إسرائيل وباب المندب: أطماع من الزمن البريطاني
يعود التواجد الإسرائيلي في باب المندب إلى ستينيات القرن الماضي، وتحديداً عندما قررت بريطانيا، وعلى وقع ضربات المقاومة وتوسع حجم العمليات الفدائية، الرحيل من عدن ومن المحافظات الجنوبية. قبل ذلك، كانت إسرائيل قد نسجت خيوط العلاقة مع دولة إثيوبيا، واستفادت منها في إيجاد موطئ قدم لها في منطقة جنوب البحر الأحمر، عبر استئجار جزر إثيوبية (قبل استقلال إرتيريا بعقود)، أعقبته محاولات التمدد والتوسع للسيطرة على مضيق باب المندب.
خشية إسرائيل من رحيل المستعمر
وبينما كانت بريطانيا تستعد لمغادرة جنوب اليمن، بما في ذلك الجزر المحتلة ومنها ميون وسقطرى وكمران، سرعان ما تحركت تل أبيب مطالبةً لندن بالابقاء على احتلالها لجزيرة ميون/ بريم، المشرفة على مضيق باب المندب. وتذكر مصادر تاريخية أن بريطانيا استجابت للطلب الإسرائيلي الذي قدم مطلع العام 1967م، ورأت الإحتفاظ ببعض قواتها في جزيرة بريم، بحجة حماية عدن من أي إحتلال خارجي. وبحسب المصادر، فإن الكيان الصهيوني أبدى خشيته من تعرض الملاحة الإسرائيلية للخطر في حال خروج القوات البريطانية ورحيلها عن جنوب اليمن.
وجاء على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي، في 29 يونيو 1966م، القول: إذا سقطت جزيرة بريم (ميون) في أيد غير صديقة، فقد ينجم موقف خطير كما حدث في خليج العقبة وعلى نطاق أخطر، مطالباً بريطانيا بعدم الإنسحاب من الجزيرة والاحتفاظ بها حتى وضعها تحت الإدارة الدولية.
محاولات تدويل باب المندب
شهدت تلك الفترة تحركات للدبلوماسية الغربية، وعلى رأسها البريطانية، تحاول تدويل قضية باب المندب، وتضغط في أروقة الأمم المتحدة بتحويل المضيق إلى مضيق دولي ووضعه تحت الإدارة الدولية. وفي تلك الأثناء، كانت بريطانيا تتفاوض مع الثوار في جنوب اليمن من أجل ترتيب
حذرت إسرائيل عام 1966 من سقوط ميون بـ”أيد غير صديقة”
خروجها من عدن، الأمر الذي دفع اليمن إلى رفض التحركات البريطانية الهادفة إلى وضع المضيق وجزيرة بريم تحت الإدارة الدولية، واعتبرت اليمن الشمالي وقتها أن تلك المحاولات تمثل انتهاكاً صريحاً لمبادئ القانون الدولي وخرقاً لميثاق الأمم المتحدة. وجاء في تصريح الحكومة اليمنية (22 يوليو 1967م) أنها تؤكد للرأي العالم العربي والعالمي أنها ستقاوم بشدة وصلابة كل محاولة تهدف إلى تدويل جزيرة بريم، وتستخدم حقها المطلق في الدفاع الشرعي عن أراضيها وسلامتها من التجزؤ والانتقاص.
وتحركت اليمن وقتها لدى الجامعة العربية، مطالبةً بموقف عربي حازم وموحد تجاه ما توارد من معلومات بشأن التواجد العسكري الإسرائيلي في منطقة جنوب البحر الأحمر، بل والتلويح باحتلال جزر يمنية، إلا أن الدول العربية كانت تعيش مرحلة ما بعد نكسة حزيران 1967م، ولم تجد التحركات اليمنية أي تفاعل من قبل الدول العربية.
حينها، كانت إسرائيل قد استكملت تواجدها العسكري في جزر إثيوبية (على الضفة الغربية من جنوب البحر الأحمر)، وكانت التقارير الإستخبارية قد وصلت عدداً من الدول العربية حول ذلك التواجد، وقامت بعض الدول كالسودان بنقل تلك المعلومات إلى الجامعة العربية.
تحركات إسرائيلية لاحتلال ميون
واستمرت المحاولات اليمنية للفت انتباه الدول العربية وتقديم المساعدة لها لمواجهة أي مخاطر قد تحدث جراء تضاعف التواجد العسكري الإسرائيلي جنوب البحرالأحمر، لاسيما وأن اليمن لم تكن تمتلك قوات بحرية قادرة على المواجهة وحماية الجزر.
وتطورت الأحداث إلى تسجيل أول محاولة إسرائيلية لاحتلال جزيرة ميون مطلع العام 1969م، وتحدثت حكومة “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” إلى الجامعة العربية بذلك، محذرةً من تحركات إسرائيلية وبمساعدة إثيوبية لاحتلال جزيرة ميون، واستعمالها في ما بعد كورقة رابحة في أي تسوية قادمة بالشرق الأوسط.
و تلقت الأمانة العامة للجامعة العربية، في تاريخ 20 يونيو 1970، رسالة من حكومة “اليمن الديمقراطية الشعبية”، تتضمن معلومات عن النشاط الإسرائيلي الإثيوبي جنوب البحر الأحمر، وعلى إثر الرسالة كلفت الجامعة العربية لجنة برئاسة سورية للوقوف على طبيعة النشاط الإسرائيلي، غير أن اللجنة لم تقم بأي شيء يذكر، وما هي إلا أشهر حتى تقدمت دولة السودان بتقارير بناء على معلومات استخبارية تؤكد ما ورد في التقارير اليمنية.
واحتوت التقارير السودانية على معلومات حول التواجد العسكري الإسرائيلي جنوب البحر الأحمر، منها حركة السفن الإسرائيلية وكافة القطع البحرية الإسرائيلية في جزر دهلك، وتركيب رادرات رصد واستطلاع، واستئجار جزيرة هيليب لإنشاء قاعدة عسكرية، إضافة إلى وجود ما لا يقل عن سبعة آلاف فرد ما بين عسكريين ومهندسين وإذاعة ومحطة لا سلكي ومطار واستراحة.
تقرير/ عبدالله بن عامر