السعودية تحرم السوريون من الحج للسنة السادسة على التوالي
اشتاق السوريون لأداء فريضة الحج، لكن قراراً سعودياً جائراً لا يزال ومنذ سنوات ست يحول بينهم وبين زيارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة. لقد سيّس السعوديون شعائر الحج دون أن يمتلكوا الحق في ذلك. لكن عزاء السوريين الذين التقيناهم كان في التأسي بسيرة نبيهم محمد صلى الله عليه وآله عندما حال مشركو قريش بينه وبين مكة فعاد إلى المدينة المنورة قبل أن يفتح الله عليه فيما بعد فتحا مبينا.
حجاج سوريون مع وقف التنفيذ يؤمنون بأنهم قد أحرزوا ثواب الحج دون أن يتكلفوا عناء السفر فشفيعهم في ذلك نية خالصة لله. وإن كان ملوك السعودية قد أغلقوا دونهم أبواب الديار المقدسة فإن أبواب السماء لا تزال مفتوحة لدعاء المظلومين.
تبدل الحال بالنسبة لمدير الحج في سوريا حسان نصر الله الذي اعتاد في مثل هذه الأيام المباركة أن يكون في الديار المقدسة ليرعى شؤون الحجاج السوريين الموفدين من قبل وزارة الأوقاف السورية، والتي كانت تتولى تنظيم سفرهم بالتنسيق مع وزارة الحج السعودية قبل ان تدخل السعودية على خط الأزمة في سوريا كطرف داعم للإرهاب وتتعاطى مع صنيعتها المسماة بالإئتلاف الوطني السوري المعارض كممثل شرعي للحجاج السوريين.
ويوضح نصر الله لـ”العهد” أنه “منذ بداية الثمانينيات أخذ تنظيم الحج يأخذ منحاه القانوني وصار يبنى على اتفاقيات رسمية بين وزارة الحج السعودية وباقي الدول الإسلامية وبموجب ذلك تم تحديد النسبة المئوية للحجاج بالف عن كل مليون نسمة عبر لجنة الحج العليا التي يترأسها السيد وزير الأوقاف السوري وتضم عدد كبيرا من الوزارات والمؤسسات التي تقوم بتشكيل بعثة رسمية ترافق الحجيج السوريين إلى الأماكن المقدسة للوقوف على كل احتياجاتهم هناك”.
وبيّن نصر الله ان “أمور الحج متوقفة منذ ست سنوات وبقطيعة من وزارة الحج السعودية التي بدأت بخلط الأمور منذ بداية الأزمة في سوريا عندما لم ترسل الرسالة الرئيسية التي تعتبر حجر الأساس في هذا الأمر وهي توجيه دعوة للوفد السوري من أجل تحديد موعد معين لتوقيع اتفاقيات الحج وهو ما كان يتم سنويا في شهر ربيع أو جمادى”. لافتاً الى ان “السعودية فوضت ما يسمى بالائتلاف السوري المعارض عبر لجنة الحج لديهم بملف الحجيج ما يعني رسميا منع الحجاج السوريين من السفر إلى الأماكن المقدسة من خلال تعطيل هذه الاتفاقية ليضطر هؤلاء عندها إلى اجتراح حلول بديلة لكنها شاقة وباهظة التكاليف مادياً ومعنوياً كسعيهم لتجديد إقاماتهم في السعودية أو بناء على دعوة زيارة من أحد الأقارب أو الأبناء هناك أو السعي للحصول على تأشيرة حج من سفارات المملكة العربية السعودية في دول الجوار في لبنان أو في الأردن وهذا الأمر يتم بشكل إفرادي وبمشقة كبيرة على الحجاج الذين حرموا بالتالي من خدمات بعثة الحج السورية التي كانت تتولى أمورهم من البداية للنهاية، من قطع تذاكر الطيران إلى تأمين السكن في مكة المكرمة والمدينة المنورة وتأمين الخيام في منى وعرفات ورعايتهم من ناحية الإرشاد الديني والرعاية الصحية والإدارية وإصدار شهادات الوفاة وغيرها”.
ولفت مدير الحج السوري إلى مسألة مهمة تتعلق بحالة من التضليل والتدليس يقوم بها ما يسمى الائتلاف المعارض عندما أنشأ ما يسمى بلجنة الحج السورية وهي نفس التسمية الرسمية لدى وزارة الأوقاف السورية وقاموا كذلك بتسمية مدير حج وهذا جعل بعض الحجاج في الداخل يتعرضون لشيء من التضليل والتدليس عندما كانوا يعتقدون أنها ذات اللجنة الرسمية السورية وهذا الأمر خلاف الواقع.
وأكد نصر الله ان “الأمانة كانت تقتضي من حكام السعودية أن ييسروا أمور الحج على المسلمين في كل بقاع الأرض ولكنهم تمنعوا عن ذلك دون وجه حق وظلموا السوريين حتى في أمور دينهم وفي حبهم لنبيهم عندما منعوهم من زيارته ومن الطواف والسعي وهذه ورقة من أوراق الضغط على الشعب السوري الذي لاقى كل الويلات وفرض عليه أيضاً أن يؤذى في دينه وفي عاطفته وفي مشاعره الإيمانية”.
ويختم نصر الله بالتأكيد ان “السوريين يؤمنون بأن الخير كل الخير في ما يأتيهم من الله حتى لو جاء على هيئة حرمان من الحج ولكن الاستياء من حكام السعودية قد بلغ غايته عند السوريين جميعاً”.
حجاج.. “ممنوعون من الحج”
يغالب ابو خالد دموعه وهو يبث لنا شكواه من عدم تمكنه وزوجته وابنتهما من السفر لاداء فريضة الحج بسبب موقف حكام السعودية ويؤكد أبو خالد لـ”موقع العهد” الذي التقاه انه “في هذه الظروف التي تمر بها سوريا كان يتمنى زيارة الأماكن المقدسة ليدعو الله أن يتغمد الشام وأهلها برحمته، لكنه يفوّض أمره إلى الله ويرجو منه أن تختلف الأمور في العام القادم ويتمكن من تحقيق حلم حياته بزيارة قبر النبي المصطفى صلى الله عليه وآله”.
مديريات الحج في سوريا والتي كانت تغص في مثل هذه الأوقات بالآلاف من المتقدمين بطلبات الحج باتت اليوم خاوية إلا من موظفين يكابدون الملل ويقتلون الوقت المليء بالفراغ.
لذلك ذهبنا إلى أحد مكاتب السفر التي كانت تعنى بإرسال وفود الحجيج إلى الأماكن المقدسة لكن الحال لم يختلف كثيرا فالمكتب خال إلا من أصحابه ومن بعض الزوار.
يقول أبو سامر صاحب الشركة لموقع العهد بأن “تكلفة الحج اليوم باتت باهظة جدا لأنها أخذت المنحى الفردي لمن يستطيع ان يتدبر امره فيما كانت التكاليف في السابق وبسبب الأعداد الكبيرة معقولة ومقدورا عليها”.
يتذكر أبو سامر بالكثير من المرارة كيف كان العديد من السوريين يجمعون الليرة فوق الليرة بغية التمكن من السفر وكان الأمر ممكنا لأن مكاتب السفر كانت تضع اسعارا مدروسة تناسب جميع فئات الشعب فلم تكن تكلفة الفرد الواحد تتجاوز الخمسين الف ليرة سورية اما اليوم وبعد القرارات السعودية بات الأمر يكلف حوالي المليوني ليرة سورية وهو مبلغ يثقل كاهل أغلبية السوريين فضلا عن العبء المعنوي الكبير الذي يتحملونه.