لماذا اليمن ( 1)
ما أطيب أخوتنا في دول الخليج ، بل ما أروع سذاجتنا حينما يراد لنا أن نصدق بعض تصريحاتهم ، وإن شئت فقل إن شخصية المهراجا الهندى الشهيرة بكل تفاصيلها استوطنت دولا أخرى لا تدين بالهندوسية . نفهم أن عاصفة الحزم اصطدمت بجبال اليمن ولم تمطر الا الموت ، ونفهم أن عاصفة الأمل ألقت أثقالها فى حجور المنافقين والمرتزقة ولم تخلف إلا الألم ، ولكن مالا يراد لنا أن نفهمه أن العواصف ظاهرة مناخية لا تستمر اكثر من عدة أيام أو أسابيع على الأكثر وليس ما يقرب سنتين كاملتين دون توقف ودون ضوء ولو يسير ما زال يختفى خلف سحب النار والدخان .
لا أعرف إن كان السيد ضاحى خلفان يبشر شعوب الخليج أم يهدد اليمنيين بما ذكر أنه قرار للمرشد الإيرانى على خامنئى بالانسحاب الكامل من الحرب فى اليمن ؟ فلدينا ولدى غيرنا الاستعداد الوفير لفهم هذا التصريح من السيد خلفان ومن غيره من النخبة الخليجية , ولكن فى ضوء أنهم يريدون وقف الحرب على اليمن على اعتبار انهم انتصروا حققوا الهدف من ترويع صنعاء وتجريف صعدة وتدمير مأرب وذبح الحديدة وقصف كل متر على خريطة اليمن يعتقد أن به مقاتل أو سلاح على مدى سنتين. ولكن هذا لم يحدث فما زالت صنعاء بعيدة رغم كل ما أسقط عليها من مئات الآلاف من الصواريخ , وما زالت المحافظات التى لم تدخلها قوات التحالف أكثر أمنا من تلك التى تخضع لسيطرة الشرعية ، فى حين أن إحدى نتائج الحرب وأكثرها أهمية هى أن عواصم خليجية باتت قريبة وتحت رحمة راجمات الحوثى / صالح المحدودة جدا , إذن فماذا تكون البشرى وما هو المغزى من اطلاق هكذا تصريح ؟
أما إذا كان السيد خلفان وغيره من نخبة الخليج أمثال د فهد الشليمى الذى خاطب الحوثة ومنتسبى حزب المؤتمر الذى يتزعمه الرئيس السابق على صالح ينذرون شعب اليمن , بأنه تم البيع قاصدين أن إيران باعتهم لقوى من خارج الإقليم كما قال الشليمى وأنهم أى الخليجيين هم المشترون . وأنها أى إيران انسحبت من الحرب ، وأن العاصفة ( ستستفرد ) باليمنيين وتكمل ما بدأته وتنهى وجود اليمن نفسه بانتصار ساحق ماحق فهو بالتأكيد محض وهم – وقولا واحدا – فإنهم يغالطون أنفسهم جميعا .
أولا لأن اليمن والقوى المناهضة للحرب فيه ليسوا فقط حوثيين ولا عفاشيين كما تسميهم نخبة الخليج وليسوا فقط جيش ولجان شعبية كما يسميهم الإعلام اليمنى , ولكنهم مئات الآلاف من المقاتلين وملايين من أبناء القبائل التى كانت قد نأت بنفسها عن الحرب منذ بدايتها ولكنها تعرضت للموت والدمار وضاقت بها سبل الحياة على أثر الحصار على مدى العامين الماضيين .
وثانيا لأن إيران بالفعل لم تحارب فى اليمن , ولو حاربت فأين قتلاها وأسراها الذين استهدفوا على مدى سنتين ؟ وأين البوارج والسفن الحربية الايرانية التى أغرقت أو دمرت فى باب المندب أو البحر العربى أو حتى فى المحيط الهندى , ثم أين شحنات ( الريال الإيراني ) التى تم ضبطها ومصادرتها إن كان هناك تمويل لصالح والحوثى , فى مقابل تلك التى ضبطت وتم تصويرها وبث مئات اللقطات لأموال بكل عملات دول الخليج فى أيدى مدنيين ومقاتلين من مرتزقة الإصلاح . وبافتراض أن هناك سلاح وأموال تأتى من إيران فماذا إذن تصنع الأساطيل البحرية والجوية وما الرجاء فى الحصار البرى المفروض على كافة الحدود على مدى شهور الحرب ؟
إذن إيران لم تحارب فى اليمن الذى لا ينقصه مقاتلون ولا أسلحة ثقيلة مخبأة فى بطون الجبال وأخرى خفيفة مكدسة فى بيوت اليمنيين قبل وبعد إعلان الوحدة فى عام 1994, ورغم ذلك نستطيع أن نفهم أن أقصى ما كان يمكن أن تقدم عليه طهران هو توريد السلاح إلى اليمن قبل وأثناء ثورته منذ 2011 وحتى إعلان الحصار عليه فى بداية عام 2015 , وعلى الخليجيين أن يفهموا أن اليمن كدولة وشعب وحدود , هو فى آخر قائمة الإهتمام الإيرانى بالمقارنة بالعراق وسوريا وشرق السعودية والبحرين والكويت بل بمصالحها مع دولة الإمارات نفسها,لا لشئ إلا لأنها تحصد نتائج الحرب العربية عليه دون أن تتقدم أو تتأخر، ولذلك فهى لم تفعل أكثر من أن تطلق التصريحات التى تزيد النار اشتعالا أو تقدم دعما إعلاميا , أو أكثر من ذلك أن تغلق كل السبل أمام اليمنيين ليتشبث بعضهم بمشروعها الأقليمى وربما يدافع عنه نكاية وعندا , بعد محاولة إذلالهم وتركيعهم وبعدما لحق بهم خسائر معنوية ومادية على أيدى أشقائهم . فتكسب هى ما خسره اليمنيون والخليجيون معا. لقد فعلت ذلك سابقا مع العرب فى غزواتهم وعواصفهم وحروبهم فى أفغانستان ولبنان والعراق وسوريا , فما أهون ما زرعته إيران وما أعظم ما تجنيه وما أفظع ما يخسره العرب .
إذن ماذا تعنى تصريحات نخبة الخليج بعد زيارتين قام بهما الرئيس الإيرانى حسن روحانى مؤخرا إلى سلطنة عمان – الجار الطيب – وإلى الكويت – مائدة التفاوض الذى فشل – ؟ وماذا يراد لليمنيين أن يفهموا منها ؟ وهل هى بشارة بتوقف الحرب لزوال أسبابها ؟ أم تهديد ووعيد لمقاتلى الحوثى / صالح بأن الحرب مستمرة خاصة بعد الظهور العلنى للقوات الأمريكية فى وسط وجنوب وغرب اليمن ؟ وإلى أن تجيب الأيام القادمة عن هذه الأسئلة بحقائق على الأرض فلا مانع أبدا من الظن – وبعض الظن إثم – بأن هذه التصريحات ربما تكون مقدمة للنموذج الذى يراد تطبيقه من أجل وقف الحرب على اليمن الذى انقسم على نفسه بالفعل , بمكاسب إماراتية استراتيجية واقتصادية فى عدن وسوقطرة , وقناعة سعودية ولو نظرية بهزيمة ألحقتها بالمشروع الإيراني , وصفقة أمريكية تحت شعار – الحماية مقابل النفط – تمنح الثقة للخليج العربى فى أى مواجهة مستقبلية مع إيران كما يعتقد سكانه .
كاتب مصري رئيس تحرير الاهرام
ابراهيم سنجاب
#تعز_كلنا_الجيش_واللجان_الشعبية
#جرائم_داعش_في_تعز