قطر .. ودرس التاريخ المر، وخفايا وأسرار الصراع الخليجي ..!!
لم استطع منع نفسي من الكتابة بحروف من الألم على وطني الغالي اليمن، والذي يرزح تحت عدوان ظالم منذ عامين ونيف، وكل ذنبه ان شعبه وقيادته الشابة إرادة الاستقلال بإرادته وسيادته وان يصبح سيدا على أرضه.. فتكالب عليه العالم وعلى رأسهم مملكة الشر والغطرسة ، المملكة العربية السعودية، حيث جرت الناس إلى خندقها بالمال والنفوذ واقبل المتناقضين جميعا وكل يحمل معه مشاكله ومتناقضاته إلى ارض المعركة التي استمرت إلى يومنا هذا – أي عامين ونيف – سطر خلالها شعبنا اليمني المستضعف والفقير أسمى وأقدس آيات الصمود والتصدي ، وقف حافيا، جائعا، بيده الكلاشنكوف ، مدافعا بفخر وقناعة وإيمان بعدالة حقه وقضيته في العيش بكرامة.
وللأسف الشديد كان من بين الذين تحالفوا ضد شعبي، دولة قطر بلدي الثاني، وأنا أقول هنا بلدي الثاني، ليس تجاوزا، أو من باب أدب الكلام أو الانتماء القومي، إنما هي بلدي الثاني بحكم المولد، فانا من مواليد مدينة الدوحة عام 1971م، من أسرة يمنية كانت مغتربة في ذلك البلد العربي، وأمضيت فيها طفولتي وسنين الدراسة، ثم خدمت ككل أبناء المغتربين المولودين فيها في سلك القوات المسلحة، وسمحت لي هذه الخدمة بان أعيش تجربة تاريخية لها بالغ الأثر في الأحداث التي تمر بها اليوم.
ان الاعتقاد بان ما يعتمل اليوم بين السعودية وقطر هو نتاج لاندفاع الأخيرة بعلاقات مميزة مع إيران، أو الأخوان هو وهم وقفز على الحقيقة..
حقائق تستلزم التوضيح
يا سادة ان هذا الصراع الذي نشهده اليوم له أبعاد تاريخية وسياسية مرسخة في العلاقات بين الأسرتين الحاكمتين (آل سعود، آل ثاني)، وهناك حقائق تستلزم التوضيح وهي كالتالي:
آل سعود حكّام السعودية، و آل خليفة حكّام البحرين، و آل الصباح حكّام الكويت، جميعهم ينتمون إلى قبيلة (عنيزة) الشمالية من الجزيرة العربية… أمّا آل ثاني فهم قبائل تميم أو ( حوطة بني تميم) شرق الجزيرة العربية، وهم قبائل عرفت تاريخيا بالشراسة والمراس في القتال من الفتوحات الإسلامية ، فهم عرب اقحاح عكس قبائل الشمال التي اختلطت دماءهم، وأنسابهم بأهل العراق وسوريا والشام من داخلها من الغزاة والمستعمرين.
حكّام البحرين
هناك صراع تاريخي بين آل ثاني وأسرة آل خليفة التي تحكم البحرين، وأبناء عمومه آل سعود على شمال منطقة قطر وبعض الجزر المهمة كجزر حوار وفشت والدبيل، لأن آل ثاني قاموا بطرد آل خليفة من منطقة الزبارة والشمال، وخسروا كل هذه الجزر، ما عداء جزيرة حوار التي سلمها الاستعمار البريطاني لآل خليفة حكّام البحرين كتعويض ولضمان ولاء الأسرة الحاكمة للتاج البريطاني الذي ساندها ووقف إلى جانبها في صراعها المرير مع شيعة البحرين أصحاب الأغلبية السكانية.
قوة كوماندوز
نشب صراع بين قطر من جهة والبحرين والسعودية من جهة أخرى عندما تم اكتشاف ثروة الغاز في (حقل الشمال) في قطر والذي يمتد في البحر حوالي 50 كيلومتر تقريبا، ودفعت المملكة العربية السعودية، مملكة البحرين إلى احتلال جزيرة (فشت الدبيل) التي تبعد عن الساحل القطري 48 كيلومتر تقريبا على ما أتذكر ان لم تخني الذاكرة، أي أنها تقع على أطراف حقل الشمال الغازي، في محاولة لإيجاد موطئ قدم للبحرين في حقل الشمال، ليصبح لها الحق في جزء من الثروة، والسبب ان البحرين منذ السبعينيات تعاني من نضوب الثروة البترولية لديها، وتعمل على حقن آبارها لإعادة استخراج النفط القليل أصلا، وكان حتما على حكومة البحرين تعميق الحفر في آبارها، إلا ان هذا التعميق سيؤثر سلبا على حقول رأس تنوره السعودية التي تدعم الميزانية السعودية بجل الإنتاج النفطي السعودي مما اخطر المملكة السعودية لإبرام صفقة مع النظام البحريني تقوم السعودية بموجبها بدعم ميزانية البحرين بمبلغ من المال مقابل عدم تعميق البحرينيين لحفر آبارهم النفطية ، وأصبحت البحرين عبئا على السعودية منذ ذلك الحين.
وحاولت السعودية دعم البحرين لاحتلال الجزيرة القطرية ليصبح لها جزر من الثروة الغازية والتخلص من التزاماتها المالية تجاه النظام البحريني، إلا ان هذا المخطط سقط نتيجة لموقف قطر وولي عهدها في ذلك الوقت حمد بن خليفة آل ثاني المتصلب وقيامه بإرسال قوة كوماندوز ، واعتقلت المفرزة البحرينية وبعض العمال الذين شرعوا في بناء بعض المرافق وأعلنت حالة الطوارئ والحرب بعد هذا الحادث، واستمرت حالة الحرب شهرين كاملين، أي تدخلت بقية الدول وحلت الأزمة من خلال لجوء البلدين إلى المحكمة الدولية، واعتبرت تلك صفعة مدوية للنظام السعودي، وشكلت حالة حقد دائمة بين الأسرتين الحاكمتين إلى يومنا هذا.
عدو متربص
استولى الشيخ حمد بن خليفة في العام 96م تقريبا على الحكم وهو الأمر الذي لم يكن مرحبا به من قبل النظام السعودي والبحرين لما عرف عن الرجل من العناد والصلابة منذ ان كان وليا للعهد، ونائبا للأمير، وقامت هذه الدول مجتمعة وبالتعاون مع الأسرة الحاكمة بالإمارات آل نهيان والنظام المصري في ذلك الوقت في تدبير حركة انقلابية مضادة، ولكنها فشلت وطفا على السطح شكل من أشكال الصراع الدائم والعداوة المستدامة بين حمد وأبناءه هذه الأسر الحاكمة، ولم تفلح كل الوساطات والاتفاقات المتلاحقة في محو هذه المؤامرة من ذاكرة القطريين وأسرة الثاني والتي رأت في النظام السعودي عدو متربص دائما بقطر وبالأسر الحاكمة فيها وخاصة حمد بن خليفة وأبناءه والذي بدوره حاول سحب بساط الزعامة من أسرة بني سعود من خلال تبنيه الحركة السلفية الوهابية والاخوانية التي بدت إنها تحت ضغط أمريكي وأوروبي في المملكة السعودية فبدأت بالتسرب إلى قطر وتشكيل قطر كقطب جديد في المنطقة أثرت في الأحداث ودعمت الإسلام السياسي إلى ان وصل إلى سدة الحكم في تركيا، واكتمل رعب المملكة عندما جاء الربيع العربي وبدت قطر كداعم لهذه الثورات المتلاحقة ودفعت بحركة الإخوان إلى سدة الحكم في مصر وتونس واليمن وليبيا وكادت ان تدفع بهم إلى حكم الإمارات وسوريا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر في السعودية والبحرين والإمارات، وهزّت العروش في هذه الدول إلا أنها خوفا ورعبا من موجة الربيع العربي آثّرت الصبر والتروي وتحيّن الفرص ، حتى تمر الموجه الثورية، وخرجت قطر من تجربة الربيع العربي أكثر قوة وحضورا في صراع المحاور، اي أنها مع ذلك كسبت الكثير من العداوات مع الأنظمة العربية العميقة والتي ترنحت، ولكنها لم تسقط، وان سقطت فكانت تسقط تكتيكيا لتعود بعد انحسار المد الثوري للانقضاض على هذه الثورات والعودة للسلطة من شباك الثورات المضادة، ما جعل القطريين يراجعون حساباتهم السياسية، وإعادة ترتيب بيت الحكم، وانزواء الأمير حميد بن خليفة ورئيس وزراءه حمد بن جاسم عن المشهد السياسي لصالح تميم بن حمد والشباب الذين بدورهم انتهجوا سياسة جديدة لتحسين صورة قطر خارجيا بانتهاج سياسة أكثر هدوء، أو ترك الزعامة المذهبية لتركيا والاكتفاء بلعب دور المايسترو ظنا منها أنها لقنت جيرانها العرب والخليجيين درسا قاسيا بان قطر الدولة الصغيرة عظمها حر، وأنها قادرة على هز العروش.
حليف لدود
وصول سلمان الحقود إلى الحكم – هذا الطاغية عُرف كأحد أمراء آل سعود بخصلتين متناقضتين ( الكرم – الحقد والفجور بالخصومة) – وحتى نكون عادلين ومنصفين فقد عرف الأخوان سلطان وسلمان بالتنافس في الكرم ودعم الجمعيات، والسخاء في البذل والعطاء، كما عرفا بحقدهما وفجورهما بالخصومة سواء داخل الأسرة الحاكمة أو خارجها، فهما لا يتورعا عن سفك الدماء والقتل للخصوم، في تناقض عجيب.. وشكّل وصول سلمان إلى الحكم علامة فارقة في تاريخ المملكة وعلاقاتها العربية والخليجية فبدأ بتصفية حساباته عربيا في سوريا واليمن وليبيا ومصر، ونصحه المقربين بتأجيل ملف قطر والعراق لحين ترتيب الملفات في هذه البلدان التي تبدوا أكثر خطورة وإلحاح ، وحتى إعادة صياغة العلاقة مع الولايات المتحدة (الحليف اللدود) ونهاية حكم الرئيس الأمريكي السابق اوباما الذي كان متربصا بمنطقة الخليج وكل الأنظمة الديكتاتورية العربية، وساعيا إلى التغيير فيها، وجاءت اللحظة التاريخية بصعود ترام بالى السلطة، وعرف سلمان بان الرئيس الأمريكي الحالي ” ترامب التاجر” هو ضالته التي يبحث عنها، وهو الرجل “البزنس مان” البرجماتي، الذي لا أخلاق له، ولا عهد ، ولا ميثاق له، راميا له هو وابنه – أي لترامب – عدة مليارات بهدف التفرغ للنظام القطري، والقضاء على أسرة حمد بن خليفة وأبناءه، والدفع بفرع هزيل من الأسرة ، لتسبح قطر في فلك آل سعود ، وتقسيم ثروتها الغازية مع البحرين، وسيرتد الجميع إلى العراق لإعادة صياغة نظامه السياسي أو إعادة تقسيمه من جديد..
سلمان وزبانيته
هذا السيناريو الذي يجري الإعداد له في عاصمة مملكة الشر.. فهل تتدخل العناية الإلهية والقدر لحمايتنا من هذا المخطط الشيطاني لسلمان الحقد والكراهية، وان يرتد سهمه إلى نحره؟ وتستطيع قطر ان تنجوا من هذا المصير المشؤوم ، وتعيد حساباتها، وان تستخدم ثروتها وإمكانياتها السياسية بشكل صحيح لإنقاذ نفسها، وإنقاذ المنطقة من الملك سلمان وزبانيته وأتباعه من العربان الخانعين في الإمارات والبحرين ومصر والأردن وحكومة الفنادق ( عبدربه منصور هادي وعملائه )، والتحرك ضمن قوى معسكر الممانعة، وضرب المخطط السعودي، بالتعاون ، وإعادة صياغة العلاقات القطرية مع العراق وإيران وسوريا واليمن وروسيا وتركيا، وإعادة صياغة حركة الأخوان المسلمين والجماعات السلفية ، لتصبح حركات وطنية إسلامية حقيقية، وليس أدوات بيد المستعمر الغربي..؟، والتحرك لإنقاذ الأمة والمنطقة، وضرب رأس الأفعى ( مملكة الشر)، والقضاء عليها، وتحرير شعب نجد والحجاز والبحرين والخليج العربي من لعنة آل سعود، ويكون (سلمان الحقد) آخر ملوكها..؟.. هذه آخر أمنياتي وأمنيات الشعوب العربية، وأنا إذ لا أنكر تعاطفي الشديد مع قطر حكومتا وشعبا، وأرجو ان لا يؤاخذني الأخوة الرفاق والحفاء من القوى الوطنية اليمنية المناهضة للعدوان السعودي، لأن قطر حتى الأمس القريب كانت واحدة من دول هذا العدوان ولو على استحياء بمشاركتها المتواضعة في حماية حدود مملكة الشر، وهي مشاركة رمزية لتأمن به من شر (سلمان الحقد) ، ولم تسلم للأسف..
فأقول للجميع في أنصار الله وحلفاؤهم ، والمؤتمر الشعبي العام وحلفاءه ، العفو منكم، فأنا متعاطف مع قطر، وشعب قطر الحبيب، ولا استطيع ان اخفي هذا التعاطف، وأملي بان يكفّر النظام القطري عن ذنوبه بدعم جهد عسكري وسياسي حقيقي للقضاء على (سلمان الحقد والكراهية ونظامه الدموي)، وإعادة صياغة وإصلاح النظام العربي ككل، وإعادة تفعيل الجامعة العربية وعودة التضامن العربي ( كان، وكان، نرجع حيث كنّا)..
والله الموفق…
✍️أ.سفيان العماري
القائم بأعمال أمين عام حزب الشعب الديمقراطي (حشد) – اليمن