«ذي أتلانتيك»: تنبؤات الاستخبارات.. تفكك النظام العالمي ونهاية عصر الهيمنة الأمريكية
كل أربع سنوات، تحاول مجموعة من محللي الاستخبارات الأمريكية التنبؤ بالمستقبل. وهذا العام، صدر تقرير قبل أسابيع فقط من تولي «دونالد ترامب» الرئاسة، وتوقع هؤلاء المحللون حدوث تحول هائل في الشؤون الدولية على مدى السنوات الخمس المقبلة أو نحو ذلك. «يقترب المشهد العالمي الناشئ من نهاية عصر الهيمنة الأمريكية بعد الحرب الباردة »، وفقا للتقرير الذي يؤكد أيضا أن «هذا هو الحال أيضا بالنسبة إلى قواعد النظام الدولي التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية».
وضع مجلس الاستخبارات الوطنية (NIC)، وهو وحدة داخل مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، علامات أساسية لنهاية محتملة ليس فقط لوضع الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم، ولكن أيضا لعدد من الأساسات الحالية لهذه القوة: الاقتصاد الدولي المفتوح، التحالفات العسكرية في آسيا وأوروبا، وقواعد الليبرالية و قواعد مثل حماية حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية التي تتظم كيف تتصرف الدول وتحل نزاعاتها.
وقد أعرب «ترامب» مرارا عن معارضته لهذه العناصر الرئيسية وعلى وجه التحديد اتفاقيات التجارة الحرة وترتيبات تحالفات الولايات المتحدة، وتعزيز أمريكا للديمقراطية في الخارج. ولكنه يريد أيضا الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة في العالم. «ترامب» يريد كل شيء. ويوم الثلاثاء، اقترح «مايكل فلين»، مستشار الأمن الوطني القادم لـ«ترامب»، أن رئيسه قد يكون أكثر التزاما بالنظام الدولي مما هو مفترض.
قال «فلين»: «يحتمل أن نعيد تقييم علاقاتنا في جميع أنحاء العالم»، و لكنه أضاف أن «التحالفات هي واحدة من الأدوات الرائعة التي لدينا»، كما أن واحدة من نقاط القوة في أميركا هي في «الدفاع عن الحرية».
تفكك النظام العالمي
ومع ذلك، تكافح القوى الكبرى من أجل التعاون في القضايا العالمية وتعمل بقوة وبعدوانية في أجزاء كل منها من العالم، ويلاحظ مجلس الاستخبارات في السنوات المقبلة، أن النظام الدولي الحالي سوف يتفتت «نحو مجالات إقليمية متنازع عليها».
في مثال واحد لما قد يكون عليه هذا العالم الجديد تخيل التقرير أنه بحلول وقت عام 2020 عندما يكون «دونالد ترامب»، الذي لم يذكر بالاسم في التقرير ما زال رئيسا، سيكون لدى الصين وروسيا وإيران اعتقاد أن سياسة وقوة الولايات المتحدة تتراجع عالميا بسبب انقسام السياسة الداخلية والسياسة المالية والفوضى الحكومية. ونتيجة لذلك، فإن الصينيين والروس، والإيرانيين سيشرعون في توسيع نفوذهم على الدول المجاورة، و بحلول منتصف 2020 «سوف تحاول القوى الإقليمية تأكيد حقها في الامتيازات الاقتصادية والسياسية والنفوذ الأمني في مناطقها». وتصور واضعو التقرير، على سبيل المثال، أن الصين ستسعى إلى معالجة الظروف البيئية السيئة في البلاد من خلال تحويل الأنهار أو عن طريق حقن الغلاف الجوي، مما سيلحق الضرر بالدول المجاورة في هذه العملية.
يصل السيناريو لذروته خلال توقع قيام الحرب الهندية الباكستانية عام 2028، والذي ينطوي على أول استخدام للسلاح النووي في الصراع منذ عام 1945 وسيدفع القوى العظمى في العالم إلى التعاون مع بعضها البعض مرة أخرى.
يتوقع التقرير الذي، قام معدوه بزيارات ميدانية إلى 36 بلدا وإقليما وقاموا بمشاورات مع مختلف الخبراء داخل وخارج الحكومة، أن النمو الاقتصادي العالمي سيتباطأ. «ستكون الهند أسرع الاقتصادات نموا في العالم خلال السنوات الخمس القادمة سنوات مع تباطؤ الاقتصاد الصيني وتصدع في أماكن أخرى». ويرى واضعو التقرير أنه «من المتوقع أن يكون النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة متواضعا». ويتنبأ بأن خطر الإرهاب سينمو: «على الرغم من أن الإرهاب المدفوع دينيا سوف يتراجع، وسيكون هناك صعود للقومية الدينية العنيفة ومن المرجح أن الانقسام بين الشيعة والسنة سوف يزداد سوءا على المدى القصير، وقد لا يهدأ قبل حلول عام 2035».
صعود القومية
وتؤكد الدراسة، أن انتشار المعلومات «سيعمل على تعزيز عدد لا يحصى من الحقائق المتنافسة، وتقويض تفاهمات مشتركة من الأحداث العالمية».
ويتوقع التقرير أن القومية، والتي غالبا ما ستذكي التوترات بين البلدان وتؤثر على العلاقات الدولية قد تزيد ردات الفعل نحو تدفقات المهاجرين الناجمة عن اضطرابات العولمة. ونتيجة لذلك، يمكن أن ترتفع مخاطر الصراع بين البلدان «إلى مستويات لم يسبق لها مثيل منذ الحرب الباردة».
وقد أظهرت دول مثل الصين وروسيا استعدادها للمشاركة في «المنطقة الرمادية» تحت عتبة الحرب الساخنة. وهذا يطمس زمن السلم وزمن الحرب، ويجلب «مخاطر عميقة من سوء التقدير على مدى السنوات الـ20 المقبلة».
ويتوقع التقرير أن الصراعات سوف تؤثر على نحو متزايد على البنية التحتية الحيوية، والتماسك الاجتماعي، والوظائف الحكومية الأساسية. و بدلا من هزيمة قوات العدو في ساحة المعركة من خلال الوسائل العسكرية التقليدية، سيتم استهداف غير المقاتلين على نحو متزايد، وأحيانا اللجوء إلى تأجيج عداء الجماعات العرقية والدينية والسياسية ضد بعضها البعض لعرقلة التعاون المجتمعي والتعايش داخل الدول. وتشير هذه الاستراتيجيات إلى أن الاتجاه نحو الصراعات سوف يكون بشكل متزايد الكلفة، ولكنه أقل حسما.
وسط هذه الديناميات يحذر التقرير من تنامي السياسة الشعبوية الاستبدادية التي يمكن أن تهدد الديمقراطية الليبرالية.
ويؤكد التقرير على مدى صعوبة التنبؤ في ظل تسارع الأحداث وتشابكها. كان تقرير «الاتجاهات العالمية 2015» الذي نشر في عام 2000، قبل أشهر فقط من هجمات 11 سبتمبر/أيلول، مثالا على ذلك. وتوقعت الدراسة بشكل صحيح عدة جوانب للعالم الذي نعرفه اليوم: أشكال جديدة غامضة من الهجمات الإلكترونية الموجهة للدولة، عزم الحكومة الروسية الاستبدادية على إعادة نفوذها في الجمهوريات السوفيتية السابقة، ومعاناة الشرق الأوسط من الإرهاب والضغوط الديموغرافية، والاضطرابات الاجتماعية، والتطرف الديني؛ وأكثر من ذلك. ولكنه توقع العديد من التطورات الأخرى بشكل غير صحيح بما في ذلك الدولة الفلسطينية الجديدة، والأسلحة النووية العراقية، والتكامل الوثيق للاتحاد الأوروبي.