تعز العز

النفاق الغربي والوهابية السعودية ..تواطؤ مفضوح في تصعيد الأرهاب(3)

من المهم التنويه على الدوام الى أنّ تعامل ” الغرب السياسي ” مع مفهوم ( الإرهاب ) ، يتسم بازدواجية المعايير والکیل بعدة مكاييل ، وهو لايحتكم الى لغة العقل والمنطق والإنصاف في أغلب الأحيان.
ويعتبر تغاضي حكومات اوروبا والولايات المتحدة وكندا عن الإرهاب المنظم الذي تمارسه ” اسرائيل ” الغاصبة منذ عام 1948 وحتى لحظة كتابة هذه السطور، وصمة عار في جبين صُنّاع القرار والمؤسسات الرسمية والنيابية والسياسية في هذه البلدان التي تتشدق بالقانون الدولي ، بل وتجاهر ايضا الإدعاء بأنها هي من سنّته للبلدان والشعوب من خلال المنظمات والهيئات الدولية وعلى رأسها “الأمم المتحدة” و ” مجلس الأمن الدولي” و ” المجلس العالمي لحقوق الإنسان ” وغيرها مما تسمى بمؤسسات المجتمع الدولي.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الدوائر السياسية في ” كندا ” تكاد تقيم الدنيا ولاتقعدها تحت ذريعة ” متابعة ملف حقوق الأنسان بإيران” . حيث ان وقاحة حكومة “اوتاوا ” قد تمرّدت على جميع الأعراف والمبادئ الأخلاقية عندما اتخذت هذا الملف الكيدي ك “قميص عثمان ” للنيل من الجمهورية الإسلامية والتشهير بها في دورة هذا المجلس بكل عام . في حين أنها تتعامى ، وبلا أدنى حياء أو خجل ، عن كل جرائم الحرب الصهيونية اللاإنسانية بحق الشعب الفلسطيني ، والمتواصلة منذ أكثر من 80 عاما ، وآخرها عمليات الإعدام الفورية بدم بارد للنساء والرجال والأطفال الثائرين في انتفاضة المقدسيين او الإنتفاضة الإسلامية الفلسطينية الثالثة على الظلم والإرهاب الإسرائيلي .
ومن المضحك جدا ان كندا (التي هي مازالت تابعة بروتوكوليا لبريطانيا ) لا تكتفي بهذا القدر من النفاق والإنتقائية المنبوذة . بل ان مندوبها في المجلس العالمي لحقوق الإنسان يمارس ديماغوجية عجيبة دفاعا عن جرائم “اسرائيل” كلما حول المجلس اصدار قرار يندد بسلوكياتها الإرهابية في الضفة والقطاع وحصارها العسكري والإقتصادي الجائرعلى منطقة غزة المختنقة باكتظاظ السكان الفلسطينيين، والتي تتعرض لتحطيم انساني بشع وإبادة جماعية مروعة منذ عقد من الزمن ، دون ان يرتد جفن لكندا “المصونة” ولغيرها من ادعياء القيم الحضارية في البلدان الغربية.!!
أمّا تعامي اوروبا واميركا وكندا عن (الإرهاب الوهابي) منذ نحو 90 عاما ، فإنه صادم ومقزّز ومثير للسخرية بشكل لايعقل . فالعجيب أن هذه الدول لم تدخر سياسة وعسكرة وجاسوسية وتدخلا للإطاحة بالأنظمة في العراق وليبيا وتونس ومصر بحجة انها كانت دكتاتورية وتهدد السلام العالمي. في حين انها كانت وما برحت تنظر بعين عوراء الى النظام السعودي الجاهلي وممارساته الطائفية والقمعية المنافية لأبسط معايير حقوق ألإنسان والقيم الديمقراطية والحريات السياسية والدينية.
والأنكى من ذلك كله هوأن الدوائر الغربية جرّأت أنظمة قبلية مثل “آل سعود” و”آل ثاني” و”آل خليفة” وتجّار النفط والبورصة والخيول في الإمارات ، على التحدث باسم الشعب السوري ، صاحب التاريخ العريق في الحضارة والمدنية والثقافة والتنوير الفكري. بل وخوّلتهم بامتلاك ” الكفة الراجحة في تسوية هذه الأزمة السياسية” ، حتى صاروا يتوعّدون ويهددون بدعم المعارضة المسلحة ( اي داعش والنصرة والمسميات التكفيرية الدموية الأخرى) وذلك اذا لم يتخل الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد عن السلطة. فبهذه اللغة المتعالية تكلم وزير خارجية النظام السعودي في “اجتماعات فيينا” خلال شهري اكتوبر ونوفمبر 2015 وأمام ممثلي “الشرعية الدولية” كالأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولة العلاقات الخارجية للإتحاد الاوروبي فضلا عن رؤساء المؤسسات الدبلوماسية لنحو 20 بلدا ومنهم وزراء خارجية اميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وغيرها.
لقد اصيب ممثلو البلدان الشريفة الساعية لإحلال السلام والإستقرار والوفاق الوطني في سوريا ، و في مقدمتهم وزيرخارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدكتور محمد جواد ظريف ، بالدهشة والإستياء الشديد في آن معا ، بسبب الصمت المطبق والغير مبرر لأدعياء ” الشرعية الدولية ” حيال هذه اللغة التصعيدية أو بدقة أكثر (اللهجة الإرهابية) ل “شخص ثانوي” جاء ليمثّل نظاما ينعدم فيه جميع المبادئ الحضارية والعدالة الإجتماعية والحريات الفكرية والأسس الديمقراطية . نظام ثبت للعالم أجمع بأنه (هو العنوان الأول لِمن كرّس التكفير الديني القاتل والطائفية المذهبية ودعم المحافل والمدارس والعصابات السلفية المتطرفة و طبّق التمييز القبلي والقهر الإجتماعي والتدخلات في شؤون دول المنطقة وشعوبها وشكّل التحالفات المشبوهة وأشعل الحروب العدوانية كما في اليمن ، واحتل بلداً هو البحرين الذي ينادي شعبه بالحرية ويطالب بالعدالة والمساواة ، وما لايعد ولايحصى من السلوكيات الإرهابية التى تمارس تحت عنوانها الحدود بذريعة تنفيذ شرع الدين الحنيف ، بينما هي بعيدة تماما عن لُطف الله تعالى وعدله وسماحة الإسلام ونبيه الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو الذي بُعث ليكون رحمة للعالمين ، وليس سيفا مصلتا لحزّ الرقاب وازهاق الإرواح دون وجه حق ، كما هي الأحكام الجائرة التي تطبق بحق المستضعفين والمغلوبين على أمرهم ، في ما يستثنى منها المفسدون والفجار وعاقرو المسكرات والمخدرات والمتاجرون بهما ، والزناة والشذّذ جنسيا والقتلة في عائلة آل سعود ، فأنهم غير مذنبين حسب تصريح من يسمّى بالمفتي الأكبر للوهابية الذي يفصل الفتاوى حسب أهواء أسياده ، ويحرّم حتى انتقاد من اُدين بتهمة جنائية أواخلاقية من امراء السوء والمجون السعوديين وما أكثرهم .!؟).
وأمام ازدواجية التقييم السياسي الغربي لنموذجي الإرهاب الاسرائيلي والسعودي ، يتضح لنا ان ” قاعدة الضرورات تبيح المحظورات” هي المكيال “الأوروأميركي” في تعاطيها مع هذين الثنائي اللذين يمثلان ( وجهي عملة الإرهاب الإستكباري الدولي في الشرق الأوسط ) ، باعتبار تزامن تأسيس دولة آل سعود في شبه الجزيرة العربية مع إطلاق المشروع الصهيوني التوسعي في مطلع القرن العشرين المنصرم.
فالثابت هو(أن الصهيونية والسعودية، هما صناعة بريطانية ـ فرنسية ـ اميركية بامتياز) ، وربما قد يكون من العبث تصور الأستغناء عنهما في المدى المنظور، مادامت “اسرائيل ” تشكل القاعدة العسكرية والإستراتيجية المتقدمة للإمبريالية الغربية في المنطقة ، و طالما أن نظام آل سعود هو خزان البترول والغاز الهائل المتاح بأبخس الأثمان للمصانع الرأسمالية الإستغلالية في الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية ، وهو ايضا السلاح الأكثر فتكا وايلاما للتشهير بالإسلام ولرحمة خاتم الإنبياء والمرسلين (ص) وللإساءة الى القرآن الكريم والمقدسات الدينية للمسلمين ، ومادامت الوهابية المنحرفة تمثل ” الأم الولود” باستمرار للجماعات التكفيرية المتعطشة للدماء بمختلف اسمائها ، ك “جيش الصحابة” و “لشكر جنك جو” في باكستان وبنغلاديش ، و”طالبان والقاعدة” في افغانستان ، ولواء “بيت المقدس” في مصر ، و”بوكو حرام” في نيجيريا وافريقيا ، و”داعش” في العراق وسوريا ( وعلى هذه فقس ما سواها).
إن المرء ليَحَار وهو يتابع الضجة الدعائية التي يقوم بها الغرب السياسي حاليا ، تحت ذريعة التحشيد الدولي للحرب على عصابات داعش بعد تفجيرات باريس 13 نوفمبر 2015 ، فيما تعمد حلف الناتو “عبر تركيا” في اسقاط الطائرة الحربية الروسية”سوخوي 24″ يوم الثلاثاء 24 نوفمبر 2015 فوق الأراضي السورية . اذ من الواضح أن ثمة رسالة اميركية ربما حاولت واشنطن ارسالها الى موسكو مفادها : ” ان على المعنيين بالصراع الدائرالآن الأتفاق ابتداءً مع العنوان الأولي له ، وهو ضمان تأمين المصالح الجيوستراتيجية والجيواقتصادية لأصحاب مشروع الشرق الأوسط الكبير ومنظري الفوضى الخلاقة. اما العنوان الثانوي أو الفرعي والذي هو القضاء على الجماعات المتطرفة وتفكيك ” دولة الخلافة الداعشية ” فهو مجرد تفاصيل هامشية ، ولايعدو عن كونه ذريعة لإعادة صياغة المنطقة الإسلامية والعربية ، وفق المنظور الإرهابي لصانعي القرار المتصهينين في كواليس البيت الابيض والبنتاغون والسي آي ايه.
*حميد حلمي زادة