حلب تعود إلى حضن دمشق
ثلاثة أسابيع كانت كافية لتنهي وجود المسلحين في حلب. 99 في المئة من أحياء المدينة باتت في قبضة الجيش السوري إثر انهيارات متتالية في صفوف المسلحين الذين حشروا أنفسهم في زاوية ضيقة في الناحية الجنوبية الغربية من أحياء شرق حلب.
الإنتصار الكبير الذي حققه الجيش السوري خلال فترة وجيزة، واسترجاعه لعاصمة الشمال يمثلان نقلة جوهرية في مسار الحرب السورية، حيث تعتبر مدينة حلب ثقل سوريا الإقتصادي، ما يعني أن التوازن الإقتصادي سيعود إلى سوريا مع عودة المدينة ودوران العجلة الصناعية والتجارية فيها من جديد، إضافة إلى أهميتها السياسية كورقة تفوّق ميدانية كبيرة خلال المفاوضات السياسية الدولية، الأمر الذي يفسر سبب الدفع بثقل عسكري كبير لإستعادتها.
خلال اليومين الماضيين، وبعدما سيطر الجيش السوري على قلب المدينة القديمة، تابعت قواته التقدم من المحور الجنوبي للمدينة، استعاد الجيش حي الشيخ سعيد كاملا، ومنه انتقل إلى الفردوس وكرم دعدع وصولاً إلى جسر الحج، ليتبعه تقدم سريع آخر باختراق حي الكلاسة، أحد أبرز معاقل المسلحين، والتجمع الأبرز لقيادة الفصائل المسلحة.
مع تتابع الإنهيار السريع للفصائل المسلحة، فتح الجيش السوري جبهة جديدة استهدفت هذه المرة المعقل الرئيسي لإطلاق قذائف الهاون والأسطوانات المتفجرة على أحياء حلب الغربية المكتظة بالسكان، تقدم الجيش إلى حي بستان القصر وسط انسحاب عشوائي للمسلحين الذين انسحبوا إلى الداخل نحو الزاوية الضيقة التي باتوا يسيطرون عليها.
مصدر عسكري سوري أكد لـ «السفير» أن التقدم الأخير للجيش السوري يعني عسكريا أن حلب باتت في قبضة الجيش السوري، وتابع «جبهتهم الداخلية منهارة تماماً، ما تبقى من أحياء فهو إجراء شكلي يتعلق بالوقت فقط».
إعلان السيطرة على حي بستان القصر أشعل في أحياء حلب أفراحاً عامرة، عشرات المواطنين خرجوا تحت الأمطار للاحتفال، وآخرون اختاروا إطلاق النار، فاشتعلت سماء المدينة برصاص الفرح، برغم انتقاد هذه الظاهرة، وتعميم قيادة العمليات العسكرية بمنع حدوثها.
وخلال تقدم الجيش الأخير واختراقه لمعاقل الفصائل المسلحة ومقارّ إدارتها، ضبطت قواته غرف عمليات، بالإضافة إلى غرف اتصال متكاملة تتضمن تجهيزات اتصال فضائية، ومؤن وأدوية، وعشرات مخازن الأسلحة، تركها المسلحون خلال عملية الفرار العشوائية والسريعة.
في هذا السياق، أشار مصدر ميداني إلى أن الإنهيار الأخير للمسلحين يبدو مفاجئاً فعلا، خصوصا أن هذه الأحياء تعتبر من أكثر الأحياء تحصينا بالنسبة للمسلحين، بالإضافة إلى طبيعتها العمرانية ذات الأبنية المتراصّة، وتابع: «كنا ننتظر حرب شوارع تمتد لأسابيع في هذه الأزقة، خصوصا في ظل وجود مدنيين، إلا أن المسلحين فروا بشكل جماعي واختصروا الوقت».
إلى ذلك، تابعت قوات الجيش السوري والمنظمات الحكومية وغير الحكومية عمليات إخلاء المدنيين الفارّين ونقلهم من مواقع الإشتباكات، حيث سجل خروج آلاف العائلات دفعة واحدة عبر معبر جديد فتحه الجيش السوري قرب المطار الدولي، وتم نقل العائلات إلى مقارّ الإقامة المؤقتة، فيما بدأت عمليات إعادة الراغبين بالعودة إلى منازلهم بعد تأمين الأحياء المحررة وتفكيك العبوات.
وعادت مئات العائلات إلى أحياء الصاخور وطريق الباب والميسر والجزماتي حتى الآن، على أن تستكمل عمليات إعادة الجميع إلى منازلهم بعد تأمين بقية الأحياء.
كذلك، سلم عشرات المسلحين أنفسهم لقوات الجيش السوري، وتم تحويلهم إلى القضاء لتسوية أوضاعهم وفق مرسوم العفو الرئاسي الذي يمنح العفو لكل مسلح يقوم بتسليم نفسه للجيش، فيما فضل نحو ثلاثين التخفي والفرار مع المدنيين، قام الجيش السوري بضبطهم أيضاً بعد قيام الأهالي بالإبلاغ عنهم، وفق ما ذكر مصدر أمني لـ «السفير».
مصدر معارض أكد لـ «السفير» أن جميع الفصائل المحاصرة في ما تبقى من أحياء حلب اعترفت بالهزيمة كليا، بما فيها «جبهة النصرة»، حيث كانت تعول على الاتفاق الأخير الذي يسمح الجيش السوري بموجبه بفتح ممر آمن لخروجهم، إلا أن تعثر الاتفاق زاد من انهيار معنوياتهم .
ويقف ما تبقى من مسلحين في الوقت الحالي أمام خيارين، إما خوض معارك انتحارية أخيرة، أو الرضوخ لشروط الجيش السوري وتسليم أنفسهم، خصوصاً بعد رفض روسيا مقترح فتح ممرات آمنة لخروج المسلحين، حيث تصر على استئصال مسلحي «جبهة النصرة» وعدم إرسالهم إلى مكان آخر يقاتلون فيه.
وفي مقابل كلام المصدر المعارض، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو مستعدة لضمان أمن الممرات التي تفتح لخروج المسلحين، وأن هذه الممرات لن تصبح هدفا لضربات القوات المسلحة السورية.
ودعا خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الصربي إيفيتسا داتشيتش في بلغراد، الولايات المتحدة إلى إقناع المسلحين بالخروج من مدينة حلب السورية للحفاظ على أرواح المدنيين هناك، لافتاً إلى أن مقترح واشنطن عقد هدنة في المناطق التي تجري فيها عمليات عسكرية في حلب «عديم الأفق».
حمص: اشتباكات في محيط «تي فور»
النصر الكبير الذي حققه الجيش السوري وازته نكسة لا يستهان بها تعرضت لها قواته والفصائل التي تؤازرها في ريف حمص الشرقي، وتحديدا في تدمر التي مثلت استعادة القوات الحكومية للسيطرة عليها في شهر آذار الماضي نصراً كبيرا تبنته موسكو من بابه إلى محرابه، ما يعني أن الانتكاسة في تدمر تمثل انتكاسة روسية ايضا في الحرب السورية.
وتراجعت قوات الجيش السوري من كامل المدينة الأثرية إلى خطوط دفاعية خلفية بعدما تمكن مسلحو تنظيم «داعش» من السيطرة عليها كليا. ولم يكتف مسلحو التنظيم من السيطرة على تدمر بل توسعوا على محور آخر استهدف مطار «تي فور» الذي يعتبر أبرز قاعدة جوية وسط سوريا.
وتمكن مسلحو «داعش» من السيطرة على كتلة جبال الدفاع شمال المطار، ومفرق جحار، إضافة إلى قرية مرهطان جنوب المطار، كما تمكنوا من السيطرة على كتيبة للدفاع الجوي، ليصبحوا على بعد نحو سبعة كيلومترات من المطار.
في هذا السياق، أكد مصدر ميداني لـ «السفير» أن قوات الجيش السوري تخوض معارك ضارية مع مسلحي التنظيم على مقربة من المطار، نافيا ما أشيع عن سيطرتهم عليه. وأكد المصدر أن عمليات التصدي لهجوم مسلحي التنظيم تشارك فيها مقاتلات روسية وسورية تشن غارات مكثفة على مواقع التنظيم، وتابع أن «خطر الهجمة الأولى على المطار ما زال تقريباً، إلا أن القتال ما زال مستمراً».
ويعتبر هذا الهجوم على الـ «تي فور» هو الثاني من نوعه من قبل تنظيم «داعش»، حيث حاول التنظيم اختراق المطار قبل نحو عامين، إلا أنه عجز عن ذلك برغم استعماله لعدد كبير من المفخخات والإنتحاريين حينها.
إلى ذلك، أقدم مسلحو «داعش» على تنفيذ عشرات عمليات الاعدام الميدانية بحق مدنيين قاموا باعتقالهم خلال اختراق مدينة تدمر، بينهم خمس نساء تم توثيق أسمائهن حتى الآن، وذلك بتهمة «التعامل مع الحكومة السورية». وتعمل القوات السورية والروسية في الوقت الحالي على الاستعداد لتنفيذ عملية عسكرية لاستعادة تدمر والمناطق التي سيطر عليها التنظيم خلال الأيام الخمسة الماضية بما فيها حقول نفطية.
• علاء حلبي – السفير