عن صمود الجيش العربي السوري وحلفائه ونقلة بوتين الخارقة
في ظل صمت خليجي لافت و ضياع اميركي مُحيّر ينطلق اتفاق وقف اطلاق النار في سوريا ، متخطيا عقبات وصعوبات كثيرة ، كانت تشكل حتى الامس القريب حاجزا صلبا امام اية تسوية تنهي الحرب وتعيد التوازن الى البلد الذي واجه حربا كونية وصمد ….
في قراءة موضوعية للوقائع والمعطيات الميدانية والسياسية والاستراتيجية التي تظلل الساحة السورية حاليا ، يمكن ملاحظة التالي :
ميدانيا
– مع استكمال تحرير مدينة حلب والتي شكلت مفصلا استراتيجيا في الحرب على سوريا ، اصبح يسيطر الجيش العربي السوري وبدعم فاعل من حلفاء اقوياء على اغلب المدن الرئيسية ، وعلى خط ثابت متماسك يربط تلك المدن ، من الجنوب على تخوم الحدود مع المناطق المحتلة اسرائيليا و حتى الشمال على تخوم الحدود مع تركيا .
– بعد ان كانت خارطة سيطرة المسلحين وحتى الامس القريب تحضن مواقع ونقاط حيوية ، ينحسر تواجد هؤلاء حاليا في بقعتين اساسيتين محاصرتين ، ادلب شمالا و قسم من درعا وآخر من القنيطرة جنوبا .
– يتوزع ما تبقى من اماكن سيطرة المسلحين في مواقع هزيلة منعزلة غير مترابطة، لا تتمتع باي قدرة على المناورة كما في السابق ، وهي باغلبها تنتظر دورها للسير في المصالحات و في التسوية مع الدولة والجيش .
– بالرغم من محافظة داعش على مواقعه مع تقدم مؤقت واستثنائي في تدمر ، فرضته ضرورة التركيز على تحرير حلب و بعضٌ من تواطؤاميركيٍ مريب ، لا شك ان التنظيم الارهابي على موعد قريب مع مواجهة قاسية مع الجيش العربي السوري ، بعد ان اصبح الاخير شبه متفرغ لمعركة تحرير كامل اراضي البلاد شرقا .
سياسيا
– تتسابق حاليا مجموعات المسلحين لحفظ مقعد لها في المفاوضات المرتقبة مع الدولة السورية في عاصمة كازاخستان ، وما رشح من اسماء لتلك المجموعات والتي وقّعت وثيقة وقف اطلاق النار باشراف وضمانة تركية ، يوحي بان كتلة ضخمة من ” مجاهدي الامس ” لتدمير الدولة والنظام ، اصبحت الآن وبامتياز ، ضمن خانة ” مفاوضي اليوم ” للوصول الى حل سياسي يحفظ حقوق الجميع ، وعلى رأس هؤلاء ” جيش الاسلام ” و” احرار الشام” .
– ايضا تتسابق تلك المجموعات اليوم على الابتعاد عن جبهة النصرة ( فتح الشام ) ، بعد ان كانت بالامس تلهث لنيل رضى الاخيرة و تهرول للفوز بشرف القتال والجهاد تحت رايتها و في ظل اهدافها .
– خرست اليوم جميع الابواق الداخلية والاقليمية والدولية التي كانت تنادي ب ” إستحالة الحل مع الاسد ” ، وحلّ مكانها اخرى تنادي بضرورة بقاء الاسد ، لمحاربة الارهاب من جهة ولرعاية الحل السياسي في سوريا من جهة اخرى .
استراتيجيا
– يزداد الشرخ ويتوسع اليوم بين الولايات المتحدة الاميركية وبين تركيا على خلفيات متعددة ، منها اتهام الاخيرة للاولى برعاية الارهاب و مؤازرته والمساهمة مع داعش في تمريغ انفها في معركة الباب الاخيرة ، ومنها امتعاض الاولى من الاخيرة واتهامها بالخيانة بعد التواصل والتقارب والتفاوض مع روسيا وايران ، على الحل في سوريا و ربما على نقاط اخرى ، دون الرجوع اليها كشريك اساسي في حلف شمال الاطلسي او في معركة التآمر الواسعة على سوريا ، والتي خاضوها متضامنين بالاساس ، تخطيطا و رعاية وتنفيذا .
– تفرض ايران نفسها، راعيا لمحورالحلفاء الاساسي لسوريا الدولة والجيش والمؤسسات ، و لاعبا اقليميا قويا له دور فاعل لا يمكن تجاوزه ، وندا عنيدا بمواجهة مجموعة هجينة من الانظمة العربية والاقليمية المتآمرة ومن الدول الغربية الطامعة .
– تُثًبّت روسيا نفسها لاعبا اساسيا في الشرق ، يتجمع حولها او في احضانها أغلب اللاعبين الاقليميين ، الكبار او الصغار ، و الذين سئموا او يئسوا او كفروا من سياسة الولايات المتحدة الاميركية ، و هم مرتاحون لرؤية الاخيرة تنسحب مرغمة تاركة لروسيا مواقع مهمة واستراتيجية طالما حلم الروس بامتلاكها ، بمواجهة حلف شمال الاطلسي او بمواجهة ميادين النفوذ الاميركي على شواطىء البحر الابيض المتوسط .
لا شك ان لصمود الجيش العربي السوري وحلفائه دور اساس فيما وصلت اليه الامور على الساحة السورية حاليا ، حيث تحقق التوازن الميداني والعسكري للدولة السورية ، وحيث التحضير لمفاوضات سياسية داخلية في ظل اتفاق وقف اطلاق نار مضمون من قوى دولية واقليمية فاعلة ، ولكن لا يمكن الا الاعتراف للدور الروسي في تظهير واخراج ذلك ، دورٌ فرضته الفعالية الكاسحة للوحدات الجوية الروسية وللاسلحة المواكبة لها ، دورٌ رعته وواكبت خيوطَه ديبلوماسيةٌ روسية ذكيةٌ مترابطة ، واخيرا … دورٌ هندسَتَه ورسَمَتَه عبقريةُ لاعب شطرنجٍ ساحر كان صاحب النقلات الخارقة التي ، نقلت دولا وانظمة من محور الى آخر ، ودفعت دولا عظمى الى التنحي والانسحاب من ساحات طالما إمتلكتها ، وثبتت ، وحتى اشعار آخر دور بلاده في الشرق والمحيط ، وهذا اللاعب هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين .
المصدر / العهد