تعز العز

تسييس الحج بين الادعاء والواقع

في كل عام، ومع اقتراب موسم الحج إلى بيت الله الحرام، تعلو الأصوات المطالبة بفصل الحج عن السياسية، وعدم استخدام السعودية لهذه الشعيرة في إطار مشاريعها السياسيّة، سلباً كان الأمر أم إيجاباً.

السعوديّة، وكعادتها ترفض هذه الاتهامات، تماماً كما ترفض فشلها في إدارة شؤون الحج والحفاظ على سلامة الحجاج، إلا أن تهافت الدعوات الحقوقيّة في كل عام، فضلاً عن البيانات الدولية (الصادرة عن الدول المعترضة على طريقة إدارة السعوديّة لأكبر شعيرة إسلاميّة) تؤكد وجود خلل جذري في طريقة التعاطي (التسييس) وأسلوب الإدارة (ما يتعلّق بسلامة الحجاج آخرها ما حصل في منى قبل عامين)، لكن الإجابة السعودية دائماً كانت: ” المملكة ستبقى الوحيدة المختصة بتنظيم الحج، دون أي تدخلات خارجية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”!

دعوات حقوقيّة

الدعوة هذا العام جاءت من قبل منظمة أصدقاء الإنسان الدولية الحقوقية الدولية التي تتخذ من فيينا مقرّاً لها حيث دعت المنظمة السعوديّة إلى عدم تسييس الحج والعبادات في ظل إجراءاتها تجاه القطريين “بما يؤثر بشكل مباشر على حرية أدائهم لشعائرهم الدينية”، في حين استنكرت منظمة أخرى “تلاعب” السعودية بفريضة الحج.

لم تكتفِ المنظمة بذلك، بل دعت الأمم المتحدة  لاتخاذ الإجراءات اللازمة العاجلة للتواصل مع السعودية ودعوتها إلى وقف إساءة استخدام المناسك لأغراض سياسية، و”رفع القيود التعسفية المفروضة على المواطنين القطريين بما يعيق حقهم وحريتهم في ممارسة الشعائر الدينية الأساسية بشكل واضح وقاس“.

كلام المنظمة الغربية يتقاطع مع تقرير سابق صدر عن المنظمة العربية لحقوق الإنسان التي تتخذ من لندن مقرّاً لها، حيث استنكرت ما سمته تلاعب السلطات السعودية بحرية ممارسة الشعائر الدينية وتوظيفها لفريضة الحج لتحقيق أجندات سياسية، مشيرةً إلى أن بحوزتها معلومات مؤكدة توضح أن وزارة الحج السعودية رفضت التواصل مع وزارة الأوقاف القطرية لاستلام قائمة الحجاج لهذا العام وإتمام الإجراءات الخاصة بتيسير مناسكهم وتوفير ضمانات لسلامتهم.

تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية أشار مؤخراً إلى أن السعودية استخدمت حصص الحجاج وورقة المساعدات المالية للضغط على دول أفريقية ذات أغلبية مسلمة كي تقف إلى جانبها ضد قطر.

في السياق، يقول الدكتور مصطفى اللباد، رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية: إن توظيف ملف الحجاج وحصص الحجيج سياسياً كان – منذ تأسيس المملكة – وما يزال أداة تستخدمها الرياض كجزء من قوتها الناعمة، وهذا أمر طبيعي أن تلجأ لهذه الأداة من أجل فرض هيمنتها في المنطقة، سواء في مواجهة إيران أو في مواجهة قطر.

بين التسييس والفشل

يكاد لا يخلو عام من اتهام السعوديّة إما بتسييس الحج قبل موسمه، أو بالتقصير بإدارة شؤون الحج وتأمين سلامة الحجاج بعد انتهاء الموسم، ما يؤكد وجود أزمة حقيقية تحاول السعوديّة تجاهلها أو نفيها على أقل تقدير.

انطلاقاً من الأزمة الجديدة، ومع مراجعة الأسلوب السعودي في إدارة ملف الحج، تجدر الإشارة إلى جملة من النقاط، أبرزها:

أوّلاً: قد يعتقد البعض أن مسألة تسييس الحج تقتصر على الجانب السلبي، إلا أن هذه الرؤية تعدّ ناقصة، بل يعدّ الجانب الإيجابي (زيادة حصّة الحج لدولة ما لأسباب سياسيّة) أحد أبرز جوانب المسألة. هذا الأمر يعني تأثر حصّة الحج لدول أخرى في ظل إبقاء السعوديّة على عدد معيّن من الحجاج. وأما الجانب الآخر هو اقتناص السعودية العدد الإضافي لغايات سياسيّة، على سبيل المثال، کشفت وکالة “خاما برس” الأفغانية، العام الماضي، إن الشباب الأفغاني يتم تجنیدهم في السعودية للمشاركة في الاعتداء المستمر ضد الشعب اليمني منذ حوالي سنتين. وقد ادلی عدد من أفراد عائلات الشبان الأفغان اللذین أصبحوا مصیدة لسياسات السعودية بشهاداتهم في هذا الموضوع وأعترفوا بفقدان هولاء الشباب بعد زیارتهم لموسم الحج في المملکة العربية السعودية.

ثانياً: وبالعودة إلى مسألة قطر، تدّعي السعوديّة أن العوائق تتعلّق بالجانب القطري في حين أنّها اتخذت منذ بدء الحصار على قطر مطلع يونيو/حزيران الماضي مجموعة من الإجراءات تعيق سفر القطريين الراغبين بأداء الحج والعمرة.

ثالثاً: ما حصل مع قطر ليس بالأمر الجديد، بل تكرّر سابقاً مع ايران، وقبلها مع سوريا واليمن، فضلاً عن دول أخرى. بعد كارثة منى ورافعة الحرم المكّي، وكذلك باركة الملك سلمان لولي العهد حينها، المقام جبرايّاً حالياً، الأمير محمد بن نايف، رفضت السعوديّة في إطار مفاوضاتها مع ايران أن تضمن أمن الحجاج الإيرانيين السعودية التي أكّدت أن الأزمة الخليجية لن تؤثر على الحجاج القطريين، اشترطت أن يكون العبور إلى السعودية لهؤلاء الأشخاص عبر الجو فقط، وتحديد منفذين للدخول، فضلا عن اشتراط الموافقة المسبقة على خطوط الطيران التي يمكن للمعتمر أو الحاج الوصول من خلالها، إضافةً إلى تقييد مسلمي قطر المقيمين خارجها العودة لبلادهم مرة أخرى، والانطلاق من الدوحة إلى الديار المقدسة عبر محطات ترانزيت، حيث لا يمكن السفر المباشر من الدوحة إلى السعودية، الأمر الذي يدحض تصريح وزير خارجية السعودية عادل الجبير بأن بلاده “ترحب بأي زائر لبيت الله الحرام. هذا الأمر ليس بجديد، فقد أكّدت السعودية بعد إغلاقها لسفارتها في طهران على لسان وزير خارجيتها أن ذلك لن يؤثر على استقبال الحجاج الإيرانيين مبرزةً ترحيبها بهم، إلا أن التحرك السعودي على الأرض كان مخالفًا للتصريحات المسالمة، فالسعودية رفضت في البداية منح تأشيرات للحجاج الإيرانيين من خلال السفارة السويسرية التي ترعى المصالح السعودية في إيران أو من أي سفارة عربية في طهران، وأصرت على أن يكون المنح من دولة ثالثة.

تشير هذه النقاط إلى أن الرياض تستغل أماكن الشعائر في السعودية لحاجات سياسية وفي النزاعات بين الدول، بخلاف ميثاق الأمم المتحدة والعهد الدول الخاص بالحقوق المدنية والسياسيّة، وكذلك الميثاق العربي لحقوق الانسان التي ترفض استخدام حقوق أساسية نصت عليها القوانين الدولية من أجل تحقيق أجندات سياسية.

اذاً، يتسم التعاطي السعودي بمزاجيّة واضحة في التعاطي مع مسألة الحجاج، وذلك في إطار الضغط على الحكومات والدول التي تربطها علاقات مع السعوديّة، مقابل رفع حصّة الحجاج للعديد من الدول التي تربطها علاقات جيّدة مع الرياض، لكنها تتلطى تحت مواقف سياسيّة فارغة يعاكسها التعاطي السعودي على أرض الواقع، فإلى متى إدارة الحج حكراً على السعوديّة؟ وهل ستضمن السلطات السعودية أمن الحجاج هذا العام؟ ومتى ستفصل هذه الشعيرة الإسلاميّة عن التسييس؟

الوقت

%d8%a7%d8%b4%d8%aa%d8%b1%d9%83-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%aa%d9%84%d8%ac%d8%b1%d8%a7%d9%85