العدوان على اليمن سيكون وبالًا على السعودية (2/4)
على الرغم من أن المملكة السعودية والجمهورية اليمنية هما اكبر بلدين عربيين وجارين في شبه الجزيرة العربية، إذ تبلغ الحدود المشتركة بينهما 1470 كلم (حسب دراسة سبق ونشرتها جريدة الحياة) وتبلغ نسبة الكثافة السكانية في بعض مناطق الحدود 100 نسمة لكل كلم2، ما يدل على التقارب السكاني، فإن العلاقات بين البلدين هي علاقات سيئة بشكل مزمن، لأسباب معيشية وقبلية ومذهبية وسياسية قديمة. وفي سنة 1934 نشبت حرب بين البلدين، ومنذ ذلك الحين تتهم اليمن المملكة السعودية بالاستيلاء على مناطق عسير ونجران وجيزان بالقوة وبالتعاون مع الانجليز في ذلك الوقت. وهي مناطق نفطية.
عصر النفط
وبعد أن بدأ استخراج النفط بكثافة في السعودية وتحولت الى دولة غنية تحت الوصاية الاميركية، لم يكن من مصلحتها البتة أن تتحول اليمن الى دولة موحدة، قوية وغنية، والى قاعدة لحركة التحرر العربية (سواء بشكلها القومي العربي الناصري، او اليساري). ولهذا حينما قامت ثورة عبدالله السلال في شمالي اليمن سنة 1962 وأزيل نظام الإمامة وأعلنت الجمهورية في اليمن ونشبت الحرب الاهلية اليمنية في الشمال، دعمت السعودية بقوة الاماميين ضد انصار الجمهورية، فيما دعمت مصر الناصرية الجمهوريين، الذين انتصروا في النهاية بالرغم من هزيمة الجيش المصري في حرب 5 حزيران 1967 واحتلال اسرائيل لسيناء واغلاق قناة السويس واضطرار الجيش المصري للانسحاب من اليمن.
اكتشاف النفط في اليمن
وهناك ابحاث تقول ان منطقتي الجوف وصعدة اليمنيتين، والمحاذيتين للمملكة السعودية، تحويان ايضا احتياطات جوفية نفطية كبيرة جدا من شأن بداية استثمارها تحويل اليمن الى بلد نفطي غني يضاهي السعودية. وكان الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح يجري مفاوضات مع كارتيلات النفط الاميركية والغربية لاستخراج واستثمار النفط اليمني، وقد اراد اشراك روسيا في ذلك، ما ازعج الدول الغربية. ويعزو بعض المحللين محاولة اغتيال علي عبدالله صالح الى هذا السبب بالذات. وبعد ان فشلت السعودية بتثبيت مشروعها من خلال ادواتها في الداخل اليمني قررت، للاسف الشديد، التدخل العسكري المباشر في الحرب اليمنية، طبعا بموافقة ودعم اميركا. وشكلت ما سمي التحالف العربي، وبدأ على الفور القصف المكثف لليمن بالطائرات في اذار 2015، وهو مستمر الى اليوم، كما شاركت بعض الوحدات الخليجية في المعارك البرية، ولكنها تلقت ضربات “اقنعتها” بأن “تنقذ جلدها” وتنسحب ولا تعيد الكرة، وان يقتصر العدوان على الشعب اليمني على القصف الجوي، المستمر يوميا وبكثافة.
حرب ابادة لليمنيين … دفاعا عن “نبي الله اسرائيل/يعقوب”
وبعد ان انجز طيران السعودية وحلفائها قصف كل المواقع الواردة في “بنك الاهداف” التي يمكن ان تسمى عسكرية او مقرات سياسية، استمر منذ سنة وثمانية اشهر القصف اليومي للبنى التحتية والمؤسسات الانسانية والتعليمية والدينية والاجتماعية والخدماتية والدور السكنية والاسواق الشعبية والساحات العامة وكل اشكال الحياة في اليمن، بهدف قتل اكبر عدد ممكن من اليمنيين، وتدمير مدنهم وقراهم واجبارهم على التشرد والعيش في العراء، ورميهم في براثن الجوع والعطش والمرض، وابادتهم كشعب.
وتقول مؤسسات الخدمات الانسانية الدولية ان العدد، القليل اصلا، من المستشفيات اليمنية لم يعد يعمل بسبب فقدان الادوية والادوات الطبية والكهرباء والوقود، وان المجاعة بدأت في اليمن، وان 2،2 مليون طفل يمني يعانون من امراض نقص التغذية ومنهم نصف مليون طفل يعانون من امراض النقص الحاد في التغذية، وان كل بضع دقائق يموت طفل، والطواقم الطبية تحولت الى مجموعات لدفن الاطفال الموتى، وان ملايين اليمنيين اصبحوا يعيشون في العراء، حتى بلا خيم للاجئين وبلا فرش أو أغطية وبلا ثياب احتياطية وبلا طعام ولا ماء ولا دواء، فيما الطائرات تلاحقهم بالقنابل الحارقة لأنهم “ارهابيون”، و”انقلابيون”، واعداء “للديمقراطية” ولاميركا والسعودية واسرائيل، وعملاء لايران. وللعلم فقط ان “انصار الله” شعارهم هو: “الموت لاميركا، الموت لاسرائيل!”. (وفي رد بعض انصار السعودية على شعار “انصار الله”: “الموت لاسرائيل” يقولون ان العداء لاسرائيل هو حرام وكفر، لان “اسرائيل” هو نبي الله يعقوب، وكلمة “اسرائيل” تعني بالعبرية: عبدالله؛ “أسر” = عبد، و”ئيل” = الله، جل جلاله). والنتيجة ان كل من يعادي اسرائيل هو عدو لله، ويستحق الموت، في عرف انصار السعودية هؤلاء. اي ان كل الشعب اليمني، باستثناء عملاء السعودية، هو عدو لاسرائيل ويستحق الموت. وهذا ما تأخذه القيادة السعودية على عاتقها في اليمن، مثلما تأخذ “إسرائيل” و”داعش” واخواتهما على عواتقهم ابادة الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين…
*كاتب لبناني مستقل