مكر نتنياهو وتخاذل أوباما
علاقات متوترة بين إسرائيل والبيت الأبيض كانت القاعدة بينهما طيلة سبع سنوات مضت. ومع ذلك، وعلى ضوء سلسلة التباينات الماضية، فإن اللقاء الأخير، في 9 تشرين2/نوفمبر، يشكل أحد حالات الوئام النادرة بينهما.فقد خرج الرئيس الأميركي باراك أوباما عن المألوف في الاعراف الديبلوماسية للترحيب بضيفه، مطلقاً صفحة خاصة به على موقع التواصل الاجتماعي، فايسبوك، صبيحة لقائه ضمّنها بنداً وحيداً عنوانه “اجتماع في البيت الابيض مع رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو”. الصفحة خلت من أي مواقف سوى لغة الترحيب.
وفور انفضاض لقاء البيت الأبيض، جرت تسريبات منسوبة لمسؤولين في الادارة توجز توجهات أوباما بالقول إنه حثّ ضيفه على بلورة خطوات من شأنها “ضمان بقاء المواجهات مع الفلسطينيين إلى الحد الأدنى”، وأضافت المصادر “المسؤولة” أن نتنياهو ينوي اتخاذ تدابير لبناء الثقة مع الفلسطينيين تتضمن “تخفيف القيود المفروضة على شبكة الاتصالات، وحصص المياه، وإصدار تصاريح عمل للفلسطينيين في إسرائيل، وتسهيل عجلة التنمية في الضفة الغربية”.
وتجدر الإشارة إلى ما تجاهله أوباما من مواقف في لقائه العلني، لا سيما وضع المستوطنات التي تعتبرها “السياسة الأميركية الرسمية غير قانونية”، كما غابت صفة الاحتلال عن “أراضي السلطة الفلسطينية”. لعل الأهم ما أوضحه أوباما في اللقاء القصير مع الصحافيين إشارته إلى “طموحات الفلسطينيين المشروعة”، متفادياً وصفها بالحقوق وهو الضليع بالمفردات القانونية ومعانيها وآفاقها في مهنته السابقة كأستاذ جامعي للقانون.
لم يفوّت نتنياهو الفرصة مشيراً إلى تساوي “الطموحات المشروعة” مع منطقة منزوعة السلاح “تعترف بدولة لليهود”، بل استبق زيارته بإعلان حكومته موافقتها على بناء 2،200 وحدة سكنية، كما أوردت صحيفة “هآرتس،” 9 تشرين2/نوفمبر.
الإتفاق النووي الإيراني، جذر الخلاف السياسي الرئيس، قفز عنه أوباما بهدوء معتبراً أنه لا يمثل سوى “مسألة عابرة” بينهما، قابله نتنياهو بتفادي الإشارة إليه بالمطلق.
اللوبي اليهودي “المعتدل” المعروف بـ “جيه ستريت” عبّر عن امتعاضه من الإعلان المنشور على صفحة الرئيس أوباما على فايسبوك استباقاً للقاء البيت الأبيض، حاثّاً إدارة الرئيس أوباما على توضيح موقفه اتساقاً مع السياسة الأميركية المعلنة بأن المستوطنات “غير شرعية”. ويشار أيضاً إلى زيارة نائب الرئيس جو بايدن لفلسطين المحتلة عام 2010، والتي أعلنت فيها حكومة نتنياهو عن التصريح ببناء 1600 وحدة سكنية جديدة على أراضي مصادرة قبل أن تطأ الطائرة التي أقلته مطار اللدّ.
المفاوض الأميركي السابق دينيس روس رحّب باللقاء “كونه يضع لمسة نوعية أخيرة لكليهما .. واللذين يتشاطران الرغبة للقاء، على أقل تعديل، والظهور بأن كل شيء على ما يرام”.
المندوب الأميركي السابق في مفاوضات أوسلو، آرون ديفيد ميللر، اعتبر الرئيس أوباما بأنه “أغلق الباب أمام عملية السلام”، عشية لقائه مع نتنياهو، وأحال “عملية السلام إلى الهامش بجانب حلّ الدولتين”. وأعرب عن “دهشته” لتوقيت إعلان البيت الأبيض ان اتفاق سلام بعيد المنال فيما تبقى من ولاية الرئيس أوباما. وأضاف أن “العديد من الإدارات السابقة اعترفت أيضاً بضعف احتمالات توصل العرب وإسرائيل إلى اتفاقات سلام، ولكنها نادراً ما أصدرت بيانات رئاسية لتأكيد ذلك، ولم يحاول أحد قطّ إنهاء عملية السلام حتى في ظل انعدام فرص إبرام اتفاق حقيقي”.
الصحافة الإسرائيلية كانت أقلّ تفاؤلاً معتبرة أن اللقاء “من المرجح أن يكون الأخير بينهما، والذي ليس له أي لزوم من بين كافة اللقاءات السابقة بينهما”.
ثمّة تغيّرات ظرفية أثّرت على عقد اللقاء:
أولاً: أنجز الاتفاق النووي مع إيران وأضحى أمراً واقعاً ولا يمكن إخراجه عن مساره – على الأقل لما تبقى من زمن لولاية الرئيس أوباما الحالية.
ثانياً: أعيد انتخاب نتنياهو بداية العام الجاري، ومن ثم أصبح لزاماً على أوباما التعامل مع نتنياهو بصرف النظر عن التوتر المشترك بينهما؛ ومواجهة حقيقة أنه ينبغي عليهما العمل مع لنهاية العام القادم.
ومن تداعيات الإتفاق النووي وفرض نتنياهو نفسه على لقاء مشترك لمجلسي الكونغرس الانقسام داخل الجالية اليهودية في أميركا، مما ضاعف من مهام نتنياهو لرأب الصدع مع التيارات “الليبرالية” داخل الجالية وتفضيله القفز على القضايا الخلافية مع أوباما. من المنتظر أن يعقد سلسلة لقاءات مع جناحي الجالية، المحافظ والليبرالي، خلال جولته.
توقيت الزيارة وطلب مزيد من المعونة سيستخدم في حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة واستثمارها إلى أقصى الحدود من قبل الحزب الديموقراطي ومرشحيه لاستقطاب دعم وتأييد اليهود في أميركا، خاصة في ظل مشهد يؤشر على تفوق نسبي لمرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب، على هيلاري كلينتون.
ويدرك أوباما ونتنياهو أن فرصة اللقاء بينهما ربما تكون الأخيرة خلال الفترة الرئاسية الحالية، وذهب بعيداً للظهور بمظهر الحفاوة بضيفه، طمعاً في إقناع اليهود الأميركيين بدعمه الثابت لإسرائيل وتسهيل حصول نتنياهو على الأسلحة الاميركية.
سياسياً، تلاشى حماس أوباما حول رؤيته لحلّ الدولتين منذ زمن، وما جرى التطرق إليه رسمياً هو من باب التذكير بأن الإدارة لا زالت ثابتة على موقفها، رغم انقضاء الفترة الزمنية التي حددها وزير الخارجية جون كيري للتوصل لاتفاق تفاوضي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
حلّ الدولتين غاب عن لقاء البيت الابيض بإقرار اوباما بأنه يستعصي على الحلّ، أوضحه مستشار أوباما لشؤون الشرق الأوسط، روبرت مالي، بأن الرئيس “توصل لتلك النتيجة .. بأن الاطراف المعنية ليس باستطاعتها التفاوض بغية التوصل لاتفاق نهائي”.
جهد نتنياهو للظهور بموقف الحمل الوديع مقارنة بزيارته لواشنطن مطلع العام الجاري والقائه خطاباً في دورة مشتركة لمجلسي الكونغرس، تمهيداً لطلبه بمزيد من الدعم العسكري والمالي الأميركي، قيمته 50 مليار دولار لمدة عشر سنوات، الضرورية لضمان التفوق في “هذا الجزء الخطر” من العالم؛ وتشمل أحدث المقاتلات الأميركية من طراز اف-15 و اف-35، وقنابل دقيقة، واستمرار الانخراط الإميركي في بناء القبة الحديدية. ومن المرجح أن ينظر البيت الأبيض بعين الرضى لتصدير تلك الاسلحة المتطورة.
تردد سابقاً أن نتنياهو سيسعى لاقتناء حاملة طائرات عسكرية، ثبت عدم جدواها نظراً لكلفتها الباهظة وعدم توفر إجماع أميركي لحاجة إسرائيل لها، خاصة وأن مهمتها فرض السيطرة والنفوذ واستعراض القوة على المستوى العالمي، فضلاً عن عدم توفر قوة حماية بحرية ترافقها باستمرار.
لم تخفِ الولايات المتحدة اهتمامها بتطوير “مشترك” لنظام الدفاع ضد الصواريخ الباليستية، إذ يجري حالياً تجارب وأبحاث مشتركة مع إسرائيل في صحراء ولاية نيو مكسيكو وإطلاق عدد من التجارب في قاعدة “وايت ساندز” للصواريخ، وبحضور شخصيات إسرائيلية.
كما تجري الولايات المتحدة تجارب واختبارات على سلاح دفاعي بالليزر السائل والطاقة العالية، هيل آدز، المخصص ضد الصواريخ وقذائف الهاون والعربات المدرعة وصواريخ أرض – جو. ونفذت تجارب سلاح الليزر ضد صواريخ سكود التي حصلت عليها أميركا من دول أوروبا الشرقية، التي يراها الجانبين ضرورية للتغلب عليها.