مجلة فرنسية: اليمن… حرب منسية وجرائم حرب مخفية!
لماذا تدور أحداث الحرب الحاصلة في اليمن في فضاء من الصمت المطبق؟ ما السر في بقاء جرائم الحرب المرتكبة فيها بعيدة عن أصداء الشجب والاستنكار؟
✍باتريسيا لالوند*| مجلة “أوبنيون أنترناسيونال” الفرنسية:
في الوقت الذي تتصدر الحرب السورية والمأساة التي يعيشها سكان حلب وسائل الإعلام وواجهات الصحف العالمية، نكاد لا نسمع همساً ولا صوتاً عما يتعرض له الشعب اليمني من أهوال منذ اندلاع الحرب في مارس 2015: ففي غضون عشرين شهر خلت كانت الحصيلة 10.000 قتيل وأكثر من 30.000 جريح، منهم 1.400 طفل، وفقاً للأرقام الصادرة عن تقارير منظمة الأمم المتحدة؛ وقد ذهب “برنامج الغذاء العالمي” التابع للمنظمة إلى ترجيح أمكانية أن يشهد ما يزيد على 14 مليون يمني موجة عنيفة من المجاعة؛ كما أنَ ملايين الأطفال معرضون لخطر سوء التغذية؛ وهي حالة لم يشهد العالم لها مثيلاً منذ ظاهرة المجاعة التي مرت بها أثيوبيا في ثمانينات القرن الماضي وفقاً لما ورد عن منظمة “اليونيسيف”.
هناك العديد من الأخطاء التي ارتكبتها قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية؛ من ذلك عملية القصف التي تعرض لها حفل تأبين وموكب جنائزي في العاصمة اليمنية، صنعاء، حيث كانت الحصيلة 140 قتيل و500 جريح؛ الأمر الذي يمكن أن يوصف بـ”جريمة حرب” على أقل تقدير؛ أما المستشفيات والمدارس فهي الأخرى لم تكن في منأى من الضربات الصاروخية: فقد تم تدمير 720 مدرسة في حين أصبحت 2000 أخرى غير صالحة للاستخدام على حد قول منظمة “اليونيسيف”.
دعونا نستعرض بعض الحقائق:
في أعقاب ثورات الربيع العربي، أعلن الشباب اليمني انتفاضته ضد الحكم الاستبدادي الذي يقوده الرئيس السابق، علي عبدالله صالح؛ وكانت أهدافهم تتلخص في الحصول على مزيد من الحرية في بلد يُعد من أفقر البلدان في منطقة الشرق الأوسط، إذ يتجاوز معدل الفقر فيه 50٪. ولكن سرعان ما تم تدارك هذه الثورة السلمية واحتواءها من قبل الحركات الإسلامية: حيث كانت توكل كرمان، الناشطة في حزب “الإصلاح” اليمني التابع لجماعة الإخوان المسلمين، والحائزة على جائزة نوبل للسلام، هي من يتقدم صفوف المتظاهرين، مناديه بمزيدٍ من المساحة والحرية؛ ثم من منبر قناة الجزيرة التلفزيونية، عملت على تأجيج المسار الثوري ممهدة لقدوم الحرب ومتحالفة بذلك مع البلد الأكثر رجعية في مسائل حقوق الإنسان والمرأة.
في الإطار ذاته، شرع أنصار السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الحليف الكامن للرئيس السابق، في الانضمام إلى طاولة اللعب مطالبين باستقالة الرئيس الانتقالي، عبدربه منصور هادي، الذي كان تولى القيادة خلفاً لصالح في العام 2012؛ وبالرغم من تنازل هذا الأخير عن السلطة على أثر الانتفاضة الشعبية السلمية إلا أنه ظل نشط على الصعيد السياسي. وحيث أنَ الحوثيين يشكلون جزء لا يتجزأ من المجتمع الزيدي الذي يمثل بدوره إحدى تيارات المذهب الشيعي، فقد أثار هذا الأمر العديد من الشكوك والشبهات حول تلقيهم الدعم والمساندة من قبل طهران.
في الفترة التي أُعلن فيها بدء عملية “عاصفة الحزم”، كان الحوثيون يسيطرون على العاصمة صنعاء، منذ العام 2014، ويستعدون لبسط نفوذهم على مدينة عدن. وفي إطار القرار 2216 الذي صوت عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، شرع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في تنفيذ مخططاته، دافعاً بالحوثيين للخروج من العديد من المدن المسيطر عليها، على أمل أن يتمكن بذلك من الزج بهم في معاقلهم في محافظة صعدة شمالي البلاد.
في يوليو 2015، تمت استعادة السيطرة على مدينة عدن من قبل فصائل المقاومة المناهضة للميليشيات الحوثية، لتقع بذلك في براثن الصراع الداخلي بين جماعات مسلحة مختلفة؛ الأمر الذي مكن تنظيم القاعدة في ظل تلك الفوضى من استجماع قواه وترسيخ قاعدة الدولة الإسلامية في المنطقة. أما الحوثيون فقد ركزوا جهودهم في الحفاظ على سيطرتهم الكاملة على العاصمة صنعاء مستغلين في ذلك تأييد ودعم السكان الرافضين لتلك الحرب المعلنة من قبل الجانب السعودي. أما ثالث مدن البلاد، تعز، التي وقعت فريسة في أيدي الحوثيين وعناصر حزب الإصلاح الإسلامي (التابع لجماعة الإخوان المسلمين)، فهي لا تزال حتى اللحظة مسرحاً للأقتتال العنيف والمواجهات المسلحة.
إذن يمكننا أن نلاحظ أنَ الوضع شديد التعقيد في وجود العديد من الفصائل المتصارعة هنا وهناك، الأمر الذي يجعل من البلاد بيئة خصبة لانتشار مختلف الجماعات الجهادية. كما يمكننا أن نستشف حرب بالوكالة بين المملكة العربية السعودية السنية وجمهورية إيران الإسلامية الشيعية ولاسيما في ظل التدخل غير المباشر للمد الإيراني الذي يتبسم على الدوام في وجه الاتهامات اللفظية الموجهة له جاعلاً من ذلك الصراع محوراً لا مركزي في سياسته الخارجية.
من ناحية أخرى، سارع كلاً من قطر والمملكة العربية السعودية، منذ وصول محمد بن سلمان إلى السلطة، إلى توفير الدعم اللازم للعناصر الاسلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، في حين ظلت دولة الإمارات العربية المتحدة في الصفوف الخلفية، مستبعدة تعزيز قوة جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة من قائمة أهدافها… بل فضلاً عن ذلك تركت أبواب أراضيها مفتوحة للضيافة أمام الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
وفي الإطار ذاته، قررت دول عربية أخرى أن تتخذ نهجاً واضحاً وتعلن عن عدم مشاركتها في ذلك الصراع مثل باكستان ومصر؛ وأخص بالذكر هنا هذه الأخيرة حيث أنها سرعان ما أدركت وجود فخ أمامها يهدف إلى تعزيز قوة جماعة الإخوان المسلمين في اليمن. أما الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا فقد شرعت في خوض غمار المعركة وإظهار المساندة اللازم من خلال صفقات بيع الأسلحة وتقديم المعلومات الاستخباراتية واللوجستية.
حرب مريعة ومخرجات سياسية بائسة:
بائت العديد من المحاولات لإقامة مفاوضات سلام برعاية من دولة سلطنة عمان بفشل ذريع؛ وكذلك كان الحال بالنسبة للعديد من الهدن (وساطات عدة وضمانات متنوعة) في حين يوجه كل طرف – السعودي والحوثي – أصابع الاتهام إلى الطرف الآخر بانتهاك الهدنة. الأسوأ من ذلك أن يخرج تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية – الذي أعلن مسئوليته عن التخطيط لهجوم تشارلي ابدو في باريس وتنفيذه في مطلع العام 2015 – من تلك الحرب بقوة أكبر وعتاد أكثر، في الوقت الذي يؤسس تنظيم الدولة الاسلامية المعروف بـ”داعش” قاعدة أكثر رسوخاً من ذي قبل.
من جانب آخر، كانت الخسائر التي تكبدتها المملكة العربية السعودية في الجنود والعتاد العسكري فادحة ومهولة في حين واجه الملك سلمان الكثيرٍ من الحرج والضغوطات والانتقادات اللاذعة من قبل المجتمع الدولي بما في ذلك الحلفاء المقربين جداً منه: فقبل أن تغادر إدارة الرئيس الأميركي الأسبق أوباما البيت الأبيض، عمدت إلى تقليص المساعدات العسكرية واللوجستية المقدمة للحليف السعودي. ولكن بالرغم من كل ذلك يمكننا القول أن أسوء ما قد يحدث قد حدث، وما من شيء قد يحول دون اغواء الادارة الامريكية الجديدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، على مواصلة مسيرة الحرب وتقديم المساعدة لحليف قديم في وجه الجانب الإيراني الذي يُعد عدوها اللدود.
فضلاً عن كل ما سبق لا شيء يمكن أن يبرر ذلك الصمت المطبق في وسائل الإعلام الغربية طوال العامين المنصرمين إزاء تلك الحرب الجائرة. وخلافاً لذلك ها هي الدول الأعضاء في التحالف العربي، تحت ضغوط من المملكة العربية السعودية، تسعى خلف الكواليس سعي حثيث في محاولة منها لسحب المقترح الذي سيطرح من قبل هولندا، والذي يدعو إلى تشكيل لجنة دولية للتحقيق في إمكانية حدوث جرائم حرب على الأراضي اليمنية؛ ومن المرجح أن يتم تقديم ذلك المقترح إلى الجنة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في القريب العاجل.
ختاماً، قال الأمير عبدالعزيز بن سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، وهو على فراش الموت: “سعادة المملكة تكمن في تعاسة اليمن”. ومن هذه الكلمات يمكننا في واقع الأمر بشيء من التدقيق أن نستخلص حقيقة ما يجري.
*باتريسيا لالوند: باحثة فرنسية في “المعهد الأوروبي للأمن والآفاق المستقبلية” والأمين العام لمنظمة الدفاع عن حقوق المرأة في الدول العربية “MEWA”.
ترجمة: محمد السياري: المراسل نت
#تعز_كلنا_الجيش_واللجان_الشعبية
#جرائم_داعش_في_تعز
#جرائم_داعش_في_تعز