس، في المناطق التي قد تصلها صواريخ بيونغ يانغ، أن يتخذوا أقصى التدابير الاحترازية لكي لا يذهبوا ضحية للمحرقة النووية الكبرى!
على سبيل المثال، قامت وسائل الإعلام اليابانية مؤخراً ببث الرعب في الشارع الياباني من خلال بث وإعادة بث الرسالة التالية : “يبدو أن كوريا الشمالية قد أطلقت صاروخاً. عليكم أن تحتموا في أبنية محصنة أو في ملاجئ تحت الأرض”. ثم تمر الدقائق والساعات دون أن يصل الصاروخ، لكن الرسالة حققت مرادها عبر شحن المواطنين اليابانيين بمشاعر الخوف والعداء تجاه كوريا الشمالية وبالموقف المؤيد لكل عمل إجرامي تقوم به واشنطن وحلفاؤها بحق كوريا الشمالية وشعبها.
ما هي الحقيقة التي تعمل وسائل الإعلام الكبرى على طمسها في ما يخص المشكلة المحتدمة بين كوريا الشمالية، من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها، من جهة أخرى؟
وسائل الإعلام الكبرى تملأ العالم ضجيجاً بخصوص صواريخ بيونغ يانغ وقنابلها النووية. لكن المراقب العادي يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد في البحث والتنقيب ليعلم أن واشنطن تجري سنوياً، وبشكل دائم، مناورات عسكرية مشتركة مع كل من كوريا الجنوبية واليابان، وأن هذه المناورات هي في الواقع تمارين هجومية على كوريا الشمالية. وقد ضمت المناورات الأخيرة التي أجريت حملة التشهير الأخيرة بكوريا الشمالية من أجل التغطية عليها، ضمت عشرات الألوف من الجنود إضافة إلى قوات جوية وبحرية ضخمة ومزودة بأسلحة نووية، تكتيكية واستراتيجية.
وهذا يعني وجود نية واضحة لدى واشنطن وحلفائها في ضرب كوريا الشمالية. أي في إنجاز المهمة التي لم تتمكن واشنطن من إكمالها خلال الحرب الكورية التي استمرت لثلاث سنوات بين العام 1951 والعام 1953. وهي لم تتمكن من إكمالها لأن الشعب الكوري دافع عن نفسه بكل شراسة وقدم تضحيات كبرى ليس أقلها مقتل 30 بالمئة من سكان كوريا الشمالية وتدمير 86 مدينة من مدنها وعدة آلاف من قراها. وقد اعترف قادة عسكريون أميركيون بأنهم تركوا خلفهم موتاً ذريعاً، وشعباً مضرجاً بالدماء، وبلداً مدمراً بالكامل.
ولم يستكمل شعب كوريا الشمالية بناء بلده رغم ما يقرب من سبعين عاماً على نهاية الحرب. ومع هذا لم يتغير شيء في اللهجة العدوانية الأميركية تجاه هذا الشعب. “سنغرق كوريا الشمالية بالنار والرعب، إذا ما حاولت تهديدنا بأي شكل من الأشكال”. الكلام للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقد أدلى به قبل ثلاثة أسابيع.
ولكن، من يهدد من ؟ كوريا الشمالية البلد الصغير الذي يكافح من أجل البقاء بعد أن أنهكته الحرب العدوانية الأميركية، أم الولايات المتحدة التي تقيم عشرات القواعد العسكرية حول كوريا الشمالية، والتي تقول علناً بأن مسرح أعمالها العدوانية المقبلة هو منطقة الباسيفيكي ومن ضمنها كوريا الشمالية بالتحديد ؟