تأثير فشل المظلة النووية الأمريكية على الأمن العالمي
تعد الولايات المتحدة الأمريكية، القوة العالمية الوحيدة التي استخدمت الأسلحة النووية على نطاق واسع خلال التاريخ البشري، حيث دخل اسم الجيش الأمريكي صفحات التاريخ السوداء عندما استخدم القنابل النووية لقصف هيروشيما وناجازاكي قبل 65 عاما من الآن، وقد لعبت السياسات النووية الأمريكية دورا كبيرا في انتشار هذا النوع من الأسلحة حول العالم حتى الآن.
ويؤثر التغيير في السياسات النووية الأمريكية في العصر الحالي على الأنشطة النووية لدول مختلفة حول العالم؛ ومن هذا المنطلق سيتأثر الأمن العالمي بالكشف عن السياسات النووية الأمريكية الجديدة NPR والتي تعد رابع مراجعة شاملة للسياسات النووية الاستراتيجية الأمريكية.
في عام 1994 خلال عهد الرئيس بيل كلينتون، تم تقنين السياسات النووية الأمريكية والكشف عنها لأول مرة، كما تم تقنينها للمرة الثانية في عام 2002 خلال عهد الرئيس جورج بوش الابن.
وفي أبريل عام 2010 نشرت وزارة الدفاع الأمريكية مراجعة رسمية خاصة بالوضع النووي؛ لكن لم يكشف أبدا عن النص الكامل لهذه الوثائق، واعتبر نصها الكامل سريا، فاكتفي بنشر ملخص لها، وعادة ما تُقنن كل مراجعة السياسات النووية الأمريكية لمدة 8 سنوات.
وسرعان ما سيعين دونالد ترامب أعضاءً جدد في تشكيلته الحكومية من اجل أن يقوموا بمراجعة الوضع النووي الأمريكي. وترسم مراجعة الوضع النووي الأمريكي استراتيجية الولايات المتحدة وسياساتها النووية وتعد من أكثر الوثائق تأثيرا على الصعيدين الداخلي (في وزارة الدفاع، وزارة الخارجية ووزارة الطاقة) والصعيد الدولي (فيما يتعلق بروسيا، الصين، كوريا، اليابان وحلف شمال الأطلسي).
ومن الأسئلة المهمة التي يجيب عليها الباحثون في مراجعة الوضع النووي الأمريكي لهذه الدورة هو: هل ما زال الردع النووي الأمريكي والمظلة النووية مؤثرين كما في السابق؟
على مدى العقود الستة الماضية، اعتمدت دول حلف الناتو، اليابان وكوريا على القدرات النووية الأمريكية في حال حصول حرب نووية. ويقوم المثلث النووي الاستراتيجي للولايات المتحدة على الأركان التالية:
الانظمة البرية: الصواريخ البالستية العابرة للقارات والقادرة على تنفيذ العمليات بعد دقائق من استلام رسالة حالة الطوارئ.
الأنظمة الجوية: الطائرات القاصفة من طراز بي 2 و بي 52 ذات القدرة على اطلاق صواريخ كروز، القنابل الاستراتيجية غير الموجهة مثل بي83 و بي 61.
الأنظمة البحرية: الغواصات القادرة على اطلاق صواريخ بالستية تحمل رؤوسا نووية والتي يمكن استخدامها على الدوام وتستطيع تنفيذ العديد من الهجمات.
يعتبر المثلث أعلاه من عوامل الردع، وهو ما منع الأعداء من مهاجمة الأراضي الأمريكية فيما كان يمنح الحلفاء احساسا بالأمن وثقة بالردع الأمريكي؛ حيث أن هذه العوامل تنقل للاعداء رسالة بأنهم سيتعرضون لهجوم نووي إذا ما اقتضت الحاجة.
ومع بداية الحرب الباردة، تم تعزيز الأسلحة النووية الاستراتيجية الأمريكية بأنظمة تم نشرها مسبقا لتمنح حلفاء أمريكا (الناتو، اليابان وكوريا) الثقة بأن المظلة النووية الأمريكية ستدافع عن هذه البلدان ضد الأعداء المشتركين في حال تعرضها لهجوم. وضمت اغلب هذه الأنظمة أسلحة نووية تكتيكية وأسلحة نووية غير استراتيجية إلا أنها قادرة على ضرب النقاط الاستراتيجية إذا ما دعت الحاجة.
وخلال الحرب الباردة اعتمدت امريكا على الأسلحة الاستراتيجية النووية بالإضافة الى الأسلحة التكتيكية النووية ذات التأثير المشابه لنظيرتها الاستراتيجية. حيث اعتمدت على مثلث نووي قائم على: 1-الأنظمة البرية: صواريخ كروز وصوايخ بيرشينج اثنين 2-الأنظمة الجوية: الطائرات المقاتلة ذات القدرة الكبيرة على المناورة 3-الأنظمة البحرية: السفن النووية القادرة على القيام بعدة هجمات.
ويشكل المثلثان مؤشورا يمنح حلفاء الولايات المتحدة الاحساس بالأمن، بينما يشكلان تهديدا لأعدائها. واستمر العمل بالمثلث الاستراتيجي بعد نهاية الحرب الباردة رغم تقليص عدد الرؤوس النووية المستخدمة فيه.
أما المثلث التكتيكي فقد ألغي بالكامل. مما أضر بالمؤشور النووي الأمريكي، فأصبحت قنابل بي61 غير الموجهة السلاح الوحيد الذي يمنح حلفاء أمريكا الاحساس بالطمأنينة.
وهذا يجعل تشكيك حلفاء أمريكا وأعدائها بقدرتها على الردع النووي واسع النطاق في أوروبا وآسيا؛ وهذا ما دفع حلفاء أمريكا بالتفكير بخطط نووية مستقلة.
واثر اندثار المؤشور النووي الأمريكي، يحاول أعدائها تطوير أسلحتهم التكتيكية والاستراتيجية النووية وتطوير قدراتهم النووية؛ على سبيل المثال يعتقد الخبراء أن روسيا تملك بين 1000 الى 6000 رأس نووي متطور في مخازنها النووية.
بالنتيجة يتوجب على امريكا إعادة النظر في أسلحتها النووية التكتيكية ومعاودة العمل بالمؤشور النووي مرة أخرى إذا ما أرادت أن تستمر النظرة إليها باعتبارها حليف دولي قوي قادر على حماية حلفائه باستخدام المظلة النووية.
الوقت