قوّة حزب الله الناريّة توازي كل الدول الأوروبيّة معًا
قبل فترةٍ وجيزةٍ كان السؤال: هل يُمكن لـ”إسرائيل” أنْ تتعايش مع التهديد النوويّ الإيرانيّ، وبعد التوقيع على الاتفاق مع مجموعة دول خمسة+واحدة، باتت المُعضلة: هل تستطيع تل ابيب تحمّل تهديد حزب الله، الذي يميل البعض في تل أبيب لاعتباره إستراتيجيًا، علمًا أنّ التقدير الأمنيّ الإسرائيليّ للعام 2017 صنفّ حزب الله العدّو الأوّل، تليه إيران وحماس.
هل يُمكن اعتبار العلاقة بين “إسرائيل” وحزب الله أنّها قائمةً على توازن القوى، علمًا أنّ “إسرائيل” كيان، فيما حزب الله منظمة، وقبل الخوض في سبر غور الجواب، لا بُدّ من التوقّف عند تعريف توازن القوى.
يُجمع الباحثين على أنّ توازن القوى هو النظام الذي يقوم على وجود عددٍ من تحالفات أوْ محاور القوى المضادّة، والتي تتكافأ قواها أوْ تكاد، وذلك لردع أيّ محورٍ قويٍّ من استغلال أيّ تفوقٍ مؤقتٍ في قواه لتغيير معالم الوضع الدوليّ القائم.
على أرض الواقع، تمكّن حزب الله، منذ أنْ وضع عدوان صيف العام 2006 أوزاره، وهو المُسّمى إسرائيليًا بحرب لبنان الثانية، تمكّن من تغيير قواعد الاشتباك، وفرض توازن القوى الجديد، على الرغم من عدم وجود تكافؤ في القوّة العسكريّة مع “إسرائيل”، التي تملك أحد أقوى الجيوش بالعالم (من حيث التسليح)، ولكن بالمُقابل، فقد أقّر أفيغدور ليبرمان، وزير الأمن في حكومة بنيامين نتنياهو بأنّ حزب الله أقوى عسكريًا من عدّة دولٍ في حلف شمال الأطلسيّ (الناتو).
علاوة على ذلك، وصف مستشار الأمن القوميّ الإسرائيليّ السابق، الجنرال يعقوب عميدرور، القدرات العسكريّة لحزب الله باللّامثيل لها، اذْ أنّ في حوزته 150 ألفًا من الصواريخ والقذائف الصاروخية، مشيرًا إلى أنّ عدّة آلاف من هذه الصواريخ قادرة على الوصول إلى أيّ مكانٍ في “إسرائيل”.
وأكّد عميدرور، بحسب صحيفة (يسرائيل هايوم) العبريّة، على أنّ هذه القوّة النارية نادرة جدًا، خاصّةً من حيث حجمها وكثافتها، وربما هي توازي ما لدى جميع الدول الأوروبية معًا.
بالإضافة إلى ذلك، تتزايد في الآونة الأخيرة التقارير الإسرائيليّة والدراسات الإستراتيجيّة التي تنشرها مراكز الأبحاث في تل أبيب، والتي تتحدّث عن عدم جاهزية “إسرائيل” لشنّ حربٍ حاسمةٍ ضدّ حزب الله. الأمر الذي يطرح علامات استفهام عن حقيقة هذا الادعاء، خصوصًا وأنّ “إسرائيل” تُعدّ دولةً إقليمّيةً عظمى على المستوى العسكريّ والتكنولوجيّ، وحققت انتصارات ضدّ جيوشٍ عربيّةٍ في أكثر من حرب، وتحظى بدعم الدولة العظمى في العالم، الولايات المتحدة، اقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا، فضلاً عن الدعم السياسيّ والدبلوماسيّ.
أمّا رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة سابقًا الجنرال في الاحتياط عاموس يدلين، فقال إنّ حزب الله يملك آلافًا من القاذفات والصواريخ القادرة على ضرب المراكز الإسرائيليّة المُكتظّة بالسكّان، لافتًا إلى أنّها تحمل رؤوسًا بزنةٍ كبيرةٍ جدًا، وتتميّز بدّقةٍ مؤكّدةٍ.
وغنيٌ عن القول إنّ الحديث الإسرائيليّ عن عدم الجاهزية لا يقتصر على تقارير إعلاميّة أوْ تقديرات خبراء عسكريين، بل أكّدتها تقارير ومواقف رسمية، وفي مُقدّمتها تقرير مراقب الدولة الإسرائيليّة، الذي شدّدّ على عدم جاهزية الجبهة الداخليّة في مواجهة صواريخ حزب الله.
وعلى المستوى العملاني، يؤكّد القادة الإسرائيليون منذ عشر سنوات أنّهم يواصلون رفع مستوى الجاهزية الهجوميّة والدفاعيّة، ومحورها الاستعداد لمواجهةٍ شاملةٍ مع حزب الله.
والترجمة العمليّة التي تعكس هذه الحقيقة امتناع “إسرائيل” طوال السنوات الماضية عن شنّ الحرب التي تعلن على الدوام أنّها تستعد لها، بلْ أكثر من ذلك، لأوّل مرّةٍ تلجأ تل أبيب إلى مجلس الأمن الدوليّ مُشتكيةً حزب الله ولبنان، وهي التي لا تُقيم وزنًا لهذه الهيئة الامميّة.
جوهر الجاهزية، يُستشّف من التصريحات والأبحاث الإسرائيليّة، التّي يتم الحديث عنها يتصل أساسًا بتطوير القدرات الهجوميّة التي يُفترض أنْ تحقق الطموح الإسرائيليّ في الانتصار الحاسم.. ومنذ حرب 2006، دخل عنصر جديد على الجاهزية يتصل بالقدرات الدفاعيّة والاعتراضيّة عن جبهتها الداخليّة.
وفي هذا السياق، أكّدت “إسرائيل” رسميًا، مرارًا وتكرارًا، جهارًا نهارًا، على أنّ منظومات الدفاع مثل القبّة الحديديّة و”الصولجان السحريّ” مُعدّة في زمن الحرب للدفاع عن الأماكن الإستراتيجيّة الحساسّة، مطارات، موانئ، قواعد عسكريّة وأخرى، وأنّها لن تمنح المُواطنين الحماية أوْ الدفاع، أوْ كليهما.
وفي إطار استخلاص عِبَر حرب عام 2006، واستمرار حزب الله في تطوير قدراته الصاروخيّة والعسكريّة، لم يعد مفهوم الجاهزية يتناول حصرًا تطوير قدرات الجيش الهجوميّة، بل بات يشمل أيضًا ضرورة امتلاك جاهزية كبيرة في الجبهة الداخليّة، بعدما أدخل الحزب هذه الجبهة بقوة في المعادلة، وهو ما كان له تأثيره البالغ على خيارات تل أبيب اللاحقة.
وهناك عامل آخر لا بُدّ من التوقّف عنده: هذه العقيدة لما كانت لتتبلور لدى صنّاع القرار السياسيّ والعسكريّ لولا تسليمهم بعجز جيشهم عن استئصال قدرات حزب الله في تلك الحرب التي تدك العمق الاستراتيجيّ الإسرائيليّ.. بكلماتٍ أخرى، يبدو أنّ القيادة الإسرائيليّة اكتشفت طوال السنوات الماضية أنّ الجيش، رغم ما يمتلكه من قدراتٍ هائلةٍ في المجالات كافة، لا يملك الحلّ الناجع لتهديد حزب الله على أمن الكيان الصهيوني.
مهما يكُن من أمرٍ، يبقى السؤال الأخطر: هل حرب لبنان الثالثة ستكون آخر حربٍ؟ بفعل القوّة العسكريّة التقليديّة، وربمّا غير التقليديّة، التي ستُستخدم فيها لحسم المعركة؟ لا بل أكثر من ذلك: هل الحسم سيتطلّب القضاء على دولٍ في الشرق الأوسط؟!
زهير أندراوس / رأي اليوم
#تعز
#جرائم_داعش_في_تعز