الرأي العام الغربي وغسل الدماغ: نحن مُضَلَّلون!
كشفت الحرب الكبرى التي تتعرّض لها سوريا حجم التضليل الذي يواجهه الرأي العام الغربي. أطنان من الصفحات طُبِعت، ومثلها من التقارير المصوّرة بثّتها وسائل الإعلام الغربية العملاقة، كلها تلعب على الوتر العاطفي، وتبرز الجانب الإنساني، وتثير الغرائز قبل العقول. كلها “بلعها” المشاهد والقارئ والمتابع الغربي بيُسر، وخلّفت لديه الكثير من الحقد و”الغلّ” تجاه الهدف المُراد تشويهه والمرسوم له بعناية.
اليوم، بدأت الأسئلة تَطرح على صفحات وسائل التواصل الإجتماعي، عن الجانب الآخر من الصورة، وعن الطرف الآخر الذي لطالما تم تصويره على أساس أنه ضحيه لسفّاح مفترس. ربما، لعبت المغالاة والمبالغة في طلب التعاطف حدّ استغباء المتلقي، دوراً في إثارة عشرات الأسئلة الجوهرية، التي لم تقدّم أية وسيلة إعلامية الأجوبة الشافية لها.
في المقلب الآخر، لم تحتَج الشعوب العربية التي لم تمارس بأغلبيتها “الرأي العام” لا دوراً ولا وظيفة، للكثير من جهد آلة التضليل الغربية. تكفّلت بضع شاشات عربية ومثلها من المواقع والصحف، زيادة الـ”دوز” المذهبي في خطابها، لشدّ عصب الجمهور وقبضته على الزناد في آن. فلم يكن مستغرباً في حالة معركة توحيد حلب، أن ينقسم الجمهور العربي المؤيد للجماعات المسلّحة، بين مُناصر بسبب المذهب والملّة والدين، ومُناصر يرفع لواء “الإنسانية” ويكتب فيها الكثير من الشِعر والنثر.
التضليل الاعلامي حول سوريا : بداية النهاية؟
في حالة حلب بالتحديد، ارتفعت الكثير من الأصوات الغربية المطالبة بالحقيقة، والمشكّكة في صحة الرسالة التي تتلقاها بكثافة، ومفادها أن ثمة مجزرة تجري في حلب، وثمة تطهير عرقي لم ينجُ منه لا نساء ولا أطفال.
نشرت إحدى الصفحات الأجنبية على موقع فايسبوك (In the NOW)، التي يتابعها نحو مليون ومئة ألف شخص من جميع أنحاء العالم، فيديو قصير فنّدت عبره وجهة “رسائل الوداع” من حلب، التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات كبريات وسائل الإعلام الأميركية والبريطانية. تساءلت معدّة الفيديو عن الصدفة التي جعلت مواطنين عاديين من حلب، ينشرون بالتزامن رسائل وداع قبل الموت في حلب، تحمل المضمون نفسه والرسالة نفسها. كشف الفيديو أن “المواطنين” المفترضين ليسوا سوى ناشطين بارزين يتكلمون الإنكليزية بطلاقة، وضيوفا دائمين على شاشات كبرى مثل CNN و BBC وغيرها. تساءل الفيديو عن سرّ جودة خدمة الإنترت في حلب، المفترض أنها تتعرض لحصار خانق، ومقبلة على إبادة جماعية تُطيح بالجنس البشري. حصد الفيديو في أول ساعتين على نشره، عشرات الآلاف من المتابعين، آلاف المشاركات و التعليقات.
في تعلقيات المتابعين يكمن جوهر التغيير الذي يشهده المزاج العالم في بلاد الغرب. بالطبع، كان هناك منتقدين كثر أبدوا تعاطفهم مع “أطفال حلب الذين يتعرضون لمجزرة”. لكن اللافت كان الكمّ الكبير من التعليقات التي شكّكت بأصل ما يجري في سوريا من الأساس. عبرّ البعض عن ضياعه ما بين ما يتلقاه في بلاده من رسائل أحادية الوجهة، وبين ما يكتشفه عند أول محاولة للمتابعة من خارج الصندوق. كان التعبير الغالب على هذه الفئة من المعلّقين عبارة: “I am confused!”.
تساءل أحدهم عن الوجه الآخر من الصورة التي يقدمها لهم الإعلام. شكّك كثر بصدق CNN و BBCوFOX NEWS والمنظومة الإعلامية الغربية برّمتها. دعا البعض لمقاطعة هذه الشاشات وصفحاتها.
في مسألة حلب تحديداً، تساءل كثر عن الحقيقة، واستنكروا محاولات تضليلهم. إذ كيف يغيب عن بال “نظام ديكتاتوري” في سوريا أن يقطع الإنترنت عن حلب التي تتعرض لحصار وتتجهز لمجزرة مروعة، ويُسمَح لناشطين أن يبثوا رسائلهم مباشرة عبر صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الإجتماعي، فيما يقوم “نظام ديمقراطي” في تركيا بقطع الإنترنت وتوقيف خدمات سكايب وتويتر عن اسطنبول وأنقرة وغيرها من المدن التي شهدت مجرّد مظاهرات طلابية سلمية!
على كلٍّ، صحيح أن الرهان الأول والأخير يبقى على الإنتصارات المحققة على الأرض, إلا أن “كبر الكذبة” واعتماد التضليل والفبركة في الصغيرة قبل الكبيرة، قلب السحر على الساحر. بدأت حملة الوعي لحقائق ما يدور في سوريا تتدحرج وتكبر، وتكوّن رأي عام غربي على دراية بحقيقة الأمور. الحقائق ذاتها التي كشفت أمام الرأي العام الغربي دَيدن النظام السعودي، وأجبرت بعض وسائل الإعلام على نشرها، وفتحت كوّة في جدار التعتيم والتغطية على هذا النظام الوهابي المتخلّف.
أما في خصوص الجمهور العربي، فلكي يُصبح رأي عام حقيقي ومؤثر، عليه أن يُقلع أولاً عن ممارسة “الهبل الجماعي” على مواقع التواصل الإجتماعي.
المصدر: العهد/حمزة الخنسا
#تعز
#جرائم_داعش_في_تعز