خديعة الحرب الطائفية في #اليمن
قلنا أكثر من مرة، وها نحن نكررها للمرة الألف، إن الحرب الدائرة في اليمن منذ شهر مايو 2015م هي حرب إقليمية لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية بحتة. حرب تبحث عن نفوذ جغرافي خلف الحدود. وما موضوع إعادة سلطة عبد ربه منصور هادي وحزب “الإصلاح” إلى صنعاء إلا حصان طروادة يحمل أهدافاً معلنة، وتختبئ داخل هيكله أهداف غير ذلك. كما أن الدين والمذهب لا صلة لهما بهذه الحرب، لا من قريب ولا من بعيد، كما يحاول شياطين الإسلام السياسي بشقيه السلفي و”الإخواني” تصويرها.
و لم يتم إقحام الدين في هذه الحرب إلا لاستنفار المقاتلين إلى الجبهات، حيث تعرف هذه الجهات الإقليمية والمحلية حساسية الدين والعزف على وتر الطائفية لدى شعوبها، وكيف أن له مفعول السحر في مثل هكذا مواقف. ثمة مقولة شهير أطلقها الفيلسوف العربي ابن رشد تقول: “إن أردت أن تتحكّم في جاهل فعليك أن تغلّف كل باطل بغلاف ديني”.
فإن كانت المسألة هي مسألة خطر طائفي يتهدد السعودية والإمارات، لكنا شاهدنا “عاصفة الحزم”، التي شُنّت على الوجود الإيراني في اليمن كما قيل، في العراق، قبل أكثر من 14 سنة على الأقل، بعد الغزو الأمريكي، وبُعيد سيطرة الأغلبية الشيعية على مقاليد الأمور هناك، ناهيك عن تواجد النفوذ الإيراني الحقيقي في ذلك البلد، هذا النفوذ العسكري والاستخباراتي والسياسي والفكري، والذي تعتبره السعودية الخطر الماحق على وجودها وعلى أهل السُنّة جميعاً كما تقول، فضلاً عن أن العراق هو معقل الفكر والحوزات الشيعية التي تحاربها المؤسسة الدينية والسياسية السعودية وتكفّرها وتنعتها بـ”المجوسية” و”الرافضية”.
و بالتالي، فمنطقي أن يكون الخطر على الوجود السعودي آت – وفقاً لتخوّفات المملكة المعلنة – ممّا تسمّيه بـ”الخطر المجوسي” من الجهة الشمالية لها – أي من العراق – ولكن مثل هكذا عاصفة عسكرية خليجية ضد الخطر الشيعي العراقي، وللتصدي للنفوذ الإيراني المفترض، ولقطع اليد الإيرانية هناك، والموجودة فعلاً بدلاً من محاربة ظلها باليمن، لم تحدث، ولا نظنها ستحدث في يوم من الأيام؛ والسبب هو أن السعودية والإمارات يتحاشيان الصدام العسكري المباشر مع القوات الإيرانية ومع العراق ذي الأغلبية الشيعية، ولذا فضلتا (الرياض وأبو ظبي) عوضاً عن ذلك محاربتهما – أي إيران والخطر الشيعي العراقي – بطريقة غير مباشرة وفي مناطق خالية من الوجود العسكري الإيراني الحقيقي.
و مثلما تحاشت السعودية الحرب مع ما يمكن أن نعتبره خطراً شيعياً من الجهة الشمالية لحدودها، وفضّلت بدلاً من ذلك التوجّه إلى الجهة الجنوبية الأقل خطورة، فقد فضلّت الإمارات أيضاً تحاشي الصدام المسلح مع إيران في الجزر الثلاث، التي تعتبرها أبو ظبي جزرها المحتلة (طنب الصغرة والكبرى وأبو موسى)، وذهبت بدلاً من ذلك إلى جزيرة سقطرى في المحيط الهندي وباب المندب. ومن نافل القول، ونحن نتحدث عن أوجه الحروب بما فيها الوجه الإقتصادي، ومنها هذه الحرب، الإشارة إلى أن حجم الإستثمارات الإيرانية في الإمارات العربية المتحدة عام 2014م بلغ 17 مليار دولار!
إذاً، فالصراع كما قلنا هو صراع سياسي تنافسي على النفوذ والمصالح الجغرافية والاقتصادية، وحرب الفوز بالسيطرة على المنافذ البحرية والجزر والمنافذ والموانئ، وبالذات الموانئ الحرة ضمن صراع نفوذ دولي وإقليمي محموم. ولما كان لهذه الحرب كسائر الحروب عبر التاريخ مبررات وشعارات سياسية وأخلاقية تُطلَق الصواريخ والطوربيدات تحت راياتها وألويتها الخفاقة، فقد اختارت هذه الحرب لنفسها الشعار السياسي المتمثل بإعادة السلطة الشرعية الرئاسية المنتخبة، مع العلم أن هذه الدول لا تعترف بمبدأ الإنتخابات، بل لا تعترف بمبدأ الديمقراطية من أساسه، بل قل إن الديمقراطية والانتخابات في بعض دول الخليج تُعتبر ضلالة وبدعة ومدعاة لشق صفّ الأمة، بالإضافة إلى اختيارها للشعار الديني البرّاق ليكون أشبه بمنشّط جسدي ومهيّج شعوري فعّال.
و للتدليل على صحة ما نقول، من أن إقحام الدين والمذهب في هذه الحرب، مثلها مثل حروب عديدة شهدتها المنطقة – حرب 94م على الجنوب، والحرب اليوم في سوريا، والمؤامرة الكبيرة على ليبيا – ليس إلا جلباباً يتقمّصه العسكري والاقتصادي؛ فقد زار السعودية قبل أيام الزعيم الشيعي العراقي البارز، مقتدى الصدر، واستُقبل بحفاوة سعودية منقطعة النظير، وهي الزيارة التي كانت قد سبقتها زيارات لقيادات عراقية، سواءً بصفتها الفكرية الطائفية أو بصفتها الرسمية، مثل قاسم الأعرجي، وزير الداخلية العراقي، وقبله حيدر العبادي، رئيس الوزراء، ومن المتوقع أن يزورها في الأيام المقبلة إياد علاوي، رئيس الوزراء الأسبق، وسياسيون عراقيون آخرون، بل لقد زارها الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، ذاته، مطلع مايو الماضي.
نسوق هنا العلاقة العراقية السعودية ونحن نناقش خديعة إلباس حروب سياسية واقتصادية صرفة لباس الدين، حتى يفهم العِبرةَ سُذّج اليمن، والجنوب بالذات، ممن انساقوا
ببلاهة إلى هاوية الحرب المذهبية، وأضروا أولاً بنسيج المجتمع وعروته الإجتماعية والفكرية، بل كاد هؤلاء البلداء أن يخرجوا القضية الجنوبية من سياقها الوطني السياسي التحرري إلى سكة الطائفية، ويحصروا الخلاف الجنوبي الشمالي بتكفير طائفة دينية وإخراجها عن ديننا الإسلامي الحنيف، ويمزقوا أواصر البلاد من خلال الشحن الطائفي الخطير. وما الإنتهاكات التي تتعرّض لها طائفة البهرة والاسماعيلية في مدينة كريتر، والحرب النفسية والفكرية والتصفيات وعمليات التدمير التي يتعرض لها التراث الفكري الصوفي وأربطته، إلا نماذج لحالة التهتك والتشظي التي يُراد لهذا البلاد المنهك أصلاً أن يصل إليها ويهوي في مجاهلها المروعة، كما سقطت دول وشعوب في المنطقة من قبل
✍ صلاح السقلدي