الملازم و”الزعيم
عادة ما يتحسس “الزعيم صالح” من ملازم السيد حسين بدر الدين الحوثي، ودائما ما يعجز عن إخفاء ضيقه منها، وماذا في الملازم غير استنهاض الأمة، وهدى القرآن؟ هل في الملازم حديث عن “الزعيم” حتى يتحسس من أي ذكر للملازم ولا سيما حين تهكم على وجود الملازم في مصانع الرجال في الجبهات كما قال في كلمته بالأمس أمام لفيف من أتباعه؟
“الزعيم” تهكم بالملازم بالأمس في كلمة ألقاها في لقاء موسع لقيادات المؤتمر الشعبي العام، حين قال: “رفد الجبهات بالنزول إلى الميدان مش بالكلام ولا بالملازم”، وقال أيضا: “هذا الدستور والقوانين المنظمة ليست من صنع علي عبد الله صالح، وهي من صنع الشعب ومؤسساته الدستور واللوائح والأنظمة ليست ملزمة خاصة بي كنت أدرس بها في المؤتمر الشعبي العام، لا توجد عندي ولا ملزمة أنا هذا الدستور والقانون صنع الشعب”.
طبعا لم يطرح لنا “الزعيم” بديلا للملازم للتعبئة المعنوية للمقاتلين في الجبهات، فهو لم يكن يمتلك إلا أبواق جامعة الإيمان ومطبوعات الشاطر، التي كان يعبئ بإفكها الجنود المغرر بهم في مواجهة أبناء اليمن الشرفاء من أنصار الله في الحروب الست، وقد جرب قلة فاعلية تلك الأدوات، ولا يستطيع أن يوجد بديلا في الجبهات يمكنه أن يصنع بطلا كأبو حرب حسن الملصي، الذي صار المؤتمر يفتخر به، باعتباره أحد أفراد الحرس الجمهوري سابقا، بينما هو في تحركه في مواجهة العدوان تحرك كمجاهد، انطلق مع الله، وفي سبيل الله، بعد أن خلقت منه الملازم رجلا واعيا، خلع تراب الثقافة التي علقت به في سنوات خدمته العسكرية تحت لواء القادة العفافيش، فنشر وعيه في أوساط من حوله، حتى صنع منهم عشرات من أبو حرب، ومن يتابع الفيلم الوثائقي الخاص بأبو حرب في سلسلة الفائزون من إنتاج “قناة المسيرة الفضائية” يعرف ذلك. عموما، هذا الأسلوب الرخيص في التهكم ليس غريبا من “الزعيم”، وليس أمرا مفاجئا، بل يمكن أن نتوقع ما هو أكثر، ولكن لن يكون ذلك مما يمر مرور الكرام، بل مرور اللئام إن شاء الله، مرورا يحتاج إلى تأديب، ونحن جاهزون إن كان يظن بنا غير ذلك.
وفي هذا السياق أحب أن أبحث عن سبب حساسية هذا “الزعيم” من الملازم، وبالإمكان العودة إلى ملازم الشهيد القائد، التي بها الكثير الكثير من المواطن التي ذكر فيها الشهيد القائد السيد/ حسين بدر الدين الحوثي ما يسمى اليوم بـ “الزعيم”، وفيما يلي أسرد طرفا من ذلك، وأعلق عليه:
– تحدث السيد حسين رضوان الله عليه عن تجيير القرآن الكريم من قبل الحكام لمصالحهم السياسية، ففي الحال التي يرمون الآخرين بالكهنوتية تجدهم يمارسونها عمليا، وينفصلون عن صف المؤمنين بمواقفهم الخاضعة لرغبة الأمريكي، يقول السيد حسين في ملزمة الثقافة القرآنية: “{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء: من الآية59) التي دائماً يُقَوْلِبُوهَا مع كل زعيم، وكل شعب علماؤه مرشدوه يسخروها لزعيمهم، ففي اليمن لـ علي عبد الله، وفي مصر لحسني مبارك، وفي السعودية لفهد، وفي الأردن للملك عبد الله، و هكذا يتلاعبوا بهذه الآية! تلاعبوا بهذه الآية. ونسوا نسوا قضية أنه حتى لو فرضنا أن الآية هذه حتى على أصلها أنه أين هم أولئك الحكام الذي يصح أن يقال عنهم: (منكم)؟ ما هو قال: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}؟ وجدنا هؤلاء أولي الأمر لم يعودوا منا، أصبحوا أكثر انسجاماً مع أمريكا، مع سياسة أمريكا، معظمهم على هذا النحو، يرى شعبه يتظاهر يطالب بأن يستخدم النفط، بأن تُقاطع أمريكا وإسرائيل، يطالب حكومته بأن تقاطع مقاطعة سياسية، بأن تقاطع مقاطعة اقتصادية، بأن يوقفوا تصدير البترول، بأن يفتحوا أبواب الجهاد، بأن يعملوا كل شيء.
أليست الأمة هي تنادي بهذا؟ أولئك ما هو موقفهم؟ موقفهم بالشكل الذي تريد أمريكا، هل أصبح صادقا عليهم مسألة (منكم)؟ لو كانوا منا لكانوا مستجيبين لما نطلب”.
– في هذا الموضع يبين الشهيد القائد رضوان الله عليه كم كان “الزعيم” رجل وعود كاذبة، أزرى بتراث عرقوب وتجاوزه بمراحل، وذلك أمر معروف عنه إلى اليوم، وليس أدل على ذلك مشاريعه النووية لتوليد الكهرباء، ولنقرأ ما جاء في ملزمة الدرس الثاني من دروس سورة المائدة: “نقول: تمام.. ثم نرى في الأخير أنه حتى ولا وعد واحد يحققه من الوعود التي وعد بها: إن شاء الله في عام 1986 م كما قال علي عبدالله يوم زار صعدة ستكون صعدة كلها شبكة واحدة بالكهرباء! [87 و89 و90 و91]، ونحن لنا كم؟ سبع سنوات متابعين في كهرباء لمنطقة، سبع سنوات! جلسنا سبع سنوات نتابع في الكهرباء”
– في تعرية مباشرة لسفاهة “الزعيم” يتحدث السيد حسين رضوان الله عليه عن موقف مخزٍ له في اجتماع مع العلماء، وهو في قمة الغرور والغطرسة، حيث زعم “الزعيم” في لحظة عجب فرعوني أنه قد سلم من كل الخطايا والذنوب، وهنا التقط السيد حسين تلك اللحظة المخزية التي سكت الآخرون عندها، ووجه نقده المباشر لهذا الإسفاف المتفرعن، يقول السيد حسين رضوان الله عليه في ملزمة معنى التسبيح: “قالوا كما قال الرئيس عندما اجتمع بالعلماء قال: نحن الأمراء أصلحنا نفوسنا، الباقي أنتم تصلحوا نفوسكم، أنتم تقولون أنه فئتان من الناس إذا صلحوا صلح الناس: الأمراء والعلماء، أو السلاطين والعلماء. نحن صلحنا إذاً أنتم أصلحوا. هكذا قد تكون أنت مع الله تقول: [إحنا خلاص استقمنا! إحنا ما عاد بعدنا] باقي أن تفي أنت بما وعدت به، باقي أنت يا الله تنـزل البركات، وتعطينا كل شيء بسرعة! هل أنت ارتقيت إلى درجة محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ أم أنك قد أصبحت تجعل لنفسك مقاماً هو أعلى من مقام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي يقول الله له: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} أين هي الذنوب التي قد نتصورها نحن بالنسبة للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ لكن مهما ارتقيت، مهما ارتقيت في سلم الكمال لا بد أن تستشعر بأنك ما تزال قاصراً وناقصاً ومقصراً أمام الله سبحانه وتعالى، ما تزال ناقصاً، ما تزال مقصراً، لا تستطيع أن تحيط علماً بكل الدائرة من حولك أنها قد أصبحت كلها طاهرة بنسبة مائة في المائة في كل تصرفاتك، كل أفعالك، كل أقوالك، كل آرائك، كل نظراتك، كل مواقفك، ثم تقول بعد: [ما عاد بعدنا] فإذا لم تر الأشياء تتحقق على ما تريد تسخط على الله سبحانه وتعالى! هذه جهالة”.
– تحدث السيد حسين رضوان الله عليه عن الاختراق الأمريكي والصهيوني الذي تعاني منه الحكومات العربية والإسلامية، وضرب مثالا على ذلك بحكومة “الزعيم” في تلك الفترة، التي تعلم أنها لا تستطيع أن تقف موقفا مغايرا لإرادة الأمريكي، الذي تعرف أنه هو حاملها وحاميها، يقول السيد حسين في ملزمة مديح القرآن – الدرس الثاني: ” يستطيعون عن طريق المخابرات يغيروا علي عبدالله والمؤتمر بطريقتهم، بإمكانياتهم، بتغلغلهم في أجهزة الدولة، هم يستطيعون، وفي أي بلد آخر، لكن هم يختلفون عنا في تفكيرهم، يعرفون أنه لازم النفسية هذه نجعلها تسلِّم، نجعلها تهزم، نجعلها تستسلم، نجعلها تؤمن بأننا نحن أصحاب الحق!”.
– فضح السيد حسين رضوان الله عليه مواقف “الزعيم” النفاقية، التي تنطلق من أسلوبه في ممارسة السياسية الرخيصة، مستغلا قضايا الأمة الرئيسية في التلاعب بعواطف الجماهير، وإبراز نفسه كفارس عربي في مواجهة اليهود، وتحرير فلسطين، يقول السيد رضوان الله عليه في ملزمة من وحي عاشوراء: “عندما ادعى الرئيس وقال: من يريدون الجهاد في سبيل الله فليتحركوا إلى فلسطين عبر أيّ القنوات، نقول: أنت قناة من هذه القنوات فسنتحرك عبرك، إذا افتح مكاتب للتطوع، افتح مراكز للتدريب وسننطلق جميعا نتدرب، وسننطلق جميعا لنقاتل، هذا هو الموقف الصحيح، ونحن نشكر لك هذه العبارة التي قد نراك في أي يوم من الأيام تضطر إلى أن تسحبها: [من كان يريد الجهاد في سبيل الله فهناك إسرائيل يتجه عبر أي القنوات] أنت واحد من هذه القنوات، أنت واحد من المسئولين على طول وعرض هذه الأمة، أنت واحد من الزعماء الذي يجب أن يجعل من نفسه قناة تحتوي هذا الغضب؛ لتبني هذه الأمة بناء صحيحاً تجعل منها أمة مؤهلة لتواجه ذلك العدو. نقول: إذا كنتم صادقين افتحوا مراكز للتدريب، مَوّلِونا، مولوا شبابنا، افتحوا مكاتب للتطوع وسيتجه الشباب وسنحرض الشباب، وسنتكلم مع الناس ليتطوعوا وليتدربوا، وسنتجه جميعاً نتطوع ونتدرب، ونتجه جميعاً نقاتل. لكن أما أن يكون الحديث على هذا النحو فإننا لسنا أغبياء إلى هذه الدرجة. نحن نعرف – من قبل أن يتكلم – أن قضية فلسطين أصبحت بؤرة يحاولون أن يصبوا سخط الناس هنا أو هنا ليتجه إلى هناك، هناك فرّغ سخطك، هناك فرغ غضبك، اخرج اهتف في الشارع ضد إسرائيل، تضامن مع الشعب الفلسطيني، ثم عد إلى بيتك وترى الوضع نفس الوضع، وترى مواقف الزعماء هي نفس المواقف”.
– حذر السيد حسين رضوان الله عليه من الذرائع الأمريكية، وكشف أساليبهم في التغلغل في أوساطنا، طمعنا في ثرواتنا وموقعنا الجغرافي، ولكن “الزعيم” بعد أن تأكد له اليوم ما تحدث عنه السيد حسين بالأمس يشعر بالغيرة الشديدة، ويتذكر كم كان بليدا، إذ كيف أن أجهزة الدولة لم تستطع أن تقرأ له المستقبل بهذه الدقة، ومع ذلك يصر “الزعيم” على أن يغرق في تيهه مجددا، مع أنه قد وصل إلى حال أسوأ من حال عرفات الذي أخبر عنه السيد حسين، لا سيما حين تعرض للاستهداف المباشر من الأمريكيين بصورة مباشرة أو غير مباشرة مرارا، دون أن ينبس ببنت شفة، سواء في تفجير جامع النهدين، أو في محاولة استهدافه في العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، يقول السيد حسين في ملزمة خطر دخول أمريكا اليمن: “وحينئذٍ سيستذلوننا، وحينها ستصبح دولتنا أيضا تحت رحمتهم، ويصبح علي عبد الله كعرفات أيضا، أو أن هذه أشياء افتراضية فقط ليس هناك شواهد عليها من الواقع؟ أليس السعوديون الآن يعجزون عن إخراج أمريكا من بلادهم، يوم دخلوا بحجة الحفاظ على أمن واستقرار المملكة في مواجهة العدو اللدود – كما يقال – العراق وصدام، وملأوا بلدان الخليج العربي، والسعودية بوجودهم، وتواجدهم العسكري وقواعدهم الكثيرة وقطعهم البحرية، تحت حجة حماية هذه الدول من الخطر العظيم ضدهم إيران! ثم عرفوا أخيرا بأن إيران هي من يمكن أن تحميهم أما أولئك فهم كما قال الله عنهم: {أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}).
– كشف السيد حسين مواقف “الزعيم” المهتزة أمام ضغوط الأمريكيين عليه، في سعيهم إلى تحقيق مشروع سيطرتهم على اليمن وعلى المنطقة بأكملها، حيث بدأ ابتزازه بما تورط فيه من قبل حين دعم التوجه الأمريكي تجاه الثورة الإسلامية في إيران، وكذا في دعم الخلايا الإجرامية التي كانت تحت الرعاية السعودية الوهابية، ضمن لافتة الجهاد في أفغانستان، وفعلا.. لم يكن “الزعيم” حينها قادرا على التملص، وقد اضطر أن يرهن البلاد والعباد لهذا المشروع المستهدف للأمة، يقول السيد حسين في ملزمة خطر دخول أمريكا اليمن: “مقابلة صحفية مع الرئيس، أسئلة حول السفينة [كول]، وحول من كانوا يذهبون إلى أفغانستان، يريدون أن يحملوه المسؤولية هو. السؤال الذي يوحي بأنهم يريدون أن يحملوه المسؤولية هو حول المجاهدين الذين ساروا إلى أفغانستان من الشباب اليمنيين فبدأ يتنصل ويقول: هم كانوا يسافرون بطريقة غير شرعية، ولا نعرف عنهم شيئاً. كل من وقفوا ضد الثورة الإسلامية في إيران أيام الإمام الخميني رأيناهم دولة بعد دولة يذوقون وبال ما عملوا”.
وهنا وعند هذا القدر أقف، بعد أن اتضحت الرؤية، فلا غرابة من مواقف “الزعيم” من ملازم الشهيد القائد، فمخاوفه تسير في سياق سنة الله التي قال عنها: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ}، فهي تبدو أمامه كما كان ذلك الطفل الرضيع في عين فرعون، إذ ما لبث موسى أن صار سببا في سقوط عرش طغيانه، وانهيار كهنوته، قد تختلف التفاصيل لكن الطغاة يتشابهون في حقدهم تجاه معالم الهداية وأعلامها، ويشعرون بأن أسباب زوالهم ستكون فيما لم يحسبوا له حسابا.
علي أحمد شرف الدين