المملكة الوهابية تقيم تحالفاً ضد الإرهاب الوهابي،مفارقة عجيبة!
بقلم /رضا حرب
على مدى عقود، خاضت السعودية حروبها بالوكالة، وكالة حصرية للارهاب الوهابي، المنتج السعودي الاصيل، وكانت الصفقات التجارية التي تُقدَّر بمئات المليارات سنوياً تشكل ضمانة لسلوكها. الارهاب الذي ضرب في نيويورك لا يختلف عن الذي ضرب في باريس وبرج البراجنة، كلهم نتاج طبيعي لثقافة “الكراهية” وفتاوى قتل “الاخر” التي تصدرها “المملكة الوهابية”. لكن اليوم غير الامس، لم يعد العالم متعطشاً لبترولها ولا راضيا عن سلوكها، باتت عبئاً اخلاقيا وامنياً على العالم، لهذا نشهد انقلاب في المواقف.
في اكتوبر/تشرين الاول 2014 اتهم نائب الرئيس الامريكي جو بايدن حلفاء الولايات المتحدة بتمويل الارهاب (القريب والبعيد يعرف من هم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية). المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، قال ان حلفاء الولايات المتحدة يدعمون الارهاب. في شهر نوفمبر/تشرين الثاني وجه زعيم حزب العمال البريطاني “جيريمي كوربين” الاتهام للسعودية بتمويل الارهاب التكفيري. وقبل ايام وجه عمدة لندن السابق، “كين ليفينغستون”، نفس الاتهام للسعودية واضاف قائلاً “ان روسيا لا تشكل اي تهديد للغرب، التهديد الحقيقي من المتطرفين المدعومين من السعودية”.
وليس غريباً ان يأتي تصريح نائب المستشارة ميركل ووزير الاقتصاد الالماني المعروف بصراحته، سيغمار غابرييل، بعد تقرير المخابرات الالمانية. الوزير الالماني عبر عن سخطه من تمويل السعودية للمساجد الوهابية في اوربا التي تخرج ارهابيين وتعرض امن اوربا للخطر. الحقيقة ان تصريح الوزير وإن جاء متأخراً، كان مفاجأة من العيار الثقيل لانه اقرب الى التهديد من التحذير وبالتالي لا يمكن اعتباره الا بداية لازمات اوربية مع نظام آل سعود.
الحقائق التي افرزتها الحملة العدوانية على اليمن كشفت ان الوضع الاستراتيجي للسعودية متهالك جداً .
العجز على تحقيق اي هدف من اهدافها خلال 10 اشهر من العدوان الوحشي واضح، والعجز على حماية المحافظات الجنوبية اوضح خسائرها البشرية فاقت التوقعات، وخسائرها في المعدات اساءت للصناعات العسكرية الامريكية الامر الذي ازعج الامريكان.
رغم القدرات المحدودة، لم يستعيد اليمنيون الاراضي التي احتلتها السعودية عام 2011 عندما كان الشعب اليمني مشغول بازمته الداخلية فقط، بل نقلوا المعركة في العمق السعودي ليسيطروا على مدن وقرى واذا استمر هذا التقدم اليمني بنفس الوتيرة، بالتأكيد سيحرروا جيزان وعسير ونجران. كما ان الخيارات الاستراتيجية اليمنية واستخدام الصواريخ البالستية اثار مخاوف الامريكيين على حليفهم الاول في المنطقة، بذات اهمية “اسرائيل”. تفوّق المقاتل اليمني بسلاحه المتواضع على المقاتل السعودي المسلح باحدث الاسلحة الامريكية. “عاصفتي الحزم والأمل” لم تحققا اي من الاهداف السعودية الخمسة سوى الخيبة والفشل والقتل المتعمد لآلاف المدنيين العُزَّل (ارتكاب جرائم حرب وفق تقارير منظمات حقوق الانسان)، بينما عاصفة الرد اليمنية في العمق السعودي اثبتت ان السعودية اضعف من ان تكون قوة اقليمية.
فالتصور بان السعودية قوة اقليمية وموقعها على الخارطة الجيوسياسية وفي توازن القوى محفوظ، لم يعد دقيقاً. كان على السعودية ان تراجع حساباتها منذ زمن وتتعاطى مع المتغيرات بواقعية. وكان عليها ايضاً ان تعمل وفق احد جوانب النظرية الواقعية الذي يقول “تُقيِّم كل دولة في المنطقة موقعها وقدراتها وفي اي اتجاه يذهب توازن القوى.” لم يتعلم اصحاب القرار في السعودية من تاريخ الحروب “ان القوة العسكرية لم تعد تشكل دليلا لنتائج النزاعات.”
وفقاً لمجموعة من المعطيات، السعودية تواجه اليوم مجموعة من الازمات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الحادة، وهزائمها على كافة الجبهات تهدد السعودية وحكم آل سعود. من هذا المنطلق قامت السعودية بتوسيع تحالفها العربي الى تحالف “مذهبي” (استئجار المزيد من المرتزقة). لهذا، يجب النظر الى التحالف بعين الريبة لا سيما ان الدول التي تحارب الارهاب على مدى خمس سنوات خارج التحالف. ثم، أيعقل ان المملكة الوهابية ستحارب الفكر الوهابي الذي تحتضنه والذي انتج الارهاب التكفيري؟ الدولة المصدرة للإرهاب التكفيري ستحارب الإرهاب التكفيري! مفارقة غريبة.
ماذا تسعى المملكة الى تحقيقه من إقامة تحالف “سُني”؟ ولماذا بعد فشلها الكارثي في اليمن؟ لماذا يضم التحالف دولاً دعمت الارهاب بينما لا يضم الدول التي تحارب الارهاب منذ خمس سنوات، ايران والعراق وسوريا وحزب الله؟ كيف لعاقل ان يصدق ان صانع الارهاب يحارب الارهاب؟ الكثير من التساؤلات تدفع الى الشكوك بنوايا هذا التحالف “المذهبي”.
بسبب فشلها في حُسن إدارة الازمات الداخلية والخارجية، خسرت السعودية من قيمتها الاستراتيجية ووزنها الاستراتيجي عند حلفائها وباتت اصغر من دولة اقليمية، فقررت توسيع التحالف لتحقيق الاهداف التالية:
اولاً: تثبيت زعامة سعودية على العالم “السُني” والقرار “السُني”، تحركهم كيفما تشاء وتحارب بهم متى تشاء. وفقا لما قاله عادل الجبير باللغة الانجليزية – وجود الحرمين الشريفين تحت حكم آل سعود يشكل حقاً مشروعاً لزعامة سعودية على العالم الاسلامي.
ثانياً: الحصول على صك براءة من التهم الموجهة لها بأنها المصدِّر والممول للارهاب التكفيري. هكذا ينسى العالم او يتناسى مئات الآلاف من الناس الذين قُتلوا على يد الارهاب الوهابي على امتداد الارض ومن كل الاديان والطوائف والمذاهب.
ثالثاً: قطع الطريق امام التقدم الروسي في سوريا وقطع الطريق امام احتمال انضمام العراق الى التحالف الذي تقوده روسيا بعدما تبين ان الولايات المتحدة لم ولن تلتزم بتعهداتها.
رابعاً: اضفاء نوع من الشرعية على دخول تركيا الى شمال العراق. يمكن لتركيا ان تبرر تعديها على السيادة العراقية بمحاربة الارهاب.
خامساً: السعودية تعتبر المقاومة اللبنانية تنظيم ارهابي و”حزب الله” على قائمة الارهاب السعودية. يمكن لهذا التحالف “المذهبي” ان يؤدي الى تعاون سعودي اسرائيلي ضد حزب الله خطأ كبير لا سيما عملية التطبيع جارية على قدم وساق والاعجاب السعودي بنتنياهو وصل لحد اعجاب العبد بسيده.
سادساً: البحث عن انجاز سياسي او عسكري تكتيكي يعوض عن هزيمتها النكراء في اليمن. ثم من الذي قرر ان تكون اليمن جزء من التحالف؟ لا يستبعدن احداً ان تشتعل حرب اليمن مرة اخرى تحت عنوان جديد “محاربة الارهاب الحوثي”، وهذه الهدنة والمفاوضات ليس اكثر من وقتاً مستقطعاً لإعادة التجييش المذهبي.
سابعاً: بعد ان خسرت الكثير من نفوذها في لبنان، تسعى لفرض سطوتها على لبنان من خلال تصنيفها “دولة سنية”. لهذا القرار تداعيات خطيرة على لبنان.
السعودية اليوم تقود المنطقة الى حرب المائة عام. خطورة هذا التحالف “المذهبي” يقسم العالم الى محاور مذهبية ودينية تؤسس لصدام الحضارات او داخل الحضارة الواحدة.