مواقع “غير متعاطفة” تنشر وثائق تؤكد بدء السعودية بإجراءات تقشف كبيرة والسعوديون مذعورون
مواقع “غير متعاطفة” تنشر وثائق تؤكد بدء #السعودية بإجراءات تقشف كبيرة والسعوديون مذعورون
تداولت مواقع انترنيت مختلفة وثائق صادرة عن مؤسسات سعودية تطالب بتقليص النفقات وإجراء عمليات تقشف واسعة، في ما يؤكد المعلومات التي جري تداولها مؤخرا عن صدور قرار ملكي أواخر الشهر الماضي باتخاذ إجراءات تقشف واسعة في المملكة بسبب ارتفاع العجز في الميزانية بنسبة 20 بالمئة إثر تراجع عوائد النفط، الذي عملت السلطات السياسية السعودية على خفضه بشكل مقصود لفي مناورة سياسية-اقتصادية لإلحاق أكبر الأضرار الممكنة في الإقتصادين الروسي والإيراني.
وقالت مصادر مطلعة لـ«رويترز» إن وزارة المالية السعودية أصدرت تعليمات للجهات الحكومية بإعادة ما لم تنفقه من أموال مخصصة لمشروعاتها في ميزانية هذا العام، وذلك في إطار سعيها لترشيد الإنفاق في ظل هبوط أسعار النفط.
وعلى مدى الأعوام الماضية، التي شهدت طفرة نفطية، كانت الجهات الحكومية في أكبر مصدر للنفط في العالم لديها المرونة في صرف المبالغ الفائضة من الميزانية المخصصة لها بنهاية كل عام مالي عبر ما يعرف بالمناقلات بين بنود وبرامج ومشروعات الميزانية. لكن المصادر قالت إن الوزارة أخبرت الجهات الحكومية هذا العام بأنه في حال عدم إنفاق المبالغ المخصصة لكل مشروع يجب إرسال هذه الفوائض لها مرة أخرى. ولم يتسن الحصول على تعقيب من وزارة المالية.
ويسود اعتقاد بين الكثير من البيروقراطيين ورجال الأعمال والمواطنين السعوديين العاديين بأن فترة من التقشف النسبي باتت تلوح في الأفق، مع سعي وزارة المالية لفرض المزيد من السيطرة على النفقات.
وبحسب وثيقة حصلت عليها “عربي21” الممولة قطريا فإن وزارة الصحة تطلب من كافة الجهات التابعة لها “إيقاف التعاقد على أية مشاريع جديدة، إيقاف شراء السيارات والأثاث والتجهيزات لأي غرض من الأغراض، إيقاف التعيين والترقيات على كافة السلالم الوظيفية والبنود، إيقاف نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة، عدم إبرام أي عقود استئجار جديدة، وفك ارتباط استئجار المباني التي سبق الإعلان عنها”. وأن “لا يتجاوز الصرف من اعتمادات البنود والمشاريع خلال الربع الرابع 25% فقط من الاعتماد الأصلي المرصود بالميزانية، وفيما يتعلق بنفقات المكافآت والمصاريف السفرية والنقل الشخصي فلا يزيد الصرف عن 10% من الاعتماد الأصلي المرصود لها في الميزانية”.
وثيقة نشرها موقع “عربي 21” وثيقة نشرها موقع “عربي 21”
وكانت جريدة “الغارديان” البريطانية نشرت قبل عدة أيام، حيث أفادت الصحيفة أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بعث برسالة إلى وزير المالية تحمل عنوان “سري للغاية” بتاريخ 14 /12/ 1436 هجري 28/9/2015 ميلادية، تؤكد على ضرورة تقليص الإنفاق الحكومي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من ميزانية العام الحالي والإيقاف الفوري لكل مشاريع البنى التحتية الجديدة، وشراء أي سيارات أو أثاث أو تجهيزات أخرى، وتجميد جميع التعيينات على الدرجات كافة، وإيقاف صرف أي تعويضات مالية جراء نزع الملكية من المواطنين، وفك الارتباط للعقارات التي لا توجد حاجة ماسة لنزع ملكيتها، كما يجب منع إبرام أي عقود استئجار لمباني سبق الإعلان عن استئجارها، وأن لا يتجاوز الصرف من اعتمادات البنود والمشاريع خلال الفترة المتبقية من الميزانية عن 25 بالمئة من الاعتماد الأصلي.
وتوضح المذكرات السياسة السرية الصادرة عن الملك سلمان والموجهة لوزير المالية، تدابير التقشف الاقتصادي الجديدة التي سيتم تنفيذها في جميع الوزارات الحكومية، حيث اسُتنزفت المالية العامة السعودية هذا العام بشدة جراء تراجع أسعار النفط، لدرجة أصبح معها من المتوقع أن تعاني المملكة من عجز لا يقل عن 20% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2015.
الرسالة السرية التي تم تسريبها والمصنفة تحت بند “سري للغاية وعاجل جداً”، والمؤرخة بتاريخ 14-12-1436 للهجرة، الموافق لـ28 سبتمبر 2015 للميلاد، تعطي تعليمات صارمة لوقف جميع المشاريع الجديدة، التوقف عن شراء المركبات الجديدة أو الأثاث الجديد أو غيرها من المعدات، تجميد جميع التعيينات والترقيات، التوقف عن دفع تعويضات الممتلكات، وتجميد أية اتفاقيات استئجارية جديدة.
بالإضافة إلى ما تقدم، تم حظر إنفاق ما يزيد عن 25% من قيمة المجاميع المتفق عليها ضمن الميزانيات والمشاريع القائمة وذلك خلال الربع الرابع من السنة المالية، كما وتم حظر تجاوز نفقات السفر ونفقات الأعمال التجارية الأخرى ذات الصلة لنسبة 15% من الميزانية الأصلية.
توضح الرسالة ضرورة زيادة السرعة التي يتم من خلالها رفد خزائن وزارة المالية بعائدات النفط، وتشدد على ضرورة تنفيذ أوامر الملك الصادرة ضمن الرسالة على الفور، شريطة عدم تأثر أي حقوق تعاقدية جارية، علماً أن الغارديان لم تكن قادرة على المصادقة على صحة هذه الوثائق، ولكن الخبراء يقولون بأن الوثائق تبدو حقيقية.
أزمة النفط، التي تجلت بانخفاض أسعار البرميل إلى النصف ليلامس عتبة الـ50 دولار للبرميل الواحد، تزامنت مع الحرب المكلفة التي شنتها السعودية في دولة اليمن المجاورة، وبعض الهبات السخية المفاجئة التي أصدرها سلمان عندما خلف الملك الراحل عبد الله على كرسي العرش في بداية العام الحالي.
“العجز المالي السعودي تضخم نتيحة لقرار الملك سلمان بمنح راتب شهر إضافي لجميع موظفي الدولة بعد تسلمه العرش”، وفقا لما قال ديفيد باتر، الخبير في الشأن المالي السعودي في مركز أبحاث تشاتام هاوس، وأضاف “حرب اليمن عملت أيضاً على إثقال كاهل الميزانية بتكاليف باهظة، ولكن رغم ذلك، ليس من الواضح بعد ما إذا كانت مصاريف الحرب ستظهر ضمن الحسابات المالية السعودية”.
شددت وثيقة أخرى تم تسريبها من وزارة المالية وحملت عنوان “تعليمات بشأن إقفال الحسابات وإعداد الحساب الختامي للسنة المالية 1436-1437″، على ضرورة قيام جميع الوزارات بإقفال المدفوعات النهائية لهذا العام قبل انتهاء يوم العمل في 15 نوفمبر القادم، وكون السنة المالية السعودية تنتهي في يوم 30 ديسمبر 2015، فإن إقفال الحسابات الختامية في 15 نوفمبر القادم قد يعني بأن العديد من موظفي الخدمة المدنية السعوديين لن يقبضوا معاشاتهم عن الستة أسابيع الأخيرة من العام الجاري.
ويوضح تقرير رسمي للحكومة السعودية في العام الماضي بأن أكثر من 1.3 مليون شخص، أي ما يشكل 12% من إجمالي العاملين في السعودية، يعملون ضمن القطاع العام في المملكة السعودية، وتشكل النساء نسبة 38.7% منهم.
صافي الاحتياطات الأجنبية السعودية
يصف ستيفن هيرتوغ، الأستاذ المشارك في قسم بورصة لندن التابع للحكومة، الوثائق التي تم الكشف عنها بأنها “دعوة للصحوة”، ويشير بأنها “التنبيه الأول لجميع الجهات الحكومية ذات الميزانيات العالية لكبح جماح إنفاقها”، ويتابع واصفاً الوثائق بقوله “إنها استجابة قاسية نموذجية، فأولاً يبدأ الأمر بحملة لكبح جماح أو تجميد جميع أنواع الإنفاق في جميع الجهات، ومن ثم يتم التفكير لاحقاً باتخاذ تدابير أكثر تحديداً”.
“السعودية لم تستنفد أموالها في الوقت الحالي، ولكن مستوى إنفاقها يتجاوز بدرجات الإيرادات التي تدخل إلى خزينة الدولة”، يقول هيرتوغ، ويتابع “المملكة بحاجة لممارسة إصلاحات مالية أكثر إيلاماً، تتطلب المزيد من التخطيط، والمزيد من التعديلات السياسية الحساسة، كتخفيض سعر دعم الكهرباء والبنزين، إصلاح القطاع العام، إصلاح نظام الأجور والمكافآت، ولكن نظراً لصعوبة وحساسية هذه الإصلاحات فإنها ربما ستصدر وتنفذ على نحو أبطأ”.
يشير هيرتوغ إلى أن السعودية تعرضت لصدفة مؤسفة تتمثل بتلازم خلافة الملك سلمان على عرش المملكة مع الانخفاض الشديد المفاجئ في عائدات النفط، مضيفاً إن تكلفة العلاوات في القطاع العام، وتكلفة الحرب على اليمن، بالإضافة إلى تكلفة مساعدة دول المنطقة كمصر، رفع سعر تعادل النفط ضمن الميزانية السعودية إلى 110 دولار للبرميل.
وفي غضون ساعات من كشف الوثائق السرية، سرت نقاشات واسعة النطاق بين السعوديين المذعورين من تدابير التقشف الجديدة، فاتحة الباب أمام التساؤلات عن الآثار التي ستنجم عن هذه التدابير المستحدثة.
“السعودية تراخت للغاية في انضباطها المالي” قال هيرتوغ، وأضاف موضحاً “خلال سنوات الازدهار النفطي كانت السعودية تتصرف وكأن المال لن ينتهي، لقد أسرفت بشكل كبير في إنفاقها على جميع الميزانيات الوطنية ابتداء من بداية هذا القرن، وبالمتوسط كان الانفاق السعودي يتجاوز الميزانية المقررة بحوالي 15%، والرسالة التي كُشفت الآن تنذر السعوديين بأن زمن الإسراف قد انتهى”.
وفي ذات السياق يقول باتر “السعودية لا تمتلك أي مصدر دخل رئيسي سوى النفط، فمستوى الضرائب منخفض للغاية، ولا يوجد في الدولة ضريبة على القيمة المضافة، كما أن مستويات الدعم الحكومي تنتشر في جميع أنحاء النظام، ومصاريف القطاع العام مرهقة للغاية، والأجور خارج نطاق السيطرة، وهذه المشاكل معروفة منذ فترة طويلة”.
المصادر: الغارديان – نقلا عن الديار اللبنانية، عربي 21