كيف سينعكس التغيير المرجَّح في العلاقات الروسية الأميركية على الشرق الأوسط؟
كتبت مجلة “نظرة عليا” الصادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي، أنه مع دخول دونالد ترامب الى البيت الابيض تكثر الرسائل حول التغييرات المرتقبة في سياسة الولايات المتحدة بالنسبة لروسيا. فقد تبين أن ترامب نفسه معني بتخفيض مستوى المواجهة مع روسيا ويحتمل أن يكون مستعدًا لأن يعمل على تسويات، وإن لم تكن تنازلات كبيرة.
في الولايات المتحدة، تضيف المجلة، كما على الساحة الدولية بشكل عام أيضًا، يبدو حرج وانعدام يقين من نوايا ترامب في مسألة السياسة الدولية للولايات المتحدة، بما في ذلك بالنسبة للسياسة الأميركية تجاه روسيا.
وتقول المجلة، مما لا شك فيه أن لسياسة الإدارة الأميركية الجديدة في موضوع روسيا آثارًا على الشرق الأوسط، وعلى عموم المسارات الذي يشهدها، وعلى رأس ذلك التدخل الروسي في الحرب على سوريا.
وتتابع المجلة “أن التدخل الروسي في الشرق الأوسط يشكل ردًا على التحديات التي تواجهها موسكو مع الغرب. فالدول الغربية تعتبر السلوك الروسي تجاه أوكرانيا عدوانًا غايته تثبيت نفوذ موسكو في هذا المجال، ولذلك ترد الدول الغربية على خطوات الروس بالضغط السياسي عليها، وبفرض عقوبات اقتصادية تهدد استقرارها”.
وحسب المجلة، فإن التدخل الروسي في الشرق الأوسط، إضافة إلى غاية تثبيت مكانة روسيا كلاعب مؤثر في الساحة الدولية، هو موجه أيضًا لمساعدتها في تحطيم دائرة الضغوط المغلقة عليها، وخلق أوراق مساومة حيال الغرب.
تتابع المجلة بالقول، أنه ونتيجة التدخل الروسي في الشرق الأوسط، اشتد التوتر الروسي – الأميركي. فالولايات المتحدة وشركاؤها يشخصون تطلعات روسيا بأنها موجهة ضد المصالح الغربية، وحتى الآن تحفظوا من خطواتها في المنطقة، وامتنعوا عن التعاون معها في ظل تشديد الضغط عليها عبر استمرار العقوبات الاقتصادية. ورغم ذلك، فإن التدخل الروسي في الشرق الأوسط، والذي يتضمن رفع مستوى العلاقات بين موسكو ودول المنطقة، خلق فيها واقعًا استراتيجيًا جديدًا، في إطار تعاظم النفوذ الروسي.
أما فيما يتعلق بالعلاقات الأميركية–الروسية، فترى المجلة أنه يمكن قبيل تشكيل إدارة جديدة في الولايات المتحدة، أن نتصور ثلاثة سيناريوهات محتملة:
1. استمرار سياسة إدارة أوباما، ما يعني استمرار بل وزيادة التوتر بين موسكو وواشنطن بالنسبة للشرق الأوسط.
2. تعديلات معينة في سياسة الإدارة الجديدة تجاه روسيا، في ظل العمل على تنازلات متبادلة مضبوطة. ويمكن التقدير بأنهذا سيخفف حدة التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، بل وينشئ تعاونًا بين القوتين العظميين في الشرق الأوسط أيضًا.
3. تعاون أميركي –روسي كامل في الساحة الدولية، تكون له آثار بعيدة المدى على بلورة النظام الإقليمي في الشرق الأوسط.
وترجح المجلة أن يكون السيناريو الأكثر واقعية هو الثاني، ويستند هذا التقدير الى توافق هذا السيناريو مع نوايا ترامب المعلنة. وتلفت المجلة إلى أن روسيا، التي تعيش ضغوطًا في الساحة الدولية، يمكن لها أن تفضل الوصول الى حل وسط مع الغرب، وان كان في ظل الحرص على مصالحها الاستراتيجية. وعليه، يمكن التوقع أنه حتى في بداية ولاية الادارة الاميركية الجديدة ستُتخذ خطوات، سواء من روسيا أم من الولايات المتحدة بهدف تخفيض حدة التوتر بينهما، في ظل تنازلات متبادلة. وإذا كان هذا ما سيحصل، فإن هذا الميل سيعطي مؤشراته في الشرق الاوسط أيضًا.
في هذا السياق، تتساءل مجلة “نظرة عليا” عن علاقة روسيا بـ”إسرائيل”. اليوم، على المستوى الثنائي، حيث تسود بينهما علاقات ايجابية. فروسيا ترى في “إسرائيل” شريكًا إيجابيًا، واعيًا لقدرات موسكو الردعية. ويشار الى أنه وفي السنة الاخيرة جرت في روسيا أربع زيارات “اسرائيلية” رفيعة المستوى لرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو وللرئيس رؤوفين ريفلين، كما وزار رئيس وزراء روسيا ديمتري مدفيدف “إسرائيل”. ما يعني أن التدخل الروسي في المنطقة يمكن أن يدفع إلى تفاهمات مستقبلية بين الجهات الاقليمية المقربة لها وبين “إسرائيل”، حسب زعم الصحيفة ومع ذلك، تقول المجلة، بأن العلاقات بين موسكو و”تل أبيب” تتأثر سواء بالمجريات الاقليمية أو بالتوتر بين القوتين العظميين العالميتين. فالتواجد الروسي في سوريا في إطار التحالف مع خصوم “إسرائيل” الاساسيين، ايران، نظام الاسد، وحزب الله ومؤيديهم، طرح تحديات جديدة امام “إسرائيل”.
تضيف المجلة “روسيا معنية بالامتناع عن المس بعلاقاتها مع “إسرائيل” في هذا الواقع الباعث على التحدي، ما يعني بالتأكيد تخفيض مستوى احتمال الصدام العسكري معها. أما “إسرائيل” من جهتها، فتسعى الى الحفاظ على حرية العمل في مجال سوريا، في ضوء التهديدات الناشئة على أمنها فيها.
ولهذا السبب، فإن على روسيا و”إسرائيل” على حد سواء أن تبلورا ردًا مناسبًا على هذا الاحتمال. وإن آلية التنسيق الأمني بين موسكو و”تل أبيب” لمنع الاحتكاك، تثبت حتى الآن مصداقيتها وفاعليتها”.
إضافة الى ذلك، ينبغي الأخذ في الحسبان بأن “إسرائيل” لن تضمن دائمًا مراعاة روسيَّة لمصالحها، إذا ما تضاربت مع مصالحها، وتقف “إسرائيل” أمام تحدٍ للتحالف الروسي العامل في سوريا. وتوضح المجلة أن “إسرائيل” ترى في تثبيت وضع ايران في الاراضي السورية وفي التعزيز العسكري لحزب الله عناصر تهديد مركزية.
أما روسيا من جهتها، فتتعامل باستخفاف مع إمكانية التهديد الإيراني تجاه “إسرائيل”. ولاحقًا يكمن في دعمها لإيران وحزب الله احتمال صدام مستقبلي بينها وبين “تل أبيب”. حسب تعبير المجلة.
وتختم المجلة بالقول إنه في الظروف الحالية، يبدو أن مراعاة المصالح المتبادلة بين “إسرائيل” وروسيا بالنسبة للساحة السورية ستتواصل، كما أنَّ المتوقع أن تحرص موسكو على تنسيق عملياتي مع “تل أبيب” في هذه الساحة، وتصل معها إلى تفاهمات حول استقرارها. لكن تواجد روسيا في المنطقة يستدعي من “إسرائيل” متابعة دائمة لخطواتها وللتطورات المتعلقة بمنظومة العلاقات الروسية مع العناصر الإقليمية واللاعبين الدوليين.