النفاق الغربي والوهابية السعودية.. تواطؤ مفضوح في تصعيد الإرهاب
توغلت ” الوهابية التكفيرية ” في دول المنطقة لاسيما المحرومة منها، بفعل دولارات البترول السعودية، في وقت كان يمر فيه (الإسلام المحمدي الأصيل) بفترة حرجة يبحث فيها عن حاضنة نقية تحرّر طاقاته التغييرية والإعجازية الكامنة باتجاه تقديم وجهه الإنساني ومبادئه النبيلة ومنطلقاته التوعوية وتوجهاته التضامنية وبطولاته التضحوية ـ الإيثارية ومقاومته الباسلة بوجه الظلم والعدوان والإحتلال الغاشم واصراره الحازم على استعادة الحقوق المشروعة وتحرير الأوطان والتمسك بالثوابت العريضة لعموم الأمة .
وعندما تكللت ثورة الشعب الإيراني المؤمن بالإنتصار الباهر (11 شباط 1979) نتيجة التضحيات العظيمة لأبنائه البررة والمجاهدين، وقف آل سعود وعقيدتهم الوهابية المنحرفة منها موقف العدو اللدود والغريم الغادر والمتربص الحقود، لا لذنب سوى أن غالبية المسلمين الإيرانيين يلتزمون مذهب أهل البيت النبوي الشريف، وأنهم شيعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)..!!؟
وقد تجلى هذا الحقد الطائفي البغيض من خلال الدعم المطلق الذي قدمته السعودية والبلدان الخليجية النفطية لطاغية العراق المقبور صدام حسين الذي شن حربا ظالمة على الجمهورية الإسلامية الفتية دامت ثمان سنوات (سبتمبر 1980 ــ أغسطس 1988) تحت ذريعة “حماية البوابة الشرقية للأمة العربية” . كما كرس الدكتاتور شعاراته الشوفينية العنصرية عندما اطلق على حماقته إسم “قادسية صدام” ظناً منه بأن ذلك سيمكنه من استغفال الشعوب الإسلامية والعربية أو إقناعها بـ”مشروعه القومي الزائف” ضدّ ثورة الإسلام المظفرة في (إيران سلمان المحمدي).
لقد جسدت تلك الحرب العدوانية ذروة الإستكبار الإمبريالي الصهيوني و”الجاهلية العروبية الطائفية”، وأّسّس لمنظومة “الإرهاب الدولي المنظم” المناوئ للمشروع الإسلامي الحضاري والتنويري والثوري الذي خرج الى العلن بعد طول غياب. حيث اصطفت فرنسا وبريطانيا وغيرهما من دول اوروبا الى جانب الولايات المتحدة الأميركية وكندا واسرائيل والسعودية والنظام الرسمي العربي التساومي، ووقفت جميعا بكل امكاناتها وطاقاتها وميزانياتها وانظمتها الرادارية والتجسسية، خلف عدوان النظام العراقي البائد وشعاراته الباطلة المنافية للقيم الإسلامية والإنسانية.
كما اقدم النظام السعودي على ارتكاب (جريمة القرن العشرين) عندما قتل جلاوزته ومرتزقته المئات من الحجاج الإيرانيين وغيرهم ـ عدا من جرحوا ـ باستخدام مختلف وسائل الفتك الحاقدة، ومنها الرصاص الحي والغازات السامة، بتاريخ 31 تموزـ يوليو عام 1987 م الشهير بـ(يوم الجمعة السوداء 6 ذي الحجة 1406 سنة هجرية). لقد كشفت تلك الجريمة النكراء للأمة كلها الماهية الإرهابية التكفيرية لخونة الحرمين الشريفين الذين سوّلت لهم انفسهم الشريرة استباحة دماء المسلمين وأزهاق ارواح ضيوف الرحمن في مكة المكرمة وعلى مقربة من البيت الحرام الذي وُضع قياماً للناس وأمنا. في ما كان تبرير النظام الطائفي للجريمة مثار سخرية المسلمين والمراقبين وأحرار العالم كافة ، الذين ادانوا تلك الوحشية البربرية، ولم تنطل عليهم الدوافع السياسية والطائفية والكيدية للمملكة الوهابية الفاسدة.
وامام هذا الإجرام المتعمد اتخذت “الإنتهازية الغربية” موقف التجاهل والتشفي والتعامي حيال تلك المجزرة الإرهابية، نكاية بالشعب الإيراني وقيادته الربانية، وعقابا لهما، لأنهما أذاقا الإستكبار العالمي مرّ الهوان ، وساندا بالثورة والجمهورية الاسلاميتين قوى الجهاد والتحرر والمقاومة الباسلة في المنطقة العربية والعالم الإسلامي ، وبخاصة في فلسطين ولبنان. وهكذا دأب “النفاق السياسي الغربي” ولايزال على تبني مدرسة “التطرف الديني الوهابي” ابتغاء تشويه الإسلام المتسامح الرؤوف، دون ان يأخذ بالحسبان ، العواقب المستقبلية الوخيمة لهذا الإنحياز المصلحي الى جانب الباطل وزعمائه، على مستوى اوروبا والولايات المتحدة وحلفائهما في قادم الايام.
على صعيد متصل وانطلاقا من الأرضية العقائدية للوهابية المنحرفة ، يمكن للأمة الاسلامية والبشرية ، ان تستنتج أيضاً ، اسباب عدم اكتراث آل سعود وعبيدهم في مؤسسة فتوى وعاظ السلاطين، بالأرواح البريئة للآلاف من ضيوف الرحمن الذين استشهدوا تراكما واختناقا ودهسا جراء حادثة التدافع يوم عيد الأضحى 10 ذي الحجة سنة 1436 هجرية في مشعر منى. لقد أدان العالم وجميع من حضروا ذلك الموسم الدامي للحج “التنصل السعودي ـ الوهابي التام” من تحمل مسؤولية تلك المجزرة ، وماجرى قبل ذلك بأسبوعين من وقوع ضحايا شهداء وجرحى ابرياء في حادثة سقوط الرافعة على بعد أمتار من الكعبة المشرفة يوم 11 سبتمبر 2015، وإلقاء هذا الثنائي الفظ، بتبعات كل ما حصل نتيجة للإهمال وسوء ادارة وتدبير شؤون الحجيج الذي صدر عنهما، على عهدة “القضاء والقدر” أو على “عدم التزام بعض الحجاج بالنظام” وتبريرات جوفاء اخرى.!!!
فمن هذه النهايات المأساوية يمكننا ان نفهم “النظرة التسطيحية والتملّقية” للدين والحياة ، باعتبارها الركيزة الفقهية والإديولوجية لـ”الإسلام الوهابي” المستعد لتبرير كل موبقات الحكام والأمراء السعوديين، وتبرئتهم من أي أدانة حتى وإن ثبتت عليهم التهمة بالجرم المشهود . الأمر الذي يحرضنا على القول ودون أي مواربة: (بأن مصائب الأمة الإسلامية وويلاتها قد تضاعفت وتفاقمت عندما صار آل سعود في بلاد الحرمين وآل ثاني في قطر وآل خليفة في البحرين ومرتزقتهم من القتلة الإرهابيين في داعش وطالبان والقاعدة ولشكر “جنك جو” وأشباههم، هم الناطقين باسم الإسلام أمام الرأي العام العالمي).
ومن نافلة القول ونحن إذ تعرضنا في هذا المقال الى واقعة التدافع المفجعة في مشعر منى، ان نبتهل الى الله العلي القدير بطلب الرحمة والرضوان وجنات النعيم لـ(السفير الإيراني الشهيد الدكتور غضنفر ركن آبادي) ولآلاف الحجاج الشهداء من مسلمي العالم الذين فقدوا ارواحهم الطاهرة ضريبةً لِلاأُبالية نظام طائفي جاهلي جلف، فرّط بأرواح ضيوف الرحمن دون أن يعترف بأدنى ذنب او تقصيرعن ذلك.
فمن الواضح والثابت في آن واحد، أن آل سعود خانوا أمانة الالتزام بواجبات رعاية شؤون الحجيج وخدمتهم والسهرعلى راحتهم بكل صدق وإيثار، واحترام خصوصياتهم، والتفاني في سبيل المحافظة على حياتهم وكرامتهم. كما انهم استهانوا بمهمة الإخلاص والتضحية من اجل حماية مصالح البلاد والعباد والثروات في أرض مهبط الوحي الإلهي. واستعاضوا عن هذا الواجب بالإنصراف وبكل ثقلهم، الى إشعال حروب عدوانية عبثية وتأجيج صراعات فتنوية طائفية في اليمن والبحرين وسوريا والعراق ولبنان وليبيا وباكستان وافغانستان وغيرها. السلوك الذي لم يجر على المنطقة سوى المزيد من الفوضى والدمار والنكبات والموت الأسود .
بقلم: حميد حلمي زادة